احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

السنا والسنوت

السنا والسنوت 
  

الذكريات القديمة تنبثق فجأة ... وماذا بقي ليّ سوى تلك الأصنام الخرساء ، تلك الخيالات التي تحاصرني بوجودها . لوكنت اعرف كيف اطردها لاغلقت عيني على هذا الغروب الفاجع ، هذا الظل المبهم وهو يلهث عند النافذة ، متوعدا هذه الروح بالظلمة والموت ... لانفع بعد ألان من كل الأعشاب الخيرة والشريرة ، البتلات التي اسندت جسدي الهرم طوال العقود الماضية وجعلته ينتصر في معركة الموت الرهيبة . لافائدة من كل هذا الهراء . 
الروح تهرم أيضا .. 
هذا ما راهنت عليه للخروج منتصرا . أردت حبسها الى أن يصيبها العجز فلا تقوى على المغادرة . تبقى حبيسة الجلد الى ان يتسنى ليّ معرفة طرائق الموت . 
الموت فن أيضا ، فن يتعلمه الآخرون ويدربون أنفسهم عليه ليذهبوا دون ضجة . لا أجيد سوى صنع تماثيل الموتى ولم أتعلم فن الموت ، فعالجت جسدي بأكوام الاريانت ، استهلكت آلاف الأطنان من تلك العشبة الفريدة وغذيت بها هذه العظام حتى ارتوت بالحياة . رأيت الجميع يموتون من حولي . رأيتهم يتناسلون كالجراد ثم يموتون ببشاعة رغم ما تعلموه ، ولم اكن آسفا على موت أحد سوى موتها ، قمـري .. ابنتي وحفيدتي الجميلة التي أحبتني ورفضت درب الفضة مهرا لها ، وبموتها المبكر الذي عجزت عن إدراكه ولم أمد إصبعا لإيقافه ، شعرت بلحظتي الأخيرة تقترب وليس لي معرفة بطرق الموت السرية التي أجهلها تماما ، فانهمكت بصنع المزيد من الأصنام واحطتها بي ، من اجل إفزاع روحي حتى لا تفر . 
غرفتي مازالت ممتلئة بآلاف منهم . آلاف المخلوقات التي عرفتها عن كثب والتي لامستها وشممتها وحلمت بها ، ها هي ترمقني بعيون مدهوشة . أدهشتها فجاعة اللحظة ... وا أسفاه على تلك الأرواح التي لم تنفعها معارفها على تخيله ومصادقته والرحيل معه بسلام ، لانه فائق الجمال ، فائق البشاعة بعدالته المطلقة التي لا تستثني أحدا حتى امهر العشابين امثالي . 
اني استشعره قريبا مني ، فاهرع ناحية مخلوقاتي واختبأ خلفها بانتظار ان يغادر ، بانتظار ان يمنحني فرصة أتعلم بها كيف أواجهه ، كيف أتحمل لهاثه المرعب وهو ينتظر عند النافذة ، زحفت على بطني لاغلقها ، فرأيت طيف قمـر الشاحب يقود روحا أنهكها الاريانت . 
- قمـر .. قمـر .. 
التفت الطيف ناحيتي . 
- سأعود .. سأعود لآخذك يا عبد القدوس . 
رأيتهما يبتعدان في الظلمة وقمر تحنو على الروح المنهك تأخذه بعيدا عن رائحة الاريانت . 
زحفت ناحية السلم ، كانت الجرذان تنظر لي بحذر وهي تقرض الاخشاب ، كان الظلام يخيم على المكان وكان (( هارون )) يلصق صفية الى الجدار . 
- هارون .. هارون . اصرخ باسمي ياهارون . 
زعق هارون - صفية .... صــــفية .. 
كانت رائحة عرقهما تملأ المكان ، وزعيق هارون الشبق أيقظ الأرواح النائمة في غرفتي فأخذت تتخبط في أرجاء المنزل وتصطدم ببعضها بصخب . فتحوا عيونهم المطفأة ولملموا رميمهم وخرجوا خلفي . جميع الذين عرفتهم في حياتي الطويلة ظهروا فجأة وكأن أحدا منهم لم يغادر (( الناصرة )) . 
- هل مات حقا .. قال هارون وهو يلهث . 
- آه ... ياهارون مات عبد القدوس ... مات العجوز الذي لا يموت . 
كانت عينا (( ست الحسن )) تلمعان في الظلام وشفتاها ترتجفان - مات العجوز الاحمق . 
تجولت في المنزل فلاحقتني حيواته القديمة التي اسندته بأحلامها ودموعها ، تجولت في غرفه وممراته ابحث عن احلامي لآخذها معي قبل ان ارحل .... أنا العشاب الثرثار الذي ظن انه لا يموت وان قوة الأعشاب قادرة على صيانة هذا الجسد إلى الأبد . 
* * * * 
كان أسمي يوسف وثلاثة أسماء أخرى ، ومع كل أسم جديد ولادة ثانية لشخص آخر في جسد واحد ، ولم يكن عبد القدوس الاسم الذي عرفت به في الناصرة سوى مزيج من رحلة أولئك الرجال في جسد واحد لا يفنى ، وأحلام بعدد ذرات الرمال ، بعضها بقي مجرد احلام وبعضها جاهدت بتحقيقه حتى لاينفد صبري وأموت . 
كان يوسف يعيش بعيدا إلى جانب البحر ، البحر العنيف والمظلم والملئ بالأخطار والغموض . هناك الحيتان الضخمة التي بإمكانها ابتلاع قرية لو أرادت ، والوحوش القابعة في الظلمة ، وحوش سوداء وكئيبة تبعث الرعب في أعشاب (( السنا والسنوت )) فتعرق الأعشاب ، عرقا حامضا ، تشمه الوحوش السوداء والكئيبة وتهتدي لمكانها وتلتهمها هي وعرقها وجذورها ... تلمع عيون الوحوش بالحياة وتواصل رحلتها إلى ما نهاية ، لا الأعشاب تنتهي ولا الوحوش تموت . 
وخلف البحر المظلم سمع يوسف عن مدينة تنمو بها تلك الأعشاب كالفطر وأهل تلك المدينة لا يأتيهم الموت لانه لا يعرف طريقا إلى مدينتهم المحاطة بحقول العشبة الفريدة .... لم يغامر أحد بعبور البحر إلى الجانب الآخر حتى أشجع البحارة المغامرين . 
قال يوسف - سأعبر ... 
وسار باتجاه الشاطئ يبحث عن قارب متين وبحارة شجعان . 
قال البحارة - لا نعبر من أجل مدينة ناسها لا يموتون .. لا نعبر لأننا لا نريد أن نعيش إلى الأبد . 
كان البحارة يتكدسون على سطح سفينة (( بيري الرّيس )) ويدخنون بضجر ، وكان الرّيس عجوزا لم تطأ قدماه اليابسة ... كان يجلس وحيدا في قمرته وسط اكوام خرائط (( ابن حوقل والادريسي )) والخرائط التي رسمها بنفسه لكل بحار الأرض . 
طرق يوسف باب قمرته كما يفعل البحارة . طرقتان ودخل ، ألفاه جالسا على سريره في قمرته نصف المضاءة يحدق بخرائط العالم التي تغلف الجدران . قال يوسف . 
- احتاج مساعدتك يا ريّس . 
رفع العجوز عينيه المالحتين وقال . 
- سمعت انك تريد العبور إلى تلك النقطة . 
أشار إلى نقطة مرسومة في أعلى الخارطة . 
- نعم .. فهناك مدينة لا يدخلها الموت . 
- هراء .. ما تقوله هراء . لا أحد يعرف ماذا خلف تلك المياه ، ولن تجد أحدا من بحارتي يذهب معك من اجل عشبة .. البحارة الحقيقيون لا يسيرون خلف الأوهام . ما يطربهم رنين الذهب والنساء ، انهم بحارة يا يوسف وليسوا شعراء . 
- لهذا آتيت إليك .. أريد معونتك . 
- إن هذا سخف .. سوف لن تجد من يساعدك . 
- حتى أنت يا ريّس . 
- اسمع .. 
نهض العجوز بخفة من سريره وقاد يوسف إلى سطح السفينة أشار إلى المدينة النائمة . 
- ابحث عن (( سليمان )) انه في مكان ما في هذه المدينة , هو الذي سيريك الطريق . 
- وكيف أجده ؟. 
نظر إليه العجوز بحدة وقال - انه هناك في المدينة . 
- نعم .. لكني لا اعرف مكانه . 
- وكيف تريد أن تعبر بحر الظلمات إلى ارض مجهولة وأنت لا تستطيع العثور على رجل من مدينتك ... اذهب ألان . 
نزل يوسف من السفينة متجهما واتجه ناحية المدينة التي نامت منذ وقت طويل . اقترب من سورها ناحية الباب المغلق وانضم إلى قافلة المتأخرين أمثاله بانتظار شروق الشمس حتى يفتح الباب ... كانوا بضعة غرباء يتحلقون حول نار أشعلوها فتوهجت وجوههم بفعل الحرارة . وغير بعيدا عنهم أنزوى رجل بثياب الفقراء ، وكان يحدق به بصمت مريب . وعندما فتح الباب ودخلوا احتك كتف الغريب بكتفه فقال . 
- رأيت انك تبحث عني فأسرعت خطاي لالحق بك . 
- من أنت ؟! 
- انا سليمان . تعال معي . قال الغريب . 
كان الرجل يتلفع باطمار بالية ويسير بسرعة وكأنه على موعد مع أحدا ما ، كما انه لم يلتفت ناحية يوسف الذي كان يسرع خطوه ليلحق به ، قاده في أزقة المدينة التي يبدو انه يعرفها جيدا ، ثم انعطف ناحية زقاق يقف فيه ثلاثة رجال صامتين وكأنهم يحرسونه من دخول الغرباء . أقترب منهم الرجل وتحدث معهم بخفوت فابتسموا ، بانت أسنانهم وبرق لمعان الذهب من أفواههم . 
قال أحد الرجال الثلاثة - كم سيدفع ؟. 
- سيدفع لكم ذهبا . 
- نريد ان نرى بعيوننا . 
مد الرجل يده بجيبه وأخرج منه قبضة قطع ذهبية . تناولها الرجال الثلاثة وتفحصوها بأصابعهم وعضوها بأسنانهم . 
أتم الرجل الصفقة بسرعة غريبة ، التفت أليه وقال . 
- اتبعني . 
أفسح الرجال الثلاثة لهما الطريق فدخلا الزقاق ناحية منزل فتح سليمان بابه فأستقبلهما بهو واسع ونظيف تجلس وسطه امرأة ضخمة الحجم فرشت أمامها أوراق (( التاروت )) التسعة ، رأى يوسف قصرا مرسوما على إحدى أوراق التاروت . 
- يوسف ... قالت المرأة وهي تبتسم . 
- إنها أم الخير .. قال الرجل . 
- تعالا إجلسا إلى جانبي . 
جلس يوسف على يمين أم الخير التي كانت تعبق منها رائحة طيبة ، وجلس سليمان على يسارها . 
قالت - أختر واحدة من هذه الأوراق يا يوسف . 
وضع إصبعه على الورقة التي جذبت نظره في البداية . صورة القصر الأزرق . 
- لم يخب حدسي ، قل لي يا يوسف لم ترد العبور ؟ 
تلعثم يوسف من نظرات المرأة التي كانت تزنه وقال . 
- من أجل عشبة ... 
- كهذه ... قالت المرأة وهي تشير إلى ورقة تاروت تصور زهرة غريبة . 
- ربما . 
- هل رأيتها في الحلم ؟ 
- كلا .. سمعت بها . 
- هل تخشى الموت يا يوسف ؟. 
- أخشاه لاني لا أعرف ما هو . 
- ومن يعرف .. قل لي لم يقلقك الموت ؟!. 
- لا أدري .. مجرد خوف منه . 
- لابد وان تكون كثير الخطايا ... قلب أسود . 
- لا أدري . 
غمغمت المرأة - أنا أدري . 
ثم التفتت ناحية سليمان الذي كان صامتا ينصت لحوارهما وقالت . 
- سيعبر ، قلبه أسود .. 
اتسعت أسارير الرجل ونهض بخفة وقال . 
- سأعمل على تجهيز كل شئ هذه الليلة .. أعمل على ان تنام جيدا فأمامك رحلة طويلة . 
بقيا يتابعانه بأنظارهما حتى خرج واغلق الباب خلفه . 
- كان يبحث عنك منذ زمن طويل . قالت المرأة . 
- يبحث عني ؟! 
- نعم .. أوراق التاروت دلته عليك ... أنظر يا يوسف أليس هذا أنت ؟ 
كان هناك رجل في الصورة يجلس على هيئة عابد وسط مئات من البشر الأقزام ، وكان يبدو أنه الوحيد الحيّ بينهم . 
- أنه أنت .. همست المرأة بأذنه . 
شعر بأنفاسها الحارة والعذبة تدغدغ إذنه - أنت يا يوسف . 
أخذ صوت المرأة يصبح رقيقا ومراوغا ، وشعر بجسدها الضخم يلتصق به ويحاصره . 
- هل أنت متزوج ؟ 
- كلا . قال يوسف 
- حدست هذا ، كما اني أعرف أنك لم تلمس أمرأة .. قل لي كيف تشتهي أن تكون امرأتك ؟ 
- جميلة . قال باقتضاب . 
ابعد جسده الضئيل عنها قليلا . 
- خجول ... كنت أظنك ترغب بمغامرة صغيرة . قبل ان تخوض مغامرتك الكبرى . لكنك خجول . الخجل لا يليق بالرجل .. 
- أنا لست كما تظنين . 
- كم عمرك ؟ دعني أحدس .. عشرون .. الأوراق تقول انه شاب .. لا شباب بعد العشرين . 
ضحكت أم الخير بصوت عال فأهتز جسدها الضخم . 
- لم تعد صغيرا يا يوسف .. 
كشفت إحدى الأوراق وعضتها بأسنانها - أحزر ماذا تقول هذه الورقة ؟ لمح يوسف الورقة بطرف عينه ، كانت صورة رجل ممد على سرير وحوله على الجدران سكاكين طويلة . 
- التاروت لا يكذب ... 
رفعت المرأة جسدها الضخم من الأرض ومشت بتثاقل - سوف تأتي . 
وحينما وصلت إلى غرفتها التفت ناحيته وقالت - سأترك الباب مفتوحا . 
حتى ذلك الحين لم يكن يوسف قد لمس جسد امرأة من قبل ، فأرعبته فكرة احتواء جسد ام الخير الهائل بذراعيه ، لكنه لم يقاوم رغبته في اكتشاف جسده هو وليس جسدها ، فما الذي سيفعله بتلك الأثداء الضخمة والكرش الممتلئ . وأخذ حيوانه النشط يعذبه فقفز من مكانه وتسلل بحذر ناحية غرفتها التي كانت مهيأة لليلة الحب تلك . كانت الغرفة نصف مظلمة وأم الخير جالسة على السرير تنتظر فريستها الضئيلة الحجم . 
- أهذا أنت يا يوسف ؟. 
كان صوتها مغريا وفيه رنة تعب وانتظار . 
دخل يوسف على أطراف أصابعه وكأنه يخشى أيقاظ عقله فيتراجع عن مغامرته الصغيرة . 
تحركت المرأة لاستقباله فأز السرير تحت ثقل جسدها وتقدم هو ناحيتها كالفأر المذعور . 
كانت جالسة على السرير وقد كشفت الجزء الأعلى من جسدها فبانت أثدائها السمراء الضخمة ، فجلس الى جانبها يحدق بارتباك الى صدرها ورقبتها وشعرها ثم قرب فمه من كتفها وأخذ يشممها كالكلب . كانت رائحتها عذبة ، وكأنها حديقة أعشاب ، اغمض عينيه ليتجنب كتلة اللحم وراح يبحث عن الرائحة التي أسكرته ، أغرق انفه بشعرها وصدرها وشعر بنعومة ثدييها تدغدغ شفتيه ، فطوقته المرأة بذراعيها واستلقت تحته على الفراش ، وأخذت تراقب حركات جسده الخرقاء الذي لا يعرف ما الذي يجب ان يفعله به . 
- حبيبي مازال صبيا .... 
أمسكت بكفه وسحبته إلى مابين فخذيها ، فأستسلم يوسف لها وشعر بأنها تأخذ أصابعه إلى هوة لاقرار لها ، صدمته رطوبة لزجة فسحب يده بعنف وهو يرتجف . وخرجت من فمه حشرجة . 
- ليس ألان .. 
- لاتخف .. قالت .أوراق التاروت لا تكذب . 
ورفعته من على جسدها ووضعته بين فخذيها الهائلين . 
- كلكم هكذا في البداية يا فرساني الصغار . 
جلس يوسف بين فخذيها كالعصفور يحدق مبهورا بمزيج من الرغبة والاشمئزاز الى ذلك الحيوان المشعر الذي تخفيه بين فخذيها . 
@@@ 
حينما أستيقظ يوسف من نومه وجد الى جانبه على السرير أربع من أوراق التاروت مقلوبة على وجوهها ، ووجد أم الخير جالسة على الأرض تطرد قيض الظهيرة عن وجهها بمهفة خوص ، قالت دون ان تفتح عيناها . 
- خذ تلك الأوراق معك . ربما ستخبرك بشيء يوما ما .. 
كانت ذكرى الليلة الماضية غير سارة ولا مبهجة في قلبه فتجنب النظر إليها ، وانشغل بارتداء ملابسه والتطلع إلى الغرفة التي شهدت تجربته الأولى والخائبة في اكتشاف جسد المرأة ، وأسر إلى نفسه بأن لا يعاودها ثانية . 
قالت - الجماعة بانتظارك منذ وقت طويل .. ستجدهم عند الشاطئ .. 
وضع يوسف الأوراق بجيبه دون ان ينظر لها . 
قالت - لاتستخف كثيرا بها .. ستحتاجها ... يا للصيف القائض . 
أدارت مروحتها بحركة ضجرة - اذهب ألان . 
وضع قدميه بنعله وخرج من غرفتها - وداعا يا أم الخير . 
- ستخبرك الأوراق .. وداعا . 
خرج مسرعا من المنزل واتجه ناحية الشاطئ كالمنوم لا يدري ما الذي ينتظره في رحلته الغامضة . كان البحارة ينظرون له بريبة وهو يقطع طريقه ناحية رفاقه الذين رفعوا أشرعة سفينتهم ووقفوا ينظرون إلى البحر الذي يخفي وراءه خيال مدينة لم يصلها أحد . صعد إلى السفينة بصمت وجلس في مؤخرتها بين اكوام الحبال ، بينما اخذ الاخوة الثلاثة يتحركون برشاقة على سطحها . 
انسابت السفينة بهدوء في تلك الظهيرة القائضة مخلفة وراءها الحدود التي صنعها صيادو السمك والباحثون عن اللؤلؤ ، وتوغلت بعيدا في البحر العريض البطن إلى حيث لم يجازف أحد ويجتاز تلك الخطوط الوهمية التي تغلفها الرهبة وتنسج حولها الحكايات المخيفة عن الهوارات والمعاطف الصعبة والاجوان ومخابث البحر . استمرت الرحلة اثنتا عشر يوما من الإبحار الهادئ حتى وصلت السفينة إلى النقطة المظلمة حيث اخرج يوسف يده من جيبه فلم يرها ، وحل صمت مخيف اختفى على أثره كل شئ وما عاد يسمع صراخ الاخوة الثلاثة ولا يشعر بوجود سليمان على سطح السفينة قرب آلاته الخشبية التي قسم عليها دائرة الأفق والجهات الأربعة لان أي منها لم يعد نافعا في تلك الظلمة ، فأخذ يوسف بتلمس طريقه بحثا عن سليمان ليطرد الخوف عن روحه وليطرد وحشته فوجده واجما قرب الدفة يركز نظره ناحية السماء بحث عن مسمار الفلك ، النجم الثلاثي العملاق الذي يحددون سير اتجاههم عليه . 
قال سليمان - إذا اجتزنا هذه الظلمة بسلام سنصل حتما . 
قال يوسف - أين نحن الآن ؟ 
- ربما في (( تاران )) اخبث نقطة في البحر . 
- هل سترافقنا هذه الظلمة طويلا ؟ 
- إذا حالفنا الحظ سنخرج منها بعد أسبوع .. ليس علينا فعل شئ سوى تثبيت الدفة إلى ان نخرج من هذه الظلمة . 
رافقتهم الظلمة لأسابيع طويلة لا يعرفون عددها وكانوا يتناوبون على الإمساك بالدفة بخط سير واحد بانتظار ان يخرجوا من تاران نحو الضوء . وفجأة أيقظهم من خوفهم صراخ أحد الاخوة . 
- اني أرى اليابسة . 
فهفت أرواحهم إلى تلك النقطة السوداء والى ما خلفها من احلام فأرسوا سفينتهم ونزلوا يتحسسون الأرض بأقدامهم ، ولم يستطيعوا ان يخفوا دهشتهم وخيبة أملهم حينما وجدوا سكان تلك المدينة يتحدثون العربية مثلهم ، إذ انهم بدل ان يقطعوا البحر من جهته الجنوبية إلى جانبه الآخر ليصلوا إلى اليابسة التي يريدون ، وجدوا أنفسهم في بلاد مغان وهي لا تبعد كثيرا عن مدينتهم الأصلية ولا تستحق كل ذلك العناء الذي كابدوه ، لأنها لا تحوي أزهارا عجيبة ولاذهبا كما يأمل الاخوة الثلاثة ، وانما كانت مدينة تشتهر بالنحاس وهذا ما لم يرغب به أحد منهم . 
فتمتم سليمان - اللعنة .. وبصق على الأرض . 
وبنوبة غضب فارقهم الاخوة الثلاثة وفضلوا البقاء في مغان لانهم لم يرغبوا بخوض مغامرة أخرى مع ملاح تخدعه الظلمة ، فتبادل سليمان ويوسف النظر فيما بينهما وقررا التوغل ثانية في البحر ، لكن هذه المرة ليس ناحية الظلمة وانما إلى حيث تقودهما الرياح عسى ان يجدا ما يخفف من خيبتهما . 
قال سليمان - ربما سنجد ما نبحث عنه في مكان آخر . 
فرفعا أشرعة سفينتهما أطلقاها في وجه الريح ، عبرت السفينة جزيرة أرادوس ثم اتيلوس واتجهت نحو خليج الجرعاء فلم تثرهما قباب مدينة (( خطاي )) ولا الأيدي التي كانت تلوح لهما فاجتازاها الى خليج كابيوس بخط متعرج أوصلهما الى (( اغارا )) وبعد خمسين فرسخا وصلا إلى باب سلامتي ودخلا إلى البصرة وانحدرا مع مياه الفرات بين بساتين النخيل والقرى الغافية على النهر ، فتنفس يوسف رائحة طلع نخيلها وجذبت أنظاره أعشابها التي أزهرت فقفز من السفينة واشار إلى سليمان مودعا . 
- انتهت رحلتي يا صاحبي .. 
قال سليمان - لماذا هذه الأرض يا يوسف . 
- لا ادري يا سليمان .. لا ادري . 
بقي يوسف ينظر إلى السفينة حتى اختفت ، فادار وجهه ناحية غابات النخيل وقطعها باتجاه رائحة حيوانات أليفة . 
كان الوقت مساءا حينما قادته قدماه إلى (( الناصرة )) . فرفعت الكلاب آذانها تنصت إلى وقع خطواته وعندما ميزت رائحته الغريبة أخذت بالعواء ، وتوقفت قطعان الحيوانات العائدة الى حظائرها تنظر له ، وهربت الطيور من ضجة قدميه التي لم تألفها وكفت الخراف عن اجترار العشب وسكنت الريح للحظات ، فأحنت (( ست الحسن )) أوراقها واستسلمت لضغط أصابعه وهو يقطعها ويدسها في جيبه إلى جانب أوراق التاروت الأربعة . 
في تلك الاثناء كانت هناك عيون عديدة تراقب خطواته بحذر ، تابعت خط سيره في البساتين بانتظار اللحظة التي يكشف بها عن نواياه ، فالناصرة لاتعرف الغرباء ، ولم يدخلها غريب منذ نشأتها الأولى ، حتى قبائل البدو الرحل لم تجد الطريق الذي يوصلها إليها ، لذلك فأن مرور غريب في بساتين الناصرة لم يكن حدثا عاديا ، فمن يدري من أين أتى وماذا يريد ؟ ربما هو جندي من بقايا حملة نادر شاه ؟ أو رسول من ذلك السلطان العنيف ؟ . 
اجتاز يوسف بساتين النخيل ودخل الى المدينة التي تداخلت بيوتها في بعضها بشكل غريب وكأنها تريد ان لا تقع عليها عيون الغرباء أمثاله وتكشف سرها الذي جاهدت بإخفائه طوال السنين الماضية ، أدهشته مسحة السلام التي تغلفها والصمت المريب رعم انه شعر بان هناك حياة خلف الجدران وعيون تنظر له بريبة ، لكن أحدا لم يدفعه الفضول والخروج للقائه ، فأتجه ناحية اكبر بيوتها وطرق بابه ، فأطل رأس ضخم من النافذة العليا ووجه يبتسم بقلق . 
قال الرجل - أهلا أيها الغريب ، 
كانت عينا الرجل تتطلعان بهيئته بقلق . 
قال يوسف - أنا عابر سبيل يا سيدي . 
شع وجه الرجل بابتسامة واسعة حينما عرف انه ليس جنديا من بقايا تلك الحملة المشؤومة . 
- سنفتح لك الباب .. انتظر . 
صّر الباب الثقيل عند فتحه واخذه الرجل بأحضانه وهو يردد - مرحبا ... مرحبا . في تلك اللحظة دبت الحياة في الناصرة وخرج الجميع من منازلهم ينظرون إلى الغريب الوحيد الذي طرق أبواب مدينتهم ، وتحلق الأطفال حوله ينظرون له بحذر فابتسم بوجوههم ، وتابعوه إلى داخل المنزل وتزاحموا عند باب المضافة يراقبون حركاته وسكناته . 
دخل عدة رجال آخرين إلى المضافة وجلسوا إلى جانبه فأزدحم بهم المكان ، وكانوا يتطلعون إليه بنفس نظرات الأطفال ، فحاول يوسف تجنب نظراتهم الفضولية والانشغال بالتطلع إلى المكان الذي يحيطه بانتظار ان يكسر حدة الصمت أحدهم ويتكلم ، وبعد انتظار طويل نطق الرجل ذو العمامة الضخمة وخرج صوته الذي كان مزيجا من الفضول والاستغراب . 
- هل أنت عربي يا ضيف ؟ 
قال يوسف وهو يبتسم - أنا عربي .. 
- الحمد لله . 
تنفس الجميع الصعداء وهزوا رؤوسهم برضى . 
- ضيفنا واحد من اخواننا . 
- الأطفال خائفون منك ... يظنون انك تركي ، اغفر لهم قلة أدبهم فهم لم يروا غريبا من قبل . أنت أول غريب تقع عليه أعينهم . 
- لا عليك . 
- يبدو انك قطعت رحلة طويلة حتى وصلت الى هنا . 
- نعم .. إنها رحلة طويلة .. ما أسم هذه المدينة ؟. قال يوسف 
- الناصرة .. اسمها الناصرة . وهؤلاء أهلها . 
ازداد عدد الحاضرين ، كانوا يدخلون إلى المضافة يحدقون في وجه ضيفهم الغريب بقلق ثم يخرجون ويتهامسون فيما بينهم . 
- ما الخطب يا سيدي . قال يوسف . 
- لا تقلق يا ضيف ، لا تقلق ... اخوتي خائفون من ان تكون واحدا من بقايا الحملة . 
- أية حملة ؟ 
- حملة (( نادر شاه )) ... الست واحدا منهم ؟! 
- كلا يا سيدي .. أنا بحار .. 
- بحار ! 
- ظللت طريقي في البحر ووقعت على مدينتكم صدفة . 
قال الرجل ذو العمامة - ما أخبار الحرب .. هل رأيت في طريقك جيوشا ومدافعا ؟ - لا حرب هناك .. الناس تعيش بسلام منذ وقت طويل . 
- ونادر شاه ؟! 
- سمعت أنه عاد الى بلاده ... الحرب انتهت . 
@@@ 
كانت الناصرة مدينة صغيرة أشبه بالقرية ، ببيوت متلاصقة وأزقة ضيقة تدور بين البيوت وحولها وتنتهي في المنزل الكبير ، منزل (( محمد الإمام )) ، سيد المدينة الأول ومهندسها الذي مازال مرعوبا من أصوات القذائف ومدافع نادر شاه ، التي طاردته في ارض الجزيرة ودفعته الى الصحراء الكبرى مع فرسانه الذين كانوا يتساقطون أمامها دون ان تسنح لهم الفرصة بدخول معركة حقيقية مع جيوش السلطان الذي أراد احتلال الأرض كلها ، فدخل بحروب مسلية مع شيوخ العرب الذين حصدتهم مدافعه وبنادقه وضباطه الشرسين ذوي الشوارب المعقوفة الذين كانوا يحصدون المقاتلين العرب بإشارة من يدهم إلى تلك الآلات الضخمة التي تقذف عليهم الموت والهزيمة ، ولم تنفع معها أساليب الفروسية الغابرة في الكر والفر فتساقطوا واحدا اثر الآخر بعيون مدهوشة من ذلك الموت الذي لم يألفوه ، وكان محمد الإمام واحدا من أولئك الفرسان الذين تعاهدوا على مواجهة السلطان ووقف زحفه إلى أراضيهم ، لكن المعركة كانت خاسرة منذ بدايتها وكانت أصوات المدافع وهدرها المخيف الذي لم يألفوه سببا في هزيمتهم ودخول السلطان إلى مدنهم وقراهم التي تساقطت واحدة اثر الأخرى ودفع بهم بعيدا إلى الصحراء ، لكن رعب القذائف وأصواتها التي كانت تصل آذانهم حتى وهم في الصحراء ، جعلتهم يتوغلون اكثر فيها ، ويحاولون عبورها إلى جهة أخرى لاتصلها جيوش السلطان . 
- إنها حرب خاسرة .. لاجدوى من مقاتلة السلطان . 
قالها محمد الإمام وهو يحزم أمتعته وخيامه وينزل بها إلى الصحراء تتبعه قوافل عديدة مصابة برعب الموت الجديد ... قطع الصحراء كلها من جهتها الجنوبية وعبر صحراء السماوة الكبرى في رحلة أسطورية مازال أبناء الناصرة يسمرون بها في أمسياتهم حتى هذه اللحظة ، وفي إحدى الليالي حينما أوشكت القافلة على الموت عطشا ولم يستطع أحد على مواصلة السير . همز محمد الإمام جمله ناحية رائحة الماء الخالدة وغاب عدة أيام ثم عاد مذهولا وهو يحمل ماءا عذبا .. - انه البحر .. لقد وقعنا على بحر . 
كانت مخيلته الصحراوية لا تحتمل مثل تلك الكميات الهائلة من المياه الدائمة الجريان ، لذلك كان أول ما تبادر إلى ذهنه انه وقع على بحر ، دون ان يعلم انه وصل إلى نهر الفرات ، النهر الذي زين قصائدهم وأغانيهم في عصورهم الذهبية . ورغم ان محمد الإمام استطاع ان يرى الجانب الآخر منه بسهولة ، لكنه لم يستطع ان يبعد صورة البحر عن ذهنه ، حتى في أيامه الأخيرة ، لانه كان يعتقد انه وصل إلى حدود الأرض ونهايتها المظلمة ، وصاحب وصوله إلى النهر هبوب عاصفة ترابية غطت كل شئ وحولت السماء إلى لون مغبر اظلم ، اعطى صورة مخيفة للنهر واخذت ذلك الاتساع الهائل في مخيلته الصحراوية التي لم تعتد سوى الواحات والآبار والينابيع ، ثم أخذت تلك المفردة بمرور الوقت شكلها المألوف واصبحت حقيقة لطيفة يطل عليها كل يوم ، مثلها مثل الخيمة أو الجمل أو الحصان . تلك الحيوات التي حولها النهر إلى منزل مستقر تحيط به الأشجار والنخيل ، مكان استطاع فيه محمد الإمام ومن رافقه ان يحلموا بصورة أوضح ، أحلاما متينة بعيدا عن مدافع السلطان . فأنشأ الغرفة الواسعة التي تشكل ألان محور المنزل ومحور المدينة ، امتلأت الغرفة بالأولاد الصغار الذين كبروا سريعا واحتاجوا إلى غرف أخرى ومنازل أخرى . كما احتاج أطفال الآخرين الذين رافقوه إلى مزيد من الغرف ، فأخذهم هوس البناء العشوائي ، فكانوا يستيقظون عند ساعات الصبح الأولى مع نسائهم وأطفالهم ويشيدون غرفا . 
توالدت الغرف بسرعة عجيبة ، فهي لا تحتاج إلي كبير عناء ، كانت الأرض واسعة وبكرا منحتهم ما يحتاجونه كما إنها لا تحتاج إلى خيال كبير . مجرد اربع جدران ونافذة صغيرة وباب يطل على الغرف الأخرى التي كانت تصنع الحياة والقوانين الجديدة وتفرز الزعامات الصغيرة التي بدأت تمد رأسها في غرفة محمد الإمام بعد ان وهنت قواه واصبح عجوزا يقضي معظم وقته قرب النهر ويحلم بعبوره الى الجانب الآخر . تاركا لابنه سعيد الإمام هوس البناء ومحاولة إخفاء المدينة الصغيرة عن أعين الغرباء الذين سيأتون يوما ما ويرشدون السلطان نادر شاه إليها خوف محمد الإمام من رعب المدافع انتقل إلى الأجيال اللاحقة التي لا تجد ما تفعله بسبب رخاء ارض الناصرة سوى البناء ، فأخذوا بتمتين حيطانها والمبالغة في ارتفاعها حتى لا يتسنى لقذائف المدافع اختراقها ، وبالخبرة العشوائية التي ورثها سعيد عن أبيه في البناء ، بدأت الناصرة تلوح من البعيد للناظر إليها كأنها جبل طين محاط بالنخيل وهذا ما أراده سعيد في واحدة من نوبات خوفه المتوارثة . كل ذلك جعلها عصية على الاكتشاف وابعد عنها فضول العيون . ولولا وصول يوسف في ذلك المساء لربما بقيت مختبئة خلف خوفها حتى هذه اللحظة . 
كان أول من رأى يوسف قادما بعض الصبية الذين كانوا يلعبون فوق السطوح ، فوقفوا مبهورين من هيئته الغريبة وملابس البحارة التي لم تقع عليها أعينهم من قبل ، فنزلوا وهم يصرخون . 
- نادر شاه ... نادر شاه . 
فاستيقظت المدينة مرعوبة من هول الاسم وصعد الجميع إلى سطوح منازلهم يرقبون القادم الغريب الذي لم يستطيعوا معرفة نواياه ولا نوع الملابس التي يرتديها ، فحملوا محمد الإمام العجوز إلى السطح ليخبرهم عنه ، لكن عينا العجوز الضعيفتان لم تسعفاه في رؤية شئ فقال وهو يرتعش من الرعب القديم الذي لم يفارقه . 
- انه رسول السلطان نادر شاه . 
انتقل رعب العجوز إلى الجميع وساد الناصرة سكون قاتل ودعوات بأن يخطأ الجندي هدفه وتظلله متاهة الطين ، لكن يوسف اتجه نحو اكبر بيوتها وكأنه يعرفه طرق الباب ... في تلك اللحظة كانت مئات الأسلحة تتجه صوب جسد يوسف وآلاف قطع الحجارة تنتظر اللحظة التي يأمر بها سعيد لتنزل على جسده وتهرسه . 
- كم أنت محظوظ يا يوسف ؟ 
غمغم سعيد وهو يقود يوسف في أزقة المدينة ليعرفه عليها وعلى ناسها . 
- كان بينك وبين الموت خطوة واحدة .. 
- هل كنتم ستقتلوني ؟ 
- نعم سنقتلك .. وسيكون قبرك أول قبر في الناصرة . 
قال يوسف - هل تعني أن الموت لم يدخل مدينتكم ؟!. 
- يبدو ان ابي العجوز قد ضلل الموت أثناء فراره ، لم يمت منا أحد .. ولماذا يموتون وهم يستنشقون رائحة النهر طيلة اليوم . 
بدا ليوسف خلال حديثه مع سعيد أنه وصل الى هدفه الذي يبحث عنه وتكبد مشاق تلك الرحلة لاجله فقال . 
- لو كان النهر يمنحنا الحياة الطويلة لما مات سكان البحر . 
- إنها هبة من الله يا أخي ، ولا نسأل اكثر من هذا . 
- كدت أكون أول ضحايا الناصرة اذن .. 
ضحك سعيد بقوة واخذه الى عطفة صغيرة لا تثير الانتباه . وقال . 
- تعال .. ستجد هنا ما يثيرك . 
قادتهم العطفة الى زقاق ضيق طويل لا يسع مرور اثنين فتقدمه سعيد وهو يقول . 
- خلف هذا الطريق ستجد الناصرة الحقيقية ، إنها ليست كتلة طين يا صديقي . سارا في الزقاق لمدة ليست بالقصيرة حتى وصلا الى نهايته ، فانفتح على مساحة واسعة تعج بالناس . 
- سوق الناصرة وحياتها الحقيقية هنا . 
ثم أردف بفخر - الناصرة . 
كان السوق يعج بالحركة والناس الذين كانوا يقايضون بضائعهم ، سوق الغزل ، سوق الفاكهة والخضراوات والحبوب ، سوق الحيوانات ، وسوق صغير يجلس به رجال لطفاء يتحدثون بأدب جم وبصوت خفيض وهم منكبين على نسخ القرآن وتزيين حواشيه . 
كان عالما مسالما وعفيفا لم يدخله الطمع ، عالم من البراءة المفقودة . 
قال سعيد - ابي لا يعرف بأمر هذا السوق .. لو عرف لامر بهدمه . 
- يهدمه .. 
- نعم أبي يظن ان أمر المقايضة لا يدوم طويلا ولابد للناس من الجري وراء الذهب ذات يوم ، وهذا ما يدفعهم للبحث عن سبل أخرى . 
- كالخروج الى المدن المجاورة . 
- هذا ما يظنه العجوز ... لحسن الحظ ليست هناك مدن قريبة من الناصرة . 
- وما أدراك ، المدن تحيط بكم من كل جانب . 
ضحك سعيد وقال . 
- أنت واهم يا صديقي ... لامدن قريبة من الناصرة . 
- مررت بمدن كثيرة وأنا في طريقي إليكم . 
- لانك بحار .. لانك جواب آفاق تعتقد إنها قريبة منا .. أما بالنسبة لنا فهي بعيدة جدا ولاسبيل للوصول إليها . كانت تنتصب وسط السوق بناية ضخمة من الآجر الأحمر بلا نوافد وكأنها لا تريد ان تعلن عن نفسها ولاتسمح للفضوليين بدخولها . وكان ينتصب على قمتها شعار الأسد الذي يمسك سيفا في يده اليمنى . وهو الشعار الذي رآه يوسف يتكرر على الجدران . 
قال سعيد - هل تحب ان تتعرف على حكيم الناصرة ؟. 
- مدينة لا يدخلها الموت تحتاج الى حكيم يعرف سره . 
- لا يأخذك الخيال بعيدا ، إنها مجرد عجوز تعيش في هذا المكان المظلم ولا تريد الخروج منه رغم أننا بنينا لها بيتا على ضفة النهر ، لكنها رفضت ان تغادر فضلت سكنى هذا المنزل على سواه لقربه من السوق . الباعة يرمون فضلات بضاعتهم في زنبيلها فتأخذه عندما يحل الظلام . 
الناس هنا ينسجون حولها حكايات مخيفة . 
-هل سبق ان رأيتها . قال يوسف 
- كلا .. لاوقت لدي أقضيه مع ساحرة شمطاء . هناك كثير من المتع في الناصرة . - نساء ... 
- متع كثيرة يا صاحبي . المرأة وحدها لا تمنحني المتعة التي أنشدها ، لابد ان يكون هناك شئ آخر . 
اقتربا من باب المنزل المظلم . 
قال سعيد - سآخذك معي الليلة إذا رغبت . هناك الكثير من الصحاب المرحين وكثير من المعاصي . 
وضحك ضحكته القوية التي اهتزت لها أضلاع العجوز الساحرة وهي تقبع في ظلمتها فخرج صوتها كحشرجة ميت . 
- أهذا أنت يا سعيد ؟ 
- لست ادري كيف تعرفني هذه العجوز . ثم اكمل بصوت لطيف ، انه أنا سعيد . - ومن الذي معك ؟ أتدخل علي الغرباء أيها الكافر . 
- أخرسي يا جدة ، أنه لن يقع في غرامك . 
- لاتأتي الى منزلي وفمك يفوح برائحة الخمر . سأشكوك الى أبيك . 
كانت العجوز تتلفع بعباءة صوف خشنة وتقرفص الى جانب موقد كثير الدخان ، وكانت تحمل بيدها طاسة نحاس مملوءة بالنشوق .. قربتها من أنفها وهي تستطلع هيئة يوسف ، ثم وضعت أنفها الضخم بالنشوق وقرقرة فيه . 
- يا جدة أنه يوسف .. ضيفنا . 
أنزلت العجوز طاستها الى الأرض وأدارت وجهها الى الحائط . 
- وماذا يريد من عجوز مثلي ؟. 
قال يوسف وهو يبتسم . 
- لا شئ يا جدة ، سأخرج إذا لم ترغبي بوجودي . 
تطلع يوسف في أرجاء المكان المعتم والرطب ولم يلفت انتباهه سوى بضعة أعشاب جافة وضعت بقوارير طين متقنة الصنع ومزخرفة بأشكال بدائية لحيوانات خرافية وطلاسم ورموز . 
قالت العجوز - أخبرني عن الذي في جيبك ؟ 
تحسس يوسف جيبه فوجد ست الحسن الذابلة وأوراق التاروت الأربعة ، فأخرجها وفرشها على وجوهها أمام العجوز التي لم تغير من جلستها . 
- ماذا في الاوراق ؟ 
- لا أدري ، لم أرها بعد . 
أستدارت العجوز وهي تتأوه وجمعت الاوراق وأخفتها بقبضة يدها المعروقة . - أنها لاتصلح لك يا يوسف . في هذه الاوراق شر كبير . 
- أعطني أوراقي يا جدة . 
- أخرج .. لا أوراق عندي . 
تبادل يوسف وسعيد النظر بحيرة ، ثم أطلق سعيد ضحكته القوية والماجنة . 
- يا للعجوز الشيطان . قال . 
- لكنها أوراقي .. قال يوسف . 
أدارت العجوز وجهها الى الحائط وقالت - أنها أمانة كانت عندك لتوصلها ألي . 
- لكن أم الخير لم تخبرني بذلك . 
- نعم أنها من أم الخير ، هي التي أرسلتها لي ... ألان أخرجا من منزلي . 
قال وهو يقهقه - ياللشيطانة العجوز . 
- أخرجا .. 
نهض سعيد وسحب يوسف خلفه - آسف يا صاحبي على ماحدث ، لكن هذه الشمطاء لن تعيد لك أوراقك لو هدمنا البيت على رأسها . ثم أردف . 
- ماذا في تلك الاوراق حتى تتمسك بها تلك العجوز بتلك الطريقة ؟ 
- لست أدري ، كانت في جيبي منذ وقت طويل . 
- لا تحزن يا صاحبي سآخذك الى مكان تنسى فيه أوراقك . 
عاد الاثنان في الدرب الضيق وسعيد يطلق قهقهاته بين فترة وأخرى وهو يردد . 
- يا للعجوز الساحرة ! 
**** 
لم تكن الناصرة مجرد كتلة طين تحاول أن تخفي نفسها فقط عن أعين الغرباء ، أنها تخفي متعها الصغيرة عن عيون أهلها أيضا ، ألعيون غير المدربة على اقتناص المتع الصغيرة ، فالناصرة لا تخلو من المناطق المحرمة والسرية والتي لايعرفها ألا القليلون ، أمثال سعيد الإمام أو القادم الجديد الذي حلّ ضيفا عليها لتكشف له عن سرها الذي أخفته خلف الدهاليز والممرات الضيقة . أنها تلك البيوت التي لايمكن الوصول إليها سوى عن طريق النميمة ، لابد ان يشي أحدهم بالسر أو يوشوش بأذنك حتى تدخلها ، ويحتاج الداخل إليها أن يبرهن على انه سيصون السر ويحفظ كلمة المرور السحرية التي ستأخذه الى عالم آخر لا يشترك مع المدينة بشيء غير المكان . 
بهذه الطريقة التي تتوارثها الأمكنة السرية عن بعضها ، ظهر (( بيت الخاتون )) وأعلن عن نفسه لأيام معدودات ثم اختفى وسط معارضة صاخبة من أهالي الناصرة الأكثر تشددا إزاء من يريد الخروج عن أعرافها القديمة ، أو من يسبب في تغيير طبيعة حياتها الأقرب الى أخلاق البداوة بسبب قرب نزوحهم من الصحراء . 
حدث ذلك أثناء الفرار الكبير ، حينما كانت القبائل والبيوتات العربية الهاربة تبحث عمن يقودها الى جهة أخرى بعيدا عن قساوة جيوش نادر شاه ، وعندما قرر محمد الإمام اختراق الصحراء من جهتها الجنوبية ، كانت تنضم الى قافلته العديد من العوائل الهاربة وتسلمه قيادها ، ومن تلك البيوت التي انضمت له عائلة من أصول تركية ، ترجع الى واحد من التجار الأتراك الكبار (( نظيف باشا )) الذي تزوج من امرأة عربية ثم غادرها الى وطنه مخلفا وراءه عدة أطفال يرطنون بلغتين غير سليمتين ومزيج متعال من ثقافتين مختلفتين ، فنشأ اطفاله على طباعه المتعالية باعتبارهم باشوات من تركيا يحرصون على عدم الاندماج في مجتمعهم الذي ولدوا فيه ويجاهدون في عدم التحدث بلغته ، ولبعدهم عن مصدر لغتهم المفترض اخترعوا لهم لغة غريبة هي مزيج من التركية والعربية وقسر مخارج الحروف ومطها وقلبها لتخرج في النهاية العبارة الأثيرة على نفوسهم . 
- آغا نحن باشوات . 
وعند غزو نادر شاه لارض الجزيرة كانوا أول المهللين لدخوله وأول من أستقبل جنوده برطانتهم المعهودة التي لم يفهم منها الجنود شيئا فأعتبروهم من ضمن بقايا الروم في ارض العرب بسبب نظارة بشرتهم وحلاوتها التي ورثوها من (( نظيف باشا )) ، فنقلوهم الى بيوتهم لأغراض الخدمة وأغراض أخرى ، وسرعان ما انتفخت بطون الفتيات الصغيرات بسلالة من الأتراك الصغار الذين لا أحد يعرف من هو الأب الحقيقي لهم لكثرة من تناوبوا على النوم معهن ،ولم تنفع جهود ألام الكبيرة زوج نظيف باشا في إقناع الجنود بأنهم من سلالة واحدة ولا يجوز العبث بصغيراتها وصغارها الأتراك بهذه الطريقة ودون زواج على سنة الله ورسوله ، لكن ذلك لم يقطع حفلات المجون التي كان يحييها الجنود على أجساد أطفالها فقررت الهرب بهم والالتحاق مع أهلها الحقيقيين الذين كانوا أكثر رأفة بها رغم أصول أطفالها الباشوات ولكنتهم المضحكة ، فانضمت الى قافلة محمد الإمام مع أبنيها وزوجتيهما وبناتها الثلاثة الحسناوات المنتفخات البطون اللواتي تحملن الرحلة الشاقة بشجاعة نادرة حتى وصلن الى الناصرة ووضعن مواليدهن الجدد هناك ، وشاء الحظ أن تأتي كل واحدة منهم بطفلة جميلة ، فامتلأ المنزل الجديد الذي بنوه بعيدا عن البيوت الأخرى بالأطفال الجدد الذين اكتسبوا تلك العادة القديمة التي ورثوها عن الجدة وأخذوا يرطنون من جديد ، وسط حيرة الناس البسطاء الذين لا يجدون سببا مقنعا بزرع مثل هذه اللغة الغريبة وسطهم ، فأهملوهم ثم نسوهم أثناء نوبة جنون تشييد الغرف ، فدفعتهم الغرف المشيدة حديثا وضيعتهم الأزقة الملتوية وما عاد أحد يعرف أين يقع بيت الاغوات . 
كانت الناصرة في تلك السنوات تصنع سلامها الخاص بها ، وكانت منشغلة بمحاولة الدفاع عن نفسها وتغييب وجودها حتى لا تقع عليها أعين غريبة وتشي بها الى جنود السلطان نادر شاه ، ولم تنتبه الى تسلل بعض من أبنائها في أزقتها بحثا عن المتع غير البريئة في عرفها ، وكان لابد لأولئك المتسللين الشياطين من الوقوع على ضالتهم في يوم ما ، والاهتداء الى بيت ألآغوات ونسائه الجميلات المكشوفات الوجوه اللواتي لا يصيبهن الحرج من رؤية غريب فيلاحقهن بنظراتهن أو يطلقن النكات بلغتهن الغريبة من طريقة سيره أو خجله واندهاشه وهو يحدق بوجوههن الجميلة . 
كان بيت ألآغوات مبنيا على عكس البيوت الأخرى ، بنوافذ كبيرة تطل على الزقاق وأبواب واسعة مفتوحة على مصراعيها تتقدمها حديقة واسعة يفترشها ألآغوات في العصاري مع نسائهم وحفيداتهم الجميلات والخاتون الكبيرة زوج نظيف باشا ، التي تتوسطهم كملكة غير متوجة يجلسون مستمتعين بالهواء الطازج الآتي من النهر . وغير آبهين لانظار الفضوليين التي ترمقهم بغير قليل من الحسد وتود الانظمام إليهم . 
كانت (( فضيلة خانم )) ألام الكبيرة تنسى أحيانا أنها زوج نظيف باشا فتعود الى أصولها العربية وتطلق لسانها في الحديث مع المارة عسى أن يعلق أحدهم بواحدة من بناتها ويتزوجها ، لكن أحدا لم يتجرأ ويخترق ذلك السور سوى سعيد الإمام الذي لم يكن يأبه كثيرا لألسنة أبناء الناصرة التي من الممكن ان تناله بوصفه الابن الأكبر لمحمد الإمام والزعيم المرتقب الذي سيقود الناصرة ويحافظ على وجودها ، فكان يدنو بحذر من فضيلة خاتون ويتبادل معها أطراف الحديث أثناء مروره اليومي والذي أصبح عادة ، وخاصة حينما يشاهد بناتها الثلاث الجميلات يستلقين بكسل على كراسيهن في العصاري الجميلة وحولهن بناتهن الصغيرات اللواتي لا يعرفن لهن أبا . وبمرور الوقت أصبح سعيد صديق فضيلة خانم فكان يدخل بيتها دون استئذان ويشاركهم لهوهم وحياتهم المنفتحة التي لاتشبه تلك الحياة التي صنعها له محمد الإمام ، فكان يتسلل كل يوم الى تلك الحديقة الناعسة بثوبه الأبيض النظيف وعقاله المائل على صفحة أذنه ولفافة التبغ عالقة بشفتيه ، فيقف عند سور الحديقة ويطلق زعقته . 
- عمكم سعيد وصل .. 
يأتي محملا بسلال الفاكهة والطعام ويدخل البيت وكأنه واحد من أهله فيتعلق بأذياله الأتراك الصغار أحفاد فضيلة خانم ، فتلتقيه الخانم الكبيرة التي لم ترهقها أعوامها الخمسين ولا الأطفال الخمسة الذين حملتهم من نظيف باشا ، فتظهر له بكامل زينتها وكأنها لم تحمل في بطنها ذات يوم (( تحسين باشا ومحسن باشا )) والخاتونات الثلاث . فتلتقيه مرحبة كعادتها . 
- أهلا ... أهلا سعيد باشا . 
وتأخذ بيده وتجلسه على حشية صوف ، ثم تجلس الى جانبه لتطرد عن روحها وحشة كونها غريبة في مدينة لا تقدرها حق قدرها وكونها فقدت زوجها في وقت مبكر ولا تجد من يهتم بها أو يدللها أو يطري جمالها الذي لم يذبل بعد ، وكان سعيد يجاريها في لعبتها وأحلامها رغم أن عيناه كانتا طوال الوقت تبحثان عن بناتها الجميلات في أرجاء المنزل ولا يهدأ له بال إلا حينما تحيط به الجميلات الثلاث ، فيبدأ بإطلاق النكات وتظهر على وجهه علائم الانشراح . 
- فضيلة خانم ، لست أدري ما ذا سأفعل لولا وجودكم في الناصرة ؟. 
فتجيب المرأة بغنج لا يتناسب مع سنها . 
- ليس لنا سواك سعيد باشا ، فالناس هنا يعتبروننا غرباء رغم إننا نعيش معهم منذ زمن طويل . 
كان أكثر ما يطرب سعيد هو كلمة (( باشا )) التي تطلقها عليه فضيلة خانم ويرى بها الطريق للوصول الى واحدة من بناتها أو إليها إذا تعذر الأمر ، فكل شئ عنده سواء مادام يجد في منزلها ما تفتقده الناصرة من ليالي جميلة تجالسه فيها أربع نساء جميلات بلا أزواج وتدار فيها الكأس حينما يحل الظلام ، ويصبح الحديث أكثر انفتاحا وبلا موانع وتقترب منه الفتيات أكثر حتى يشعر بحلاوة أنفاسهن ألمخلوطة بالنبيذ ، فيرفع عقيرته بالغناء وكأنه يحدو خلف الجمال ، وسط الضحكات التي كانت تملأ المنزل فتشيع فيه المرح . 
- سعيد باشا ، أنت تصلح لكل شئ إلا الغناء .قالت ألام وضربته على كتفه بدلال . 
فقال سعيد - وهل يحلو السمر دون غناء ؟ 
- لكنك لاتعرف كيف تغني ، ونحن لسنا جمالا لتحدو لنا . 
- إذن فلتغني إحداكن . قال سعيد .. 
قالت (( عديلة )) إبنتها الكبرى وهي تنهض . 
- سأعطيك درسا في الغناء . 
ذهبت الى غرفتها وعادت تحمل عودا ضخما بثمانية أوتار واحتضنته كأنما تحتضن وليدها وضغطته على صدرها وحركت أوتاره ، فأنت الأوتار وبكت ، وأرتفع صوت عديلة بألغناء فبهت سعيد وكادت الدموع تطفر من عينيه ، فهو طيلة حياته لم يسمع إمرأة تغني بمثل ذلك الصوت الجميل الذي أخذه بعيدا فرأى نفسه يسبح على فراش عديلة وعلى جسدها الفتي ، فتناول كأسا أخرى وأخرى وغرق في عالم من الخيال الذي لم يكن قادرا على تصوره أو الوصول إليه ، ومع كل ضربة وتر كان سعيد يغرق في النبيذ حتى غشي بصره ولم يعد يميز الوجوه فوضع رأسه على أقرب كتف منه ونام . 
وحينما إستيقظ وجد نفسه في غير فراشه الذي إعتاد عليه والى جانبه إمرأة نصف عارية مكشوفة الصدر والساقين . وكانت تغطي وجهها بذراعها الممتلئة ، فقفز من فراشه مذعورا وأخذ يحدق بدهشة الى ذلك الجسد الشهي الذي لم يكن يتذكر إن كان قد إمتلكه الليلة الماضية أو أنه إستلقى الى جانبه فقط بسبب سكره الشديد .. تحركت المرأة وكشفت عن وجهها . 
فتمتم سعيد - فضيلة خانم ! 
لبس ملابسه على عجل وفر من المنزل قبل أن تستيقظ . وتوجه نحو منزله وهو يردد . 
- لو كانت عديلة . 
سار باتجاه بيته فلم يصادفه أحد في طريقه وهو يترنح وفتح الباب بحذر وأنسل الى الداخل على أطراف أصابعه . تجاوز غرفة شقيقه ((علي)) التي كانت مضاءة حتى ذلك الوقت المتأخر ، أنه يقرأ كعادته التي نشأ عليها ، يتمدد وحيدا على سريره يتطلع بكتاب أو يدون ملاحظات رافضا الخروج من غرفته وكأن العالم لا يعنيه بشيء . نظر له من النافذة المواربة وهمس . 
- علي .. علي ، أيها الاحمق الصغير ، سوف لن تجد شيئا في تلك الكتب . 
رفع علي رأسه الضخم من كتابه وأبتسم لأخيه وقال . 
- أبي يبحث عنك ، أين ذهبت ؟! 
- كنت في بيت ألآغوات .. 
- مع الفتيات التركيات ! قال علي . 
ثم نهض من فراشه وأقترب من النافذة حيث يقف سعيد ، وشم من فمه رائحة النبيذ . 
- هل شربت شيئا يا سعيد ؟ 
- كانت ليلة جميلة ، غناء ورقص وكل شئ ، سآخذك معي في المرة القادمة . آه يا علي لو رأيت عديلة وهي تغني لمزقت كل كتبك ودستها بأقدامك ، أسمع أيها المغفل يجب أن تأتي معي في الليلة القادمة . 
- كلا يا سعيد .. أنت تعرف أني لا أحب طريقتك في الحياة ، ثم ان أبي إذا عرف بألامر سوف لن يغفر لي ، أرفق بأبيك العجوز يا سعيد . 
- خائب .. خائب . 
هز سعيد يده باستهزاء وتابع طريقه ناحية غرفته وهو يترنح ، شاهد أمه في المطبخ تعد الفطور ، فمرق مسرعا كي لا تراه ودلف الى غرفته دون ضجة ، فوجد والده جالسا على سريره بانتظاره . التقت أعينهما فأصاب سعيد الذعر وأراد أن يهرب من مواجهة ابيه ، لكن حشرجة خرجت من فم العجوز . 
- أين كنت ؟ 
- ألم تنم يا أبي بعد ؟ 
- أين كنت ؟ قال العجوز . 
- كنت مع أصدقائي في الخارج . 
- عند فضيلة خاتون ؟ 
- كلا يا أبي .. 
- أسمع يا سعيد إذا تكرر هذا الأمر مرة أخرى فسوف لن تجد لك مكانا في بيتي . نهض العجوز محمد الإمام بتثاقل وهو يطرد رائحة النبيذ المنبعثة من فم ابنه البكر وهو يتعوذ من الشيطان وذهب الى المطبخ وجلس الى جانب زوجته التي كانت تطالع عينيه بقلق . 
قالت - هل رجع ؟ 
- نعم ليته لم يرجع .. 
- هل هو بخير ؟ 
- انه سكران . 
شهقت المرأة - سكران ! 
- كان يسهر في بيت الخاتونات . سيجلب لي العار هذا الولد . خمر وعواهر . 
- وما الذي سنفعله الآن ؟ 
- سأزوجه قبل أن يضيع . 
ارتسمت ابتسامة على شفتي المرأة العجوز - يجب تزويجه قبل أن يجرف أخاه في طريقه . 
استلقى سعيد على فراشه محاولا إعادة تفاصيل الليلة الماضية ، لكنه لم يتذكر سوى أنه شرب كثيرا أثناء غناء عديلة خاتون ، شرب كل ما أعطوه له من نبيذ حتى فقد القدرة على تمييز الوجوه ، ولم يتذكر كيف ذهب الى سرير فضيلة خاتون ومن قاده الى هناك ، ولماذا لم يذهب مع واحدة من الفتيات بدلا من الذهاب مع الأم ، ثم أغمض عينيه من الدوار والتعب ونام . 
**** 
حصل يوسف على واحدة من تلك الغرف الكثيرة والمهملة التي بناها أبناء الناصرة في حمى تشييد الغرف التي انتابتهم ثم تركوها غير مأهولة . كانت الغرفة واسعة وقريبة من النهر الذي كان يحمل له رائحة الأعشاب التي تنمو بكثافة على ضفته ، فقضى نهاره الأول بالتجول في حقول الأزهار البرية التي نمت دون تدخل احد ، فأنشغل بمراقبتها ومحاولة تمييزها ، وكانت معظم تلك الزهور غريبة لم تقع عليها عيناه من قبل ، وكان في سره يأمل أن يجد تلك الزهرة التي يبحث عنها مختفية في مكان ما تنتظر اللحظة التي ينحني بها عليها ويقطعها ويدسها بجيبه . 
تمشى الى جانب النهر ثم أنعطف الى أحد الأزقة وواصل سيره فيه وقادته قدماه ناحية الزقاق الضيق الذي يؤدي الى السوق ومن هناك اقترب من المنزل الذي تعيش به العجوز ودفع الباب ودخل ، فوجدها في نفس مكانها الذي تركها فيه الليلة الفائتة ، جالسة وسط الدخان تحدق في الموقد غير آبهة بالقادم الجديد الذي جلس الى جانبها يتطلع الى قوارير الأعشاب المركونة الى الجدران ، رفعت العجوز طاسة النشوق الى أنفها وأغرقته فيها ، فقال يوسف . 
- كيف أجدك يا جدة ؟ 
لم تجب العجوز بشيء ، كانت تنظر له بزاوية عينيها بين فينة وأخرى وكأنها لا ترغب بوجوده ، أو وجود أي كائن آخر يعكر عليها صفو وحدتها ، أو يكشف سرها الذي تريد ان تبقيه بعيدا عن أعين الآخرين . منذ ولادتها في أرض الجزيرة حتى وصولها الى الناصرة لم تقم علاقة بينها وبين أحد باستثناء المرات القليلة التي كانت فيها تدفع بعشبة أو رقية لإحدى النساء وتوصيها بأن لاتفشي السر ، لأن إفشاء الأسرار يولد ذكريات سيئة كما تظن وهي تريد أن تنسى ، أن تنسى فقط ، والنسيان لا يأتي لمجرد أننا نريد أن ننسى ، بل يحتاج الى قدرة في عدم صنع أية أحداث جديدة من حولنا ، وقد نجحت في ذلك لأنها نسيت كل شئ ، حياتها الماضية وبيتها وأولادها الذين تركوها وحيدة في شيخوختها ، نسيت من تكون ومن أين أتت ، وكانت تنسى وجودها في هذا المكان أيضا حينما تهجم على قوارير عشب النسيان وتلتهما فلا تجد نفسها عندما تستيقظ . 
تبقى مختفية عن الأنظار لشهور عديدة وعندما يبطل مفعول الأعشاب تظهر قرب الموقد فتتذكر ان تشعله لتستمع برائحته ودفئه الذي تفتقده كثيرا أيام نسيانها الطويلة ، لكن ظهور يوسف أيقظها من نسياها عندما شمت رائحة (( ست الحسن )) التي قطفها من حقول الناصرة أول دخوله اليها ووضعها في جيبه ، رائحتها النفاذة جلبتها الى العالم مرة أخرى ، وأعادت لها الذكريات السيئة ، فكرهته من أول نظرة ، لانه يذكرها بأنها لم تنسى . 
جلسا لفترة طويلة دون أن يتحدثا ، وكان يوسف يأمل أن تساعده وتكشف له سر الأعشاب التي تحيط بها ، لكنها كانت غائبة عنه وعن وجودها . 
فقال - هل يزعجك وجودي يا جدة ؟ 
- كلا ، لا يزعجني وجودك ، تزعجني رائحتك . 
- لم أفهم ما تعنين . 
- نعم أن جسدك يعبق برائحة ست الحسن . 
تحسس يوسف الزهرة الذابلة في جيبه ثم أخرجها وقذف بها الى الموقد المشتعل . 
- أهذا يرضيك الآن ؟ 
تنهدت العجوز وهي تراقب الزهرة التي بدأت تحترق ، وارتسمت على شفتيها شبح ابتسامة وقالت . 
- ماذا تريد ؟ 
غمغم يوسف - اريد أن أعرف كل شئ عن الأعشاب . 
- هل تريد ان تنسى أيضا ؟ 
- ليس هذا فقط ، أريد ان لا أموت يا جدة . 
قفزت الجدة وكأنها لدغت - ولم لا تريد ان تموت ؟ وهل عرفت الموت فقررت أن لا تموت . 
- كلا ، لم اعرفه بعد .. 
- الطريق أمامك طويل يا يوسف .. 
نهضت بتثاقل ناحية إحدى الجرار وجلست الى جوارها وأخذت بالتهام محتوياتها . 
- أذهب الآن وعد فيما بعد . أذهب .. 
خرج يوسف من غرفتها وقبل ان يصل باب المنزل تذكر انه نسي ان يسألها عن أوراق التاروت فعاد أدراجه لكنه لم يجدها ، أجال عيناه في أرجاء المكان لكنها لم تكن موجودة هناك وكأنها لم توجد أصلا . فأقترب من الجرة التي كانت تلتهم منها الأعشاب وتناول منها ورقة يابسة ومضغها ببطء فوجد مذاقها لطيفا ثم تبعها بأخرى وأخرى ثم جلس الى جانب الجرة وقد أصاب جسده الخدر وبدأ يفتقد أطرافه تدريجيا حتى شعر بأنه يدخل في غيبوبة كاملة أو حالة من اللاوجود فلم يكن يدري ان كان قد اختفى أو انه لا يستطيع ان يرى نفسه . 
كان أول من افتقده سعيد فذهب يبحث عنه في غرفته فلم يجده ، وتجول على ضفة الشاطئ عسى ان يلتقيه وسأل عنه بعض المتسكعين في المدينة فلم يكن هناك من رآه وعندما أصابه اليأس من العثور عليه اتجه ناحية بيت الاغوات ليكمل سهرته هناك . 
في تلك الأثناء استيقظت فضيلة خاتون من نومها متأخرة كعادتها وكانت تشعر بألم في صدرها وجميع أضلاعها وكأن شيئا ثقيلا كان فوقها طيلة الليلة الماضية ، لكنها لم تستطع ان تتذكر كل تفاصيل الليلة الماضية التي أورثتها ذلك الألم اللذيذ الذي يحطم أضلاعها وينسل الى أفخاذها ، كانت تتذكر سعيد وغنائه الذي يشبه الحداء ضحكات بناتها ومرحهن ، كؤوس النبيذ التي تجرعتها ، والتي تحرص على ان لا تتناول اكثر من ثلاثة منها ، لأن مفعوله قوي جدا ويجعلها تتصرف كالحمقاء ، تذكرت انها شربت منه اكثر من ثلاثة كؤوس ربما خمسة أو عشرة ، كانت الحفلة رائعة خاصة مع وجود رجل ، رجل مثل سعيد ، قوي ومتين كالحصان ووجوده يشيع الفرح بمنزلها ، لكن من أين أتى كل هذا الألم اللذيذ ؟ . نهضت من فراشها وتطلعت في المرآة الى وجهها ، انه ليس الوجه الذي تراه كل صباح يقابلها ، الوجه المتجهم الذي بدأت الشيخوخة تدب أليه فتغطيه بالأصباغ لكي لا يفضح حقيقة عمرها ، انه وجه آخر ملئ بالحياة والأنوثة ، وجه دبت فيه الحياة نتيجة مغامرة لا تتذكرها جيدا ، فجلست قبالة المرآة لوقت طويل تتحسس شفتيها وتبحث فيهما عن أثر بقايا القبلات التي أمطرتهما ، ثم تشممت جسدها تبحث عن رائحته فوجدت أنفاسه على أثدائها ، أنفاسه المخلوطة برائحة النبيذ والتبغ والفحيح ، وجدته هناك وهو يضع رأسه لينام ولامت نفسها لأنها شربت اكثر مما يجب ، ففقدت متعة الليلة الماضية . وهمست لنفسها . 
- ترى كيف وجدني ؟! هل أعجبته ؟ 
ثم فتحت باب غرفتها تبحث عن بناتها الثلاث وكانت تحاذر ان لا تلتقي بإحداهن وتفضحها عيناها ، كان البيت هادئا تماما ، الجميع متعبون من سهرة الليلة الماضية الصاخبة ، وهذا حسن بالنسبة لها ، اذ لا احد سيراها وهي تتسلل الى الحمام ، تجردت من ملابسها واغترفت الماء البارد من البرميل وصبته على جسدها وهي تتطلع إليه بحزن ، جسدها الجميل الذاوي الذي لا يلاعبه احد فيعيد له نشاطه وفتوته ، وفكرت بسعيد هل سيعاود مغامرته الليلة أيضا أم سيهرب كبقية الرجال ، إذا عاد فهذا يعني ان اللعبة أعجبته وستحاول ان لا تشرب اكثر من ثلاثة كؤوس ، لأنها لا تريد ان تسكر ثانية وتضيع على نفسها متعة العمر ، بقيت في الحمام لفترة طويلة اكثر مما اعتادت ، كانت تريد لجسدها ان يصبح اكثر نضارة وفتوة من ذي قبل ، ولا بد للماء والصابون والتدليك ان يمنح بشرتها ما تفتقدته ، وانتابتها رغبة عارمة بالاستمناء لكنها خشيت من دخول واحدة من فتياتها الى الحمام فجأة وتراها بتلك الحالة المخزية . نشفت جسدها وخرجت فسمعت ضحكات ماكرة تنطلق من خلفها ، وتعليقات جعلت قلبها يرقص طربا ، أنهن بناتها الثلاث فتجاهلت تعليقاتهن ودخلت الى غرفتها . 
- كيف حال العروس ؟ 
قالت عديلة وهي تدلل أمها من خلف الباب الموصد . 
جاوبتها شقيقتاها الأخريان بضحكات . 
قالت فضيلة خاتون . 
- اتركوني يا بنات فأنا متعبة اليوم . 
- طبعا .. متعبة ومن ينكر . 
استلقت على فراشها بانتظار قرع الباب . 
سار سعيد في طريقه الى بيت الخاتون ليقضي ليلته هناك ، ولما كان الوقت مبكرا فقد فضل ان يتجول قليلا في المدينة حتى يختلط الظلام ويذهب الجميع الى بيوتهم وتختفي عيون الفضول التي تراقبه وتخبر العجوز محمد الإمام فيسمع منه ما لا يريد سماعه . قادته قدماه الى الممر الضيق فدخله وأتجه ناحية السوق الذي بدأ يغلق أبوابه ، تجول به قليلا لكسب الوقت ، وحينما اقترب من منزل العجوز الساحرة خطر بباله ان يجد يوسف هناك فيأخذه معه الى بيت الخاتون ويسهرون جميعا ، فهو يريد سخص آخر الى جانبه ليشجعه اكثر في مغامرته ، فدفع الباب ودخل يبحث عن العجوز ، لكنه لم يجد أحدا هناك ، كان الموقد ما يزال يبعث دخانا بدون نار لكن العجوز ليست بقربه كعادتها ، فتجول في المكان يبحث عنها ولفت انتباهه جرة الأعشاب التي تناثرت حولها الأزهار الجافة فتناول واحدة منها وقلبها بأصابعه ثم قربها من انفه فشم منها رائحة لطيفة فقضم أطرافها وهو يستكشف المكان بناظريه . 
- أين ذهبت الساحرة ؟ 
تمتم سعيد وشعر بخدر لذيذ برأسه ورغبة بالتهام المزيد من الزهور الجافة ، فنظر الى الجرة ثانية وهو يبتسم وشعر بدوار خفيف وكأن الجرار تتحرك أو تميل كلما حدق بها ، وكذلك الجدران أخذت بالصعود والهبوط ، الغرفة كلها تتحرك وهو الوحيد الثابت بوسطها وبيده الزهرة التي قضم أطرافها . فأنتابه شعور أشبه بسكرة الليلة الماضية ، لكنه الطف فأتجه ناحية الجرة وغرف منها قبضة ووضعها في جيبه وهو يردد . 
- يا للعجوز الداهية ، أنها تحب ان تسكر مثلي . 
ثم خرج من المنزل واتجه نحو بيت الخاتون . 
- ستكون ليلة عظيمة ... 
أقترب من المنزل فسمع وقع خطى خلفه فالتفت ناحية القادم وتبينه جيدا ، انه شقيقه الأصغر علي ، ذلك الاحمق الصغير الذي لا يكاد يخرج من المنزل إطلاقا . فتمهل حتى حاذاه فقال وهو يحاول ان يخفي دواره قدر الإمكان . 
- ماذا حدث يا علي هل تبحث عني ؟ 
قال علي وهو يلهث - أبي يبحث عنك يريد ان يراك ؟ 
- وما ذا يريد في مثل هذا الوقت ؟ 
- الرعاة شاهدوا أغرابا يخيمون في البستاين وآبي خائف من ان يكونوا جنودا من بقايا حملة نادر شاه . 
ارتعش جسد سعيد قليلا وتبخر من رأسه مفعول الأعشاب وشعر بالخوف ينتابه فهو لا يريد وصول أي غرباء آخرين يعكرون صفو سلام المدينة حتى لو لم يكونوا من جنود نادر شاه ، فمضى مسرعا ناحية بيته وخلفه أخاه الصغير يتعثر بثوبه . 
- كم عددهم ؟ قال سعيد . 
- الرعاة يقولون عددهم كثيرا . 
- هل هم أشبه بالجيش ؟ 
- لا ادري ، لكن الجميع خائف وخاصة ابي . 
شاهد بعض الأشخاص يتراكضون ويغلقون أبوابهم ويطفئون فوانيس بيوتهم ، وكان بعض الفتية يحملون أسلحتهم وينتظرون وصوله قرب المنزل بانتظار أوامره ، فأجتازهم ودخل الى المنزل فوجد والده العجوز واجما ينتظره في صحن الدار ، قال سعيد . 
- ما الخطب يا أبي ؟ 
قال العجوز وهو يرتجف من الذعر - أنه نادر شاه .. 
- لا تقلق كثيرا يا أبي ، نادر شاه عاد الى وطنه منذ زمن بعيد .. 
- كلا ... أنه هناك مع سفنه وجنوده وعبيده .. سيقتلون الأطفال .. سيقتلوننا يا سعيد . 
- اهدأ يا أبي . 
- سيقتلوننا ويسبون نساءنا ... كنت اعرف بأنهم سيهتدون الى مدينتنا اليوم أو غدا . 
بكى العجوز المحارب القديم الذي لم تعد تقوى على حمل جسده قدماه ، فنظر له سعيد بحزن وصعد الى سطح المنزل ينظر الى القادمين الذين ادخلوا الفزع الى المدينة ، ورأى خيمتان من بعيد تنتصبان في واحد من البساتين القريبة وقربهما نساء وأطفال وبضعة رجال ، لا يبدو من منظرهم انهم جنود من بقايا حملة نادر شاه ،فضحك من خوف أبيه الذي لا يجد له مبررا بعد مرور كل هذه الأعوام على انتهاء الحرب ونزل وهو يقول . 
- انهم ليسوا جنودا .. ربما مجرد عابري سبيل . 
قال محمد الإمام وشفته ترتجف - غرباء ! 
- نعم يا ابي .. 
- وكيف يهتدي الغرباء الى منازلنا .. ستضيع الناصرة .. ستضيع . 
وصفق كفا بكف وهو يردد - ستضيع الناصرة .. الغرباء وجدوا الطريق اليها . 
اطردهم يا سعيد .. اطردهم بعيدا عنا . 
- سأفعل يا أبي ، اذهب الى فراشك ألان . 
خرج سعيد من المنزل وهو فرح بوصول غرباء آخرين الى الناصرة ، لان هذا يعني انهم قريبون من المدن الأخرى وان الناصرة ليست في أطراف الأرض كما يعتقد الجميع ، وان يوسف على حق حينما اخبره بأن المدن الأخرى تحيط بهم من كل جانب ولا تبعد عنهم كثيرا . 
اتجه وحيدا ناحية الخيمتان واراد فتيان المدينة مرافقته لكنه منعهم بإشارة من يده واقترب بحذر من المخيم ألوا دع ،وسمع قرقعة قدور الطبخ وشاهد نساء ا واطفالا يجلسون حول النار التي اشعلوها لتطرد عنهم الهوام والحيوانات ، وكانت هناك بضع كلاب تدور حول الخيمتين وتعوي ، لكنه أثناء اقترابه لم ير أي من الرجال الذين لمحهم من السطح فداخل قلبه الرعب وشعر بالأسف لانه منع الفتيان من مرافقته ، وفجأة برز له رجلان وبأيديهم عصي حديدية تشبه المدقات ووجهوها نحوه وهم يصرخون به ان يقف . 
فتسمر سعيد بمكانه وهو ينظر الى عصيهم الموجهة ناحية صدره ، ولم يدرك جدوى تلك العملية ، فالعصي للضرب والمواجهة وليس للتصويب من بعيد ، لكنه حينما نظر الى الرجلين وجد انهما جادان كل الجد بتهديدهما بتلك العصي المجوفة ولم يكن يريد ان يدخل بعراك معهما فهم على أية حال ضيوف على مدينته . ولم يكن يدرك ان تلك العصي قادرة على إطلاق النار الى صدره وربما قتله . 
فقال - مرحبا بالضيوف .. 
حينذاك خفض الرجلان بندقيتيهما . 
كان الرجلان قد جاءا من مدينة أخرى تبعد عن الناصرة مسيرة عشرة أيام من السير الحثيث وانهما في طريقهما الى المدينة المقدسة ليدفنا فيها والدهما العجوز الذي لا يريد ان يموت إلا هناك ويدفن قرب القبر المقدس لانه يظن ان تلك الأرض اقرب بقعة للسماء من الأراضي الأخرى واكثرها طهرا ، وحينما سألهما سعيد عن المدقات التي بأياديهما قالا . 
- انها مدافع صغيرة . 
وسمحا له بأن يجرب واحدة ، فوضعا بداخل الأنبوب الحديدي مسحوق رمادي اللون وكرة حديد صغيرة الحجم وطلبا منه ان يوجهها ناحية السماء ويضغط على النتوء الصغير بعد ان يثبتها جيدا على كتفه ، فانطلق منها دوي هائل ودخان كثيف ، فأرتج كل جسده وأخذ يبحث عن مسار القذيفة وعن الثقب الذي لابد وان تحدثه في جدار السماء ، فليس من المعقول ان كل تلك القوة الخارقة التي جعلت من جسده يرتج غير قادرة للوصول الى السماء وإحداث ثقب فيها . فقال وهو بين الشك واليقين . 
- ان السماء ابعد مما كنت أظن بكثير . 
قال احد الأخوين - لهذا السبب يريد أبانا ان يموت في الأرض المقدسة . 
ثم تناول منه السلاح بحذر ووضعه على كتفه . 
قال يوسف - كيف لي بالحصول على مثل هذا السلاح ؟ 
لايمكن ان تحصل عليه 
- لماذا ؟ قال سعيد ضارعا . 
- لانه خطر جدا يا صاحبي . أخطر مما تظن . 
كان سعيد يظن انه بمثل هذا السلاح يستطيع ان يدافع عن مدينته ويطرد الخوف عن قلب ابيه ، فمن يجروء بعد ذلك على مهاجمة الناصرة أذا جوبه بمثل هذا السلاح ، فقال . 
- لا بد من وجود صانع لمثل هذه المدافع الصغيرة . 
- نعم .. هناك رجل هندي ، هو الوحيد الذي يعرف سرها . 
- و ما إسمه ؟ 
- صاحب .. يسمونه صاحب . إسأل عنه في البصرة . 
- متى سترحلون ؟ 
- عند الفجر .. 
عاد سعيد الى منزله ليطمئن والده والآخرين ، لكنه لم يستطع ان يبعد صورة السلاح عن ذهنه طيلة الوقت ، فالسلاح قوة للناصرة الضعيفة التي لا تستطيع ان تبقى مختفية الى الأبد ، فالغرباء بدءوا يقعون عليها لأنها ليست في أطراف الأرض كما يعتقدون ، ولابد وان هناك من يرقبها عن بعد بانتظار اللحظة المناسبة للسيطرة عليها ، حينذاك سوف لن ينفعها التواء أزقتها ولا حيطان غرفها ، لانه ليس هناك شئ بإمكانه صد مثل ذلك السلاح الرهيب ، فقرر ان يأخذ معه بعض الفتية ويذهب للبحث عن الهندي صانع المدافع . 
استلقى على فراشه ولم يفارقه ذلك الدوي العنيف في اذنه ، صوت انفجار البارود الذي لايصمد امامه شئ ، وشعر كم هي ضعيفة ومسالمة مدينته الصغيرة وتحتاج الى حماية ، وغفر لابيه خوفه المزمن من المدافع التي حصدت رفاقه في حربهم الماضية ، فالرجال مهما بلغوا من القوة لا يستطيعوا الصمود أمام آلات الشيطان تلك ، وفي غمرة تفكيره بالسلاح نسي موعده مع فضيلة خاتون ، فقال . 
- سوف لن افتقد فراشها كثيرا لأنني لا أتذكر كيف كان . 
في الصباح خرج سعيد من الناصرة يرافقه التوأمان عبد الله الرطب وعبد الله اليابس في مغامرة لم يرغب احد سواهما في خوضها معه ، لان الجميع كانوا يرتعدون من الخوف ، فالناصرة ما زالت في اطراف الارض كما يعتقدون وان لا سبيل للوصول الى مدن أخرى . 
ولم يكن في وداعه سوى شقيقه الاصغر عليّ الذي كان يحاول ان يخفي تأثره ويغالب دموعه ، لان سعيد لم يرغب بان يخبر والده العجوز بالامر خوفا عليه كما لم يخبر امه بذلك وحاول ان ان لايعرف بامر رحلته سوى عدد قليل من فتيان الناصرة الذين تحلقوا حوله في لحظات الوداع الأخيرة محاولين ان يحملوه بنصائح وخرائط غير مفيدة لان أي منهم لم يغادر ابعد من حقول الناصرة . 
وقبل ان يغادر وضع يده على كتف شقيقه الأصغر واخذه بعيدا وقال . 
- اسمع أيها الصغير ، حاول ان تخرج من جحرك ومتع نفسك قليلا ، اذهب الى بيت الخاتونات . 
- سأنتظرك حتى تعود ونذهب سوية . 
- كلا اذهب هذه الليلة وقل للخاتون الكبيرة ان سعيد مشغول هذه الايام . 
- حسنا سأذهب . 
- هل اعتبره وعدا ؟ 
- انه وعد . 
قبل سعيد شقيقه وابتعد عن المنازل مع التوأمين عبد الله الرطب وعبد الله اليابس في طريقه الى مغامرة مجهولة . 
**** 
عاد عليّ الى منزله وحاول ان يذهب الى غرفته دون ان يلتقي بابيه محمد الامام لكن العجوزكان بانتظاره في باحة المنزل ينظر له بعينيه الكليلتين قال العجوز - أهذا انت ياعلي ؟ 
- نعم يا ابي ، انه انا . 
-هل رحل الغرباء عن الناصرة ؟ 
- سيرحلون عند الفجر . 
- أين سعيد ؟ 
- سيعود يا ابي .. 
اتجه ناحية غرفته فاوقفه صوت العجوز القلق . 
- هل رحل معهم ؟ 
- كلا .. ليس معهم . 
ارتعشت شفتا العجوز - قل له ان يعود يا علي . 
- سيعود ، سيعود لا تقلق . 
دخل الغرفة واغلق الباب خلفه . 
كان علي يعيش عالما خاصا به بعيدا عن الناصرة وهمومها او عالم اخيه الصاخب ، كان يريد ان يترك وحيدا الى جانب كتبه التي وجد فيها السلام الذي يبحث عنه ، فانقطع بها عن الخروج والبحث عن المتعة لانه وجد متعته في الكتب رغم انه لا يمتلك الكثير منها ، فعالم الناصرة المغلق وانقطاعها عن العالم المحيط بها جعل من الحصول على كتاب ضرب من المستحيل ، فلجأ علي الى تدوين ما يسمعه من حكايات يتناقلها عجائز الناصرة وشيوخها عن عنترة ورأس الغول والاميرة ذات الهمة وعن كرامات الأولياء وحروبهم وموتهم وبعض من أقوال الدراويش التي أخذها عن لسان (( أبو الهدى )) ، ذلك الدرويش الذي حفظ كل كرامات وخوارق من سبقه في الدخول الى عالم الصفا ونقلها علي بحرفية التلميذ النجيب الى أوراقه التي كانت تتضخم يوما اثر يوم لتصبح مكتبة فريدة من نوعها كتبت بلسان واحد ، لسان علي ومزاجه الذي كان يخلط الحوادث ببعضها ويغير من مصائر أبطالها الذين كان يحبهم ، فبدلا من موتهم غدرا يجعلهم يعيشون وبدلا من فرافقهم لمحبوباتهم يجعلهم يلتقون ، لم يكن هناك شقاء أو غدر أو خيبة أمل في تلك المكتبة ، كانت مجرد حكايات سعيدة تنتهي بنهايات سعيدة ، مارس عليها علي سلطته التي لاحدود لها فاوجد مكتبة غريبة لا يقرأها احد سواه ، لكن خياله لم يسعفه في التدخل بحكايات ابي الهدى فتركها كما هي لأنها لا تخضع لقوانينه التي يجب ان تنتهي بنهايات سعيدة ، فكان يكتبها كما سمعها من فم الشيخ وافرد لها زاوية في غرفته اسماها بالحكايات الخارقة ، لانه لم يفهم معظم تلك الحكايات التي كانت تصف طريقة أولئك الدراويش الذين يلفون أنفسهم بالخرق ويتحدثون عن حكمة غامضة وطريق شائك وصعب من مجاهدات وصوم ونكران ذات لينتهوا الى التشكيك بكل شئ ثم يموتوا مصلوبين أو مهملين في زوايا المساجد . 
كان معلمه ابي الهدى يعيش هائما في طرقات الناصرة وزواياها ولابيت له يأوي إليه ، وكان الناس يعاملونه كشيخ فقير مجذوب يحاول ان يعيد لهم ربهم الذي نسوه ويحاولون الابتعاد عن طريقه عندما يصادفهم لانه يصرخ في وجوههم طيلة الوقت ويذكرهم بربهم الذي اصبح بعيدا عنهم ولا يريد النظر الى مدينتهم لأنها لم تبني له جامعا يعبد به . 
- انظروا له ينظر لكم ... 
كان يطلق صرخته في وجه كل من يره وعندما يتعب من دورانه الطويل يجلس في ظل النخيل بعيدا عن المنازل المدنسة بنسيان ربها ويأخذ بتطويح رأسه ليتماهى في الذات التي لم تغضب حتى تلك الساعة على المدينة الجاحدة وتغرقها بطوفان أو حريق فيخرج الزبد من أطراف فمه وهو يردد - اغفر لهم جهلهم يارب . 
ولوقت طويل ظن علي ان الناصرة باقية ما دامت طرقاتها تستقبل وقع اقدام ذلك الدرويش ، فهي بدونه مدينة خالية من ربها لان لا احد يقيم له وزن كبير داخلها ، فهم ورثوا عاداتهم البدوية التي جلبوها معهم من الصحراء التي قضى فيها أسلافهم معظم حياتهم ، فهم تقريبا لا يعرفونه جيدا ولا يريدون الاقتراب منه حتى انهم لم يبنوا له جامعا ، ودائما يبررون ذلك بعدم وجود إمام له ، فعندما يظهر ذلك الإمام سنبني الجامع لأن ابي الهدى رغم معرفته بالدين فهو رجل اخرق حافي لا يصلح لان يكون إماما ، هكذا كانوا يبررون الأمور على هواهم ففقدت المدينة ذلك الحس الطري بوجود الله الى جانبها وغرقت في دوامة من الفراغ الشاحب الذي لون وجوههم ، فالوجوه الشاحبة خالية من الأيمان كما يردد الشيخ أبو الهدى . 
مدينة خالية من الله إلا على لسان الشيخ المجذوب وفي أوراق علي ولولا هذا لنسوه الى الأبد . 
عندما حل الظلام تسلل علي من غرفته الى الخارج ناحية بيت الخاتونات ليبلغ فضيلة خاتون برسالة اخيه ، أقترب من المنزل المضاء جيدا وفتح باب الحديقة التي تتقدمه ومشى في الرواق الضيق الذي تحف به نباتات الآس والزهور حتى وصل الى الباب الرئيس وطرقه بخفوت وهو يغالب خجله ويتمنى بسره ان لاتظهر له واحدة من الخاتونات فيصيبه الارتباك لانه طيلة حياته لم يتحدث لامرأة غريبة بأستثناء المرات القليلة التي كان بها يلقي التحية على جاراته عندما يلتقيهن صدفة في الطريق ، كان يأمل ان يخرج له طفل من المنزل فيبلغه بالرسالة ويعود أو حتى في اسوأ الاحوال يخرج له تحسين باشا ذلك التيس القواد الذي يخنق جسده ببدلة كاملة وطربوش حتى عندما يذهب الى النوم . 
فتح الباب واطلت فتاة جميلة باسمة الوجه ، توقفت للحظات بانتظار ان يتحدث وكانت تنظر له من الاسفل الى الاعلى وكأنها تريد ان تزنه فزاد هذا من تلعثمه ، فقال بصوت خافت وهو ينظر الى الاسفل . 
- فضيلة خاتون ؟. 
فمطت الفتاة شفتيها - كلا .. انا سعدية . 
واستدارت وهي تصيح في المنزل - ماما هذا الولد يسأل عنك ؟ 
اثناء استدارتها انتهز علي الفرصة ورفع نظره الى جسدها ، كانت الفتاة ترتدي ثوبا منزليا التصق بجسدها فبانت من خلفه خطوط ملابسها الداخلية واظهر شيئا من ظهرها وذراعيها وهذا ما لم تقع عليه عيناه من قبل ، فهي المرة الاولى بحياته التي يرى فيها أمرأة غريبة تكشف له عن جسدها بهذه الطريقه ، فتسمر بمكانه ينظر الى مؤخرتها وظهرها وعندما التفتت اليه ثانية لم يستطع ان يرفع نظره عن صدرها ، فشعرت الفتاة بنظراته الحارقة التي تسلق جسدها دون رحمة فقالت . 
- ما أسمك ؟ 
قال وهو يلهث - علي .. علي شقيق سعيد . 
جاءت فضيلة خاتون التي لم تكن تختلف كثيرا عن ابنتها في طريقة ملابسها واتكأت على حافة الباب الى جانب ابنتها وقالت . 
- هل انت شقيقه الاصغر ؟ 
قال علي - نعم . 
- ادخل يا علي . 
وافسحت له الطريق ليدخل لكنه استدرك وقال . 
- سعيد يبلغك تحياته ويقول انه لايستطيع الحضور . 
تغير وجه المرأة قليلا - ولماذا لايستطيع الحضور ؟ 
قال علي - ذهب برحلة لكنه سيعود قريبا . 
قالت المرأة - متى سيعود ؟ 
- اسبوعان فقط وسيعود . 
هزت المرأة اكتافها ودمدمت بشئ يعبر عن استيائها ثم قالت - حسنا .. وتركته ودخلت الى المنزل فقالت الفتاة . 
- لماذا تنظر لي هكذا وكأنك تريد ان تأكلني ؟ 
- انا .. كلا .. تصبحين على خير . 
وهرب من امامها وهي يشعر بثقل بصدره ، كان يريد ان يهرب فقط ، يهرب من جسده الذي اخذ بتعذيبه ، فلم يعد الى بيته وظل يسير في الطرقات الخاوية محاولا ان يطرد صورتها من مخيلته ، سار وهو ينظر الى الاسفل بانتظار ان يصيبه التعب فياوي الى فراشه وينام دون ان تطارده صورتها الجميلة ، فدخل الى ازقة لم يدخلها من قبل حتى خشي ان يفقد طريق العودة الى منزله فاستدار ناحية زقاق اعتقد انه لابد وستؤدي نهايته الى النهر ومن هناك يستطيع الذهاب الى منزله ، فسار به وهو يلوم نفسه لانه لم يلبي طلب فضيلة خاتون بالدخول الى المنزل والتمتع بالجلوس مع الفتاة وتمنى لو ان سعيد يعود من مغامرته سريعا ويساعده . 
انتهى الزقاق بزقاق آخر قطعه ثم آخر وشعر بأنه يضيع في متاهة الازقة التي لم يخبرها جيدا ، فكان يسترشد بانفه ويحاول ان يشم رائحة النهر الذي هو بالتأكيد ليس بعيدا عنه لكنه لايعرف كيف يصل اليه ليأخذ طريقه الى منزله ، واثناء دورانه الطويل لمح شبح رجل يتلفع باطمار بالية وهو يهتف - انظروا له ، ينظر لكم . 
فجاوبه صوت خرج من احد المنازل - اخرس . 
صرخ علي محاولا ان يلفت نظر الرجل - ابو الهدى .. ابو الهدى . 
فالتفت الرجل وتوقف الى ان اصبح علي الى جانبه وعندما تبينه جيدا قال . 
- علي .. ماذا تفعل خارج البيت في هذا الوقت المتاخر ؟ 
- لقد ضللت طريقي يا عم .. 
ووضع كفه على راسه بحنان - اين كنت ؟ 
- كنت اتمشى ففقدت طريق المنزل . 
- حسنا .. تعال معي 

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق