احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

الى بلاد الواق واق

الحياة في الشبك لاتطاق ، مملة ورتيبة وقاسية وحارة كجهنم الحمراء ، والعواصف مخيفة وخطرة جدا ومميتة ، نرى العاصفة من بعيد تسير كمحارب قديم لايقف بوجهه شيء ، هادرة وعنيفة وقوية ، كتلة تراب وصخور وحصى واغصان أشجار وطيور ميتة ، تتقدم ببطء وتكتسح في طريقها ما تصادفه ، تستمر أحيانا لساعة أو ساعتين ،تحطم الخيام وتأخذ معها مقتناياتنا الصغيرة والكبيرة وقدور الطبخ وتأخذ معها أيضا من يستهين بها .
كنا حينما نراها قادمه نبلل اليشاميغ بالماء ونلفها حول وجوهنا ، ونحفر حفرة بقدر اجسادنا ونتغطى ببطانية مبلله وننام بداخل الحفرة الى أن تمر ، لنخرج بعدها كالموتى ساعة النشور .
ومن لم ينم بحفرة سيطير ، ستأخذه العاصفة .
أنا لم أجرب الطيران بحياتي سوى مرتين ، المرة الأولى حينما حملتني العاصفة من الحمام الى الشبك المحيط بالسجن ، طرت كأي عصفور للتو يتعلم الطيران ، طرت وحلقت وصعدت عاليا رأيت رفاقي يختبئون بالحفر ، رأيت ( معين ) و ( عويسي ) يتقاسمان حفرة ويتركان فسحة صغيرة لي لأندس بها الى جانبهم ، رأيت الأنبياء الأربعة عليهم السلام يصلون صلاة الخوف ، رأيت أبو زمان وقد غطاه التراب حتى ظننت أنه سيموت ، ولولا خوفي علي معين من أن يبقى وحيدا لذهبت مع العاصفة لأرى العالم كله .
والمرة الثانية التي طرت بها حينما سكرنا سوية أنا ومعين وعويسي .
كان كل من في الشبك يفكر بالهرب ، حتى الأنبياء الاربعة رغم أنهم يستطيعون المغادرة أي وقت يشاؤون ، لكنهم لم يغادروا بطرقهم المعهودة بل أرادوا تعليمنا كيفية الهرب .
كانوا يستيقظون مع أول خيوط الفجر ، يرتدون سراويل بيضاء وفانيلات بيضاء ، يمارسون الرياضة البدنية والتمارين السويدية ثم يركضون ، يركضون ويركضون ويركضون ، ولحاهم الطويلة ترفرف بالهواء ، لحية عيسى شقراء ، لحية موسى حمراء ، لحية هارون صفراء ، أما يونس فكان غير ملتح ، لكنه يسبقهم دائما ، يركض أسرع من العاصفة رغم ساقيه القصيرتين ورأسه الضخم وصدره العريض ، وكنت أجلس على السطل عند باب الخيمة أراقبهم وأفكر كيف له ان يسبقهم وهو قصير وأكبر عمرا ، ربما بسبب اللحية ، ربما .
مع مرور الايام أنضم اليهم يحيى وهو رجل وقور ومتدين وملتح في الاربعين من عمره وأخذ يركض معهم ، لكنه بدأ يسبق النبي يونس ويقودهم بدلا منه ، لحيته سوداء وناعمة ترفرف كشعور الحوريات . فكرت بسري انها ليست اللحية من تجعل يونس يسبق .
ماذا أذن ؟ 
لم أجد الجواب طبعا .
كان معين وعويسي يتناقشان عن كروية الأرض وعلاقتها بسورة ( دحاها ) ، 
قال معين - دحاها بالعربي تعني كورها ، مو بسطها ، شنو انت كردي خو مو كردي ؟
قال عويسي - كلا دحاها واضحة تعني بسطها وآني أصلا ما أصدق بكروية الارض ، مو معقولة لو الارض كروية جا لعبنه بيهه طوبه .
قال معين - دروح يمعود ، خلي نتناقش عن الدجاجة والبيضة ، منو أول الدجاجة لو ....
