احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

قمر بغداد



حمل الملا المتنور ابراهيم الزعفراني ، كراته الثلاث التي تمثل الأرض والشمس والقمر ودفتر حساباته وقياساته ، ودلف الى مقر جريدة العراق البغدادية ، وأخذ يشرح لهيأة تحريرها موعد خسوف القمر قبل حلوله بثلاثة أسابيع ، فسارعت الجريدة بنشر الخبر الذي وقع على البغداديين كالصاعقة . 
فمن أين لذلك الملا معرفة موعد ظهور الحوتة المنحوتة التي ستلتهم قمرهم الجميل ، وتغير من طباعهم ، وقد تجلب لهم الكوارث ، وان صح الخبر ، فهو لابد أن يعرف أين تختبأ الحوتة ؟
تطوع مجموعة من الأشقياء واقتحموا بيت ابراهيم الزعفراني .
كان ابراهيم في ذلك الوقت يراقب السماء بمنظار مقرّب ، يتابع حركة الأرض والقمر ، فشعر بحركة غريبة خلفه ، ووجد نفسه محاطاً بالأشقياء الثلاثة .
كان الأول خلف بن أمين ، وهو رجل قصير القامة طويل اللسان ، يحمل مسدسين بحزامه ، والثاني حسن كبريت ، وهو طويل ومحدودب الظهر ، شرس النظرات ، يمسك بيده خنجراً معقوفاً ، أما الثالث فهو ممودي المصارع في الزورخانة ، وكان يحمل بيده ( توثية ) هائلة الحجم ان وقعت على جدار حطمته .
هجم عليه الرجال الثلاثة وقيدوه الى الجدار وأخذوا يضربونه دون شفقة ، ليدلهم على مكان الحوتة ليقتلونها قبل أن تبتلع قمر بغداد .
وكل منهم لديه سبب وجيه لقتل الحوتة ، فممودي متزوج حديثاً ويرغب بولد يخلفه بادارة الزورخانة ، واذا بلعت الحوتة القمر ، فستتصاب زوجته ب ( بالجبسة ) .
وحسن كبريت يريد أن ينهي حياة الأشقيائية بعمل جبار ، لم يقم به أحد قبله ، الا وهو قتل الحوتة وتخليص القمر من شرها ، فليس من المعقول أن تبلعه كل عام دون أن يتطوع سبع من السباع ويغرز خنجره بجبهتها .
أما خلف بن أمين فهو ( سمعجي ) يبحث عن الشهرة ولو كلفه ذلك حياته .
قال خلف وهو يرتجف من قمة رأسه الى أخمص قدميه .
- لك .. قر ، إعترف ؟
قال ممودي - طلّع الحوتة ، لك ؟
قال حسن - إعترف أحسنلك .. وين الحوتة خاتلة ؟
بلع ابراهيم الزعفراني ريقه وقال - فوق مئذنة جامع ( المعظم ) .
تبادل الرجال الثلاثة النظرات فيما بينهم وتوجهوا ناحية جامع المعظم يتبعهم خلق كثير ، بعضهم يحمل الحبال وبعضهم الآخر يحمل الطبول والقدور والقروانات والجفاجير ، يقرعونها بأصوات تصم الأذان ويصيحون .
يا حوتة يا منحوتة .. هدي قمرنا العالي 
هذا قمرنا نريده .. هو علينا غالي 
كانت الساعة تقترب من الثامنة مساءاً ، وهو الوقت المحدد للخسوف حسب تقويم الملا ، وكان إمام الجامع ، الشيخ عمر يقيم في المئذنة منذ وقت طويل ، فهو رجل كبير السن وبدين جداً لا يستطيع الصعود والنزول كل يوم خمس مرات لرفع الآذان ، فقرر أن يعيش في المئذنة ويتفرغ للعبادة مع اللقالق ، ومع مرور السنوات وعدم الحركة والأكل الوفير تضخم جسد الشيخ عدة مرات حتى أصبح بحجم الحوت .
دخل الأشقياء الثلاثة بضجة الى الجامع ، ثم صعدوا سلم المئذنة الضيق واحداً إثر الآخر ، شاهرين أسلحتهم حتى وصلوا الى قمتها حيث يقيم الشيخ عمر .
كان مكان الشيخ نصف مضاء بفانوس كليل الضوء ، وكان الشيخ قد تناول عشاءه الدسم للتو ، فشعر بالنعاس وتمدد على فراشه وأخذ يشخر وبطنه العظيمة تعلو وتنخفض بضجة .
مد حسن كبريت رأسه بحذر ، فشاهد الجسد الهائل وهو يتنفس بصعوبة .
التفت ناحية رفاقه وهمس - لگيناها .. اليوم يومكم يا شباب ؟
تزاحم ممودي مع خلف بن أمين على القاء نظرة على العدو .
فغر خلف فمه متعجباً ، فهو طيلة حياته لم ير شيئاً بذلك الحجم ، انها أكبر من باص المصلحة أم طابقين ، وأصغر قليلاً من عمارة الدامرجي .
تمتم ممودي - هذه الحوتة الملعونة راح لحمها يكفي بغداد صوبين !
قال كبريت - لحم الحوتة حرام ؟
- يا حرام يمعود ، خللي الولد ياكلون .
صرخ كبريت - الله أكبر !
هجم الثلاثة على الحوتة وسقطوا بعنف فوقها ، لكن الحوتة لم تصدر أي صوت ، مجرد أنة خفيفة ثم همدت الى الأبد .
تعجب الأشقياء من سرعة استسلام الحوتة لهم دون مقاومة ، وهي التي دوخت العالمين طيلة القرون السالفة ، فقاموا وربطوها بالحبال من أجل سحبها وانزالها من النافذة الى الناس حتى يرونها يأعينهم ويصدقون بموتها .
فتح ممودي نافذة المئذنة وحيا الجماهير التي تجمعت بالآلاف حول الجامع .
قال مخاطباً الناس - كلشي تمام .
أمسك خلف بن أمين لاقطة السماعة وقال يختبر صوته ويتأكد من وصوله الى أطراف بغداد وضواحيها - الو .. الو .ثم أكمل .
في تمام الساعة الثامنة قام المدعو خلف بن أمين بقتل الحوتة المنحوتة بعد معركة عنيفة ، يفر منها الأبطال ويشيب لها الولدان ، حيث حاصرها داعيكم وابن محلتكم ، مع البطل حسن كبريت والفارس المصارع ممودي ، واستطاعوا قتلها وتخليص القمر منها ، حيث بعد الآن لن تبقى امرأة مجبوسة ولن تحتاجوا لتخسيف قدوركم وطاواتكم من أجل أن تزوع القمر ..الو .. الو .
تعاون الرفاق على حمل الجثة وأنزلوها ببطء من قمة المئذنة .
زغردت النساء والصبايا وأخذن يرددن .
يا قريب الفرج .. يا عالي بلا درج 
قمرنا طايح بشدة .. وخلف بن أمين هده 
وصلت الجثة العظيمة للأرض ، فارتفعت الصلوات .
بعض الناس رغم معرفتهم الأكيدة بالشيخ عمر ، لكنهم بسبب الظلمة والهرج والزحمة والدخان ، لم يستطيعوا التعرف عليه ، فهم لم يروه منذ وقت طويل ، ولم يعد أحد يتذكر شكله ، وكذلك بسبب سمنته المفرطة التي جعلته يشبه حوت العنبر ، فقد نزلت بطنه على ساقيه وغطتهما تماما ، ونزلت رقبته على صدره حتى غطته فأصبح أقرب للحوت منه بشيخ جامع .
وضعوه على ظهور أربعة بغال قوية وساروا به الى المقبرة وهم يهللون ويكبرون .

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق