حينما أراد أبي (كامل) يرحمه الله التطوع في الجندية لم يكن لديه أوراق ثبوتية أو جنسية عثمانية كما كانت تسمى في ذلك الوقت، فأضطر لاستعارة جنسية أخيه عبد الكاظم وتطوع بالجيش ومنذ ذلك الوقت التصق بنا أسم عمي فأصبحنا أولاد عبد الكاظم ولكوننا شباب متحررين ومنفتحين ولا تعجبنا العبودية حتى لله فقد إحتلنا على الاسم وحولناه الى كاظم.. سامي كاظم، حميد كاظم، مجيد كاظم. قيس ورياض كاظم.
ولكوننا من أقدم العوائل الشيوعية في الناصرية فقد كان رجال الأمن والشرطة دائمي الزيارة لبيتنا وبيت عمي عبد الكاظم الذي ليس في العير ولا بالنفير فعندما يزوره الشرطة سائلين عن حميد وقيس.
ينكر ويقول- أولادي خالد وماجد وحامد. سامي وحميد وقيس لا أعرفهم ولا يمتون بصلة لي.
الطريف بالأمر أن جدتي لأبي اسمها (مثال) ويدللونها ب (مثلة).
ذات يوم جاء الشرطة يسألون عن مثال وعن سبب عدم التحاقه بالجيش.
قال أبي- مثال أمي وهي امرأة عجوز.
قالوا- لدينا في السجلات ان مثال متخلف عن السوق منذ زمن طويل.
- يا أخوان مثال امرأة وهي أمي.
- لا نعرف. سجلاتنا تقول انه متخلف عن السوق للجندية.
- سبحان الله مثلة متخلفة عن السوق؟
- نريد مثال أن يأتي معنا الآن؟
جدتي مثلة عجوز قروية لا تنام الا بعد أن تستنشق طاسة ( نشوق) وتنشنش فالنشوق نوع من الأعشاب المخدرة والمسلطنة.
قالت جدتي مثلة- سأذهب معهم.
ربطت رأسها بعصابة الكراكيش وأخذت رشفة من النشوق وراحت تحبو ناحية مديرية التجنيد.
وقفت أمام ضابط التجنيد وقالت- انها مثال زوجة عبد العال الملا.
رفع الضابط حاجبيه بعجب ورد- عبد العال الذي علمنا الحرف؟
- نعم.. عبد العال الذي علمك الف بي تنتونة راسك راس البزونة. أمك سوتلك برمة وأبوك طركع صرمه.
قهقه ضابط التجنيد وأعفى مثال من الخدمة العسكرية لتقدمه بالسن.
أما أبي كامل فقد كان حائراً بين اسمائه الثلاثة. كامل وعبد الكاظم والاسم الذي نحبذه (كاظم) فكظم غيظه وسكت عن موتنا المبكر.
موت سامي وحميد وقيس من أجل وطن لا معنى له ولا طعم ولا رائحة.