أجاب عويسي - طبعا البيضة .
- لا مو البيضة ، الدجاجة .
قلت - يا جماعة ما تعرفون منو أحسن بالركض ، الواحد عنده لحية لو ما عنده؟
زعق الاثنان بوجهي - دروح يمعود .
عدت الى سطلي وجلست عليه وأنا أفكر .
في اليوم التالي أنضمت مجموعة أخرى الى انبياء الركض ، ووسطهم أبو زمان يركض ويركض ويركض ، وحينما انتهى الشوط سألته .
- ها أبو زمان شكو ماكو ؟
قال لي - ماكو شي ، بس الجماعة يريدون يشردون من المعسكر ، خفض صوته حتى أصبح كالهمس - ليلة أمس عملنا ثقبا في الشبك الخامس .
قلت كالمذهول - الشبك الخامس ؟
قال - ما بقي شيء سوى السادس والسابع والثامن ، الشبك التاسع والعاشر سنثقبها في ساعة الصفر ١٤٠٠ .
- وبعدين ؟
ثم نهرب ، تعال معنا ، أخرج معنا للتدريب وانا سأكلم الجماعة عنك .
قلت - بس آني ما أعرف أركض ؟
- جا شتعرف ؟ 
- أعرف أطير .
كنت أنا ومعين وعويسي ، نفكر بخطة هرب لاتخطر على بال الجن الازرق ، وننتظر ساعة الصفر على أحر من الجمر لتنفيذها مع الحيطة والحذر ، ولايعوزنا شيء سوي سرقة قدر الطبخ من ( كراوي ) وربطه بحبال تتصل بقطعة خيمة كبيرة ليصبح على شكل منطاد ، نجلس ثلاثتنا بداخل القدر ننتظر وصول العاصفة ونطير ، 
في ليلة مظلمة وصافية وساكنة كالموت تنذر بهبوب عاصفة قوية ، تسلل معين وعويسي ناحية المطبخ وافرغا قدر كراوي من الماء وحملاه الى داخل الخيمة ، ثم تهيأنا للرحلة الطويلة ، ربطنا الحبال بقوة في حلقات القدر وخيطنا قطعة الخيمة جيدا وغلفناها من الداخل بالنايلون وأوصلناها بالحبال ، ثم جلسنا داخل القدر ومعنا جلكان تخمير .
قلت بثقة طيار محترف .
- بصحتكم يا شباب .
قال معين مخاطبا عويسي - ليش احنه من نشرب نقول بصحتكم ، ليش ما نقول بسعادتكم مثلا .
قال عويسي - مو صحيح ، الخمرة ممكن تخلينه نحزن ، نكدر نقول بحزنكم مثلا .
قال معين - نقدر نقول بسحانتكم .
- مو صحيح ، ما نقدر نفرح ونحزن بنفس الوقت ، بس بالافلام الهندية نشوف وحدة تبجي وتضحك بنفس الوقت .
شربنا وشربنا حتى أوشك الجلكان على النفاذ ، 
لست أدري ان كنت سكرت في ذلك الوقت ، أو أن شيئا قد حدث ، شعرت بحفيف البطانيات والخاوليات والوسائد وهي تتحرك وترفرف وتحلق في فضاء الخيمة ، فكرت بنفسي وقلت لابد انها العاصفة . 
أتت العاصفة تسير بهدوء ، تتدحرج ككرة الصوف .
صرخت - تماسكوا يا أولاد .
اهتز القدر وانتفخ المنطاد ،أرتفع قليلا فقليلا حتى اصبحنا فوق الخيام ثم أعلى وأعلى وأعلى .
صرخت من الفرح - لقد نجونا يا اولاد .
قال معين - لماذا نحن حينما نسكر نطير ؟ 
أجاب عويسي - مو شرط .
تجمع من في المعسكر ينظرون الى القدر الطائر .
رأيت الانبياء الاربعة وأبو زمان وكراوي وتحسين والبقية يركضون في كل الاتجاهات ويصرخون .
- وين رايحين يا شباب ؟
اجابهم معين وعويسي بصوت واحد .
- الى بلاد الواق واق ، الى البلد الما بيه زلم ... بس نسوان .

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق