احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

القرد مبروك


يحدث أحياناً أن يقدم لك صديق هدية قيمة فتتحول تلك الهدية الى نقمة كما حدث معي، فأنا أعيش في مدينة خالية من القرود (القرود لا تعيش في المناطق الباردة)، الناس هنا لم يروا بحياتهم قرداً، لا وجود له في حدائق الحيوانات ولا في المحميات الطبيعية كما أن وجوههم جميلة جداً لا تشبه أسلافهم العظام لامن قريب ولامن بعيد، يندر أن تجد أحداً له ملامح قردية تصله بسلالة الوحوش المرحة تلك، لكن صديقي الصومالي المغامر (عبدول) يذهب كل سنة الى مسقط رأسه ويعود محملاً بغرائب ولطائف ذلك البلد الجميل، ففي احدى المرات جلب لي زيهم الوطني المزركش والملون بألوان زاهية مع الطاقية والشبشب والعصا الرفيعة، زي يجعلك تشعر بالفخر الشديد لكونك رجل وسيد نفسك..
ألبس ذلك الزي عادة في عطلات نهاية الأسبوع وأخرج أتفسح بالشارع أو بالقرب من النهر، يبتسم الناس بوجهي ويبدون إعجابهم بالزي وبالوانه الزاهية وزهوره الفاقعة، يتطلعون بي من الشبشب حتى الطاقية، لكنهم يخشون عصاي ويحاولون الابتعاد عن طريقي فهي عصا رفيعة وطويلة أشبه بالرمح، مدببة من الأعلى ومزخرفة من الأسفل، عصا شريرة تصلح للضرب والبسط.
في هذه السنة جلب لي عبدول قرداً شديد الشبه بالانسان.
نعم انه قصير بعض الشيء وكثير الشعر وطويل الذراعين واللسان، لكنه يبقى مجرد قرد كما أنه هدية والنبي قبل الهدية من يهودي فكيف لي أن أرفض هدية عبدول.!
جلبه الى شقتي مع أغراضه وحقيبة ملابسه وعثق موز كبير.
- أنيس لطيف لن يكلفك شيئاً على الاطلاق وسيساعدك بالتنظيف والطبخ وغسل الصحون انه هدية والنبي قبل الهدية يا زلمة؟
ان مشاهدته ومراقبة أفعاله البهلوانية وشقلباته أحسن من مشاهدة التلفاز والمسلسلات الفضائية التي تدمن على متابعتها..
هكذا أقنعني عبدول بهديته الثمينة وترك مبروك برعايتي.
جلس مبروك على الأريكة بكل هدوء، نظر الى المكان وتفحصه بعين الخبير نطق بشيء لم أفهمه فتجاهلته..
انه مجرد قرد.
عدت الى مشاغلي الشخصية وهواياتي المفضلة، وضعت الطاقية على رأسي ولبست ( الجلابية ) الصومالية وانتعلت الشبشب وأخذت أغني (جميلة ، جميلة .. يا وردة البستان).
فجأة سمعت صوت الآذان يرتفع وهذا ما لم أسمعه منذ زمن طويل، ظننت أنه برنامج تلفزيوني عن الاسلام أو شيء من هذا القبيل، رفعت صوتي بالغناء فأرتفع صوت المؤذن أعلى ثم أعلى وترددت عبارة الله أكبر المخيفة بأرجاء العمارة التي أسكن بها.
شعرت بالخوف فهرعت لأطفيء التلفاز، فالناس هنا شديدي الخوف والحذر من مثل هكذا شعارات.. ركضت من غرفتي الى الصالة فوجدت القرد مبروك يؤذن.
اندهشت، فسقطت بالقرب من قدميه المشعرتين المفلطحتين. قال مبروك.
- يا زول.. يا زول يا كافر تغني وقت الصلاة!
تلعثمت وأردت أن أقول شيئاً، لكنه سلقني على عجيزتي بالعصا المدببة فأصابني الخرس ولم أعد قادراً على الأجابة.
قال - إركع يا كافر؟
ركعت معه أربع مرات ولو أراد لزدته خامسة وسادسة، تربع على السجادة وأخذ بالدعاء والسواك والتحمد والتعبد وأنا أفعل مثل فعلته وأكثر قليلاً، فقد ركبني الخوف فعلا انها المرة الوحيدة بحياتي التي أرى فيها قرداً مسلماً مؤمنا خاشعاً، انها معجزة في زمن لامعجزات فيه، فكرت أن أصوره وأضعه على اليوتيوب وأختار له عنواناً مثل (معجزة اسلامية) أو شيء من هذا القبيل، فكرت بأن أخذه للجامع معي عسى أن يسمحوا لي بالدخول، فأنا ممنوع من دخول الجوامع والحسينيات، بسبب صراحتي التي لاتحتمل.
قلت لمبروك - سنذهب للجامع يا عم، جهز نفسك؟
تبسم مبروك ولبس مثل ملابسي ووضع عصاه على كتفه وتمشينا ناحية الجامع وهو يبسمل ويحوقل..
لحسن الحظ لم يعترض طريق دخولنا أحد، ربما ببركات مبروك أو بسبب ملابسي الصومالية، هناك وجدت جميع أصحاب المتاجر اللصوص، وجميع الشطار والعيارين والحرامية والمتلاعبين بالقانون يصلون بخشوع ويرتجفون حينما يركعون وحينما وينهضون، فلم أتمالك نفسي من هول ما رأيت فزعقت.
- اللهم صلي على محمد وال محمد.
التفتت ناحيتي مئات الوجوه الخاشعة المطمئنة أنتقلت نظراتهم بيني وبين القرد المؤمن مبروك .
أكملت- جلبت للجامع إمام جديد، حافظ للقرآن عالم بأصول الدين ناسخها ومنسوخها.
وقف مبروك بقامته القصيرة ويديه الطويلتين ورفع الآذان مرة ثانية وركع فركع معه الجمع المؤمن بخشوع منقطع النظير.
أما أنا فتسللت على أطراف أصابعي أبحث عن المخرج قبل أن ينهي مبروك صلاته.


اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق