كلما هممنا بالسكر أنا وصحبي وهم قليلون على أية حال، يبادر أحدنا بالقول- ماذا تحبون أن تسمعوا؟
ترتسم على شفتي ابتسامة حائرة وأجيب- جذاب.
فنستمع للأغنية الخالدة سواء بصوت طالب القرغولي أو بصوت ياس خضر وكل منهم له طعمه وإحساسه وصوته. نستمع للأغنية ونحن نهز رؤوسنا نؤيد ونستحسن ما يقوله المطرب دون أن نتساءل أو نفكر للحظة.
(من هو الكذاب)؟
ولماذا يصر معظم العراقيون على سماع تلك الأغنية بالذات حينما يريدون أن يفروا تلك الجمجمة العنيدة المليئة بالحروب والموت ومخيمات اللجوء والمنافي.
الشرب وفير وبطل البيرة أرخص من بطل الماء والويسكي يباع ب ( الغالون) وياس خضر يصرخ (جذاب) ونحن نهز رؤوسنا التي غزاها الشيب والصلع وضربات الزمن الغادرة، فها نحن نكبر وحيدون ونموت دون أن يعرف أحد بموتنا، واحدنا يتعفن على كرسيه ولا شيء في غرفته سوى صوت ياس خضر يزعق دون ملل (جذاب).
الكل باطل وقبض ريح وتلك رحلة مشيناها سواء كانت خيرة أو باطلة لكنها تبقى رحلة خالية من الأذى، وهذا ما أردته وما سعيت له، أن لا أوذي أحد ما في هذا العالم وقد حققتها دون أن أكذب أو أسرق أو أقتل، أن أخرج من هذا العالم نظيفاً.
في مخيمات اللجوء، في الصحراء، داخل الخيام، حيث لا شيء تفعله لقتل الوقت وتجعله يمضي سريعاً. عليك أن تبتكر وتخلق تلك اللحظات السعيدة والخالدة لتبقى حياً وتواصل كفاحك لينتهي يومك على خير وكانت واحدة من تلك الأساليب ببساطة هو أن تسكر.
فالأيام الطويلة والمملة والمكررة جعلت منا نفكر بتلك الخلطة السحرية التي تجعل منك مرحاً وشجاعاً وكريماً وسخياً وقوياً، مثلك مثل أبطال الأساطير الذين تركوا أغانيهم وأناشيدهم وبطولاتهم مرسومة على سطوح الكهوف والجدران.
فرسمنا تلك المعادلة البسيطة التي تحول السكريات الى خمرة، وتلك معادلة ليس أبسط منها في هذا الكون، فالانسان إكتشف الخمرة قبل أن يهديه فكره الى معرفة الخبز.
أتذكر أني جربت أن أصنع نبيذي الخاص بالفطرة فجمعت حبات العنب الفاسدة ووضعتها في قنينة وأضفت لها بعض من فتات الخبز كخميرة وتركتها تنمو ببطء ورحابة صدر حتى حصلت على نبيذ بدائي يجعلك تنطح رأسك بالصخر وتغني دون كلل ( جذاب).
دون أن أن تعرف من هو الكذاب الذي كذب عليك وخانك.