احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

عودة خمبابا الى غابة الأرز 1



في قرية  الزنكرية  جنوب شرقي بلاد  البهبهان ،  ولد خمبابا  من أم تدعى جميلة ماتت اثناء ولادته  بسبب لعنة سقطت على بطنها من جراب ساحر طائر ، ومن اب مشهور باسم القفل  عهد بوليده الرضيع لساحرة حكيمة تسمي نفسها السندان الحديدي  ورحل يبحث عن صانع اقفال رقمية يعيش خلف المحيط .

الزنكرية قرية عادية تشبه تلك التي نراها ونحن في طريقنا الى  بلاد العاصفة  او  البلاد المحروقة او ارض البدو الطوال او ارض لا احد ، سماؤها وارضها تشبه تلك التي نراها ونحن نحلم ببيت صغير  قرب شجرة وحيدة .. 

 بيوتها صغيرة الحجم   تشبه البطيخة وبدخالها ، غرف للمتزوجين ، وباحة كبيرة للعزاب ، وفيها تنور واقراص خبز وفاكهة ونبيذ ، بيوت صغيرة لكنها تسع اولئك الاقزام الخبثاء وتسع رغباتهم التي لا تنتهي ...

ككل الاقزام ولد خمبابا  ، قصيراً ومتيناً  ذراعاه قصيرتان وقويتان كالحديد ، صقلهما بممارسته لفنون الصيد ومطاردة الوحوش والسعالي والثعابين ، انفه افطس ولحيته كثة وخشنة ، تصلح لجلف الصحون وتنعيم الجدران ،  بذقنه الطويلة استطاع ان يصرع  جمجم افندي ويحشوا فمه بالشعر ،  وبخشونته المعهودة استطاع ترويض ثلاث قزمات من ثلاثة اصناف ، ليصبحن زوحاته رغماً عن انف المحارب والصياد والساحر والمزارع وصاحب المواشي  فهو كما تعرفون لا يعطي حتى الخراء ...

طفولته الشقية ويتمه المبكر جعلتا منه عنيفاً جداً بتعامله مع طرائده واعدائه ، وجعلتا منه شجاعاً وكريماً وعطوفاً على الضعفاء والاطفال وعلى جدته  السندان الحديدي  التي ربته وعلمته الحدادة والخياطة والتطريز ودبغ الجلود ليصنع منها دروعه ومصائده وحينما شب قليلا ، اخذت ترسله بمهمات صغيرة خارج  الزنكرية كجلب الحطب واللحوم ، وخنق القطط ، وحينما غلظ عظمه وطالت لحيته ، اعطته درع جلدي يخطف البصر من شدة لمعانه .

قالت العجوز _ خمبابا  يا خمبابا هذا الدرع عمل سنوات طويلة . انظر الى متانته وخفة وزنه ، انظر الى الوانه وزخارفه وحليه ، انظر الى نقش الطائر والى مخالبه العظيمة ، درع لا يحلم به حتى  البهبهان  نفسه .

قال خمبابا وهو يجرب الدرع الذي ابهره 

 _ شكرأ لك ياجدتي الموقرة  شكرا لك  

على هذا الدرع الذي لم يلبسه فارس قبلي  ولن يلبسه احد سواي ، شكراً لك على دباغته وخياطته وتطريزه  ..

شكرا لك على رعايتك لي التي جعلت مني رجلا لا يخشى اي شيء في هذا العالم ، منك تعلمت فن ترويض الوحوش ، منك تعلمت نصب الفخاخ والايقاع بفرائد الطيور ودعالجها ، ومنك تعلمت التطريز والحياكة والطبخ وغسل الملابس ...

 نعم يا جدتي   سارتدي هذا الدرع طيلة حياتي ، واقسم لك ان يدفن معي اذا قتلت اومت .... 

قالت العجوز .

_ بعد عمر طويل يا ولدي ، لكن هذا الدرع يحتاج الى بعض التمائم والتعاويذ ليكتمل ويصبح عصياً على النار ولعنات السحرة ، ولا احد يستطيع فعل ذلك سوى عمك طويل باشا  ...

قال خمبابا _ عمي طويل  نعم عمي طويل ... اين اصبح الان ؟

_ عمك طويل ، حكيم طبقت شهرته الافاق فاستدعاه الملك  البهبهان  ليصبح مستشاره وطبيبه وساحره ... 

_ لكم اود لو التقيت بعمي طويل واصبحت واحدا من تلاميذه ..

قالت العجوز

_ اذهب الى بلاد البهبان ، هناك الكثير من العمل امامك وانا اصبحت عجوزا لا قدرة لدي على تعلميك المزيد ، فاذهب الى بلاد البهبهان ؟

البهبان وجاهة وفخامة ، ومحك لمقياس الابطال ...

 اذهب الى هناك والتقي بعمك طويل باشا ، عرفه بنفسك وقل له ابن من انت واذا سألك عن دليل قدم له درعك الجلدي واذا شك به ، قل له ان الدرع من عمل جدتي السندان الحديدي  الوحيدة التي تعرف كم يبلغ طولك  . اذا ضحك عمك وبانت اسنانه الطويلة  انفض التراب عن نعليك وادخل ...   

لكم اود لو كانت لدي القدرة  على تحويل الزمن الى الوراء ، ونقلكم معي الى ذلك الزمن الذي فيه يحق لنا السباحة في الطنجرة والغوص في الاماكن الصعبة بحثاً عن  بقايا العدس في الشوربة ، ففي ذلك الزمن كانت كل المخلوقات كبيرة الحجم ، الطنجرة كبيرة  والصخلة كبيرة ، والفيل كبير ايضاً ، لكن ما يضحك في الامر هو ان خمبابا ولد قزماً في قاعة العمالقة ، قزم لا تخطأه العين ولا احد يحتك بكتفه سوى ظله . قزم خبيث لا انصح احد بمرافقته ، فهو شجاع ومغامر وقاتل ووصولي ومنحط ، تساعده في معاركه العديدة ، نمرته لوسي وفرسه الجميلة  رومي وفخاخه وفؤوسه الطويلة التي بها قهر رجالات عصرنا امثال  سيما  الشيوعي وعكعوك الهيكل العظمي وبطين افندي  الاصلع ، واولئك ناس مشهورين بشدة البطش والحيلة ، لكن ما حدث هو ان خمبابا  كان  يمرق كالسهم من بين الاخطار ، لا سهام تنوشه ولا سيوف ولا لعنات ، ولو حدث والتقيت به ، فلا تحتك بكتفه والا اصبحت عبرة لمن اعتبر ولو كتبت حكايتك على آماق البصر لاصبحت وحيدا كتلك الشجرة المرسومة على جدران قلبي ..

ذهبت الى الزنكرية  اسأل عن خمبابا افندي وما فعلت به الايام ؟

طرقت باب بيته ، فوصلني صوت اربعة نساء .

_ من الطارق ؟ 

قلت _ أنا الحارس  وصلتني اخبار تفيد  ان هناك اربعة فرسان هائجبن ، مسربلين بالحديد حتى اسنانهم ، يأكلون الزلط وينيكون الحائط ، فيا بناتي لا تفتحن الباب لاحد ، هل فهمتن يا صغيرات ؟

قالت الفتيات _ نعم يا عماه ، لن نفتح الباب لاحد ، خمبابا افندي غير موجود حالياً ، سمعنا انه ذهب الى بيت  ابو لملوم  ليأخذ منه الخريطة التي ستقوده الى الارض المحروقة  ... نحن لا نفتح لاحد ؟

قلت _ عفارم عليكن يا بنات ، سلمن  لي على خمبابا حينما يعود ، قلن له سلامات من صديقك القديم  مخلص باشا افندي  .

فتح الباب على مهل واطلت منه ثلاث بنات جميلات انيسه وكروم وهادلي  وامرأة جميلة ومرحة في الثلاثينات من عمرها اسمها صفية  وكما يبدو من تصرفها ، هو انها مديرة المنزل . قالت صفية .

_ هل انت حقاً مخلص باشا افندي ، صاحب الضياع العريضة والنمور المخيفة والقصور الكبيرة  والكروم الهادلة ، سمعنا عنك الكثير من صاحبك خمبابا .

قلت _ يا سيدتي لا ضياع عندي ولا قصور ولا حتى ( يكة ) ، لكن  حدث اني ربحت خبرة كبيرة اثناء عملي مع السندباد البحري .

قفزت الفتيات من المفاجأة وصرخن بصوت واحد .

_ هل حقاً تعرف السندباد البحري ؟

قلت _ طبعاً أعرفه ، انه صديقي وولي نعمتي ، لولاه لما تعلمت فنون التجارة والحدادة والخياطة ودبغ الجلود وتفقيس البيض . انا يا سيداتي واحد من تلاميذ السندباد ،شاركته في سبع رحلات وعدت بلا ذهب ولا جواهر ...

 هل تصدقن ذلك يا بنات ؟

قالت النساء الاربع _ لا نصدق غير معقووول ، كل تلك المغامرات العنيفة والرحلات المخيفة وعدت بلا ثروة ؟!

قلت _ يا سيداتي ليس بالمال وحده يحيا الانسان ..

قالت كروم  _ مو شرط   موشرط ...

قالت  هادلي  _ بم اذاً ؟

_ بالحب مثلاً ...

قالت صفية  _ هل أحببت احدا ما في هذا العالم حقاً ؟

اطرقت راسي ابحث عن جواب ..

 اكملت صفية ...

_ يا عم ، يا عم ، رأت اخواتي  انيسة وكروم وهادلي ان نستظيفك هذه الليلة  في بيتنا ...  نعدك بكساء وطعام وشراب  ، نعدك بفاكهة ومزات من كل الاشكال والانواع ، نعدك بنيذ لا يشربه سوى الملوك ، نعدك بليلة ستظل تتحدث بها طوال عمرك ، ونعدك بطيب وبخور وافاوية ...

من اجل حمايتنا وحماية المنزل ،  لكننا زوجات خمبابا الشريفاث العفيفات ،  نحلفك يانانا و بعشتار وبأم المصابيح ، نحلفك بالتمن والمرق والعدس ان لا تلمس شعرة من احدانا ولا تحتك باجسادنا لا من قريب ولا من بعيد   ..

قلت _ يا سيداتي انا حارس بيت القوة ومهمتي حماية الدار من الحمقى والمنقبين والسراق ، احلف بشمش المعظم والطوطم المعظم ، احلف بارواح اسلافنا العظام   نون وكيكي وصميدع  ، احلف بخفرع ونفرع وابا الرجال ، ان لا المس منكن شعرة ، ولا اشم خدا ولا امص ثدياً ولا انيك كسا ....

اندفعت هادلي ناحيتي وقالت _ غلط ، غلط ، هل تريد ان تفهمني ايها السيد انك ستجالس اربع نساء ، ولا ينتعض عيرك او يوسوس لك شيطانك ؟

قالت كروم _ مو شرط ، ربما لا يوسوس الشيطان بقلبه ؟

قالت انيسة _ يوسوس .. وسسس وسسس .

قالت هادلي  _ احنه مو بقرات ، مو بقرات ..

قالت صفية _ احم ، احممم ....

 سكتت البنات ..

_ انا مدبرة المنزل وانا اكبركن في السن والمقام ، انا التي تقرر ..

قالت البنات ببرود _ وماذا قررت ؟

_ سنختبر الحارس ؟

_ بماذا ؟

قلتيا سيداتي ... وقعتن على الخبير ، فما يصلح لهذه الليلة لن يصلح لتلك ، والرجال بالافعال لا بالاقوال ، ومحسوبكن اديب اريب ، يحسن الطرفة اللطيفة   والقفشة الغريبة ، انا نديمكن هذه اللية .

زغردت انيسة وقالت ..

_ هذا شيطان .. بماذا ستختبريه ؟

قالت صفية_ يا عم قل لنا كيف عرفت خمبا با ؟

قلت _ رأيت صورته في متحف الفنون الجميلة ، وحش كثيف الشعر ، عظيم الشارب واللحية ، كأنه خرج لتوه من مكان مشعر ... 

ضحكت الفتيات وقلن بصوت واحد .

_ غلط ...

قلت _ كنت انا المصور الذي صور المعركة التي دارت رحاها بينه وبين عدويه كلكامش وانكيدو ... يا للمعركة  يا لدماء الابطال التي سالت وغطت الشوارع والمعابد والمنازل ، يا للصراخ العنيف ، يا للقبضات الحديدية ، معركة ليس لها من مثيل ..

قالت البنات بصوت واحد _ كذاب ..

عدلت من وضع عمامتي وقلت .

_ اسمعن يا بنات اخي  سيحل الظلام قريبا  وهناك ، في مكان ما ، اربعة فرسان هائجين يتربصون بالمنزل ، وانا قد اخذت استعدادي وتهيأت للمعركة تماما ، احمل معي سيوف ودروع وبنادق ، وتحت معطفي قناص بثلاثة فوهات ، ومنشار كهربائي ، لتقطيع اوصالهم اذا حاولوا الاقتراب منكن ..

رميت ما احمل من اسلحة ، نزعت المسدس الطويل ، ثم القناص والسيف  ، حتى كاد منزل خمبابا ينفجر من كثرة الاسلحة ..

قالت هادلي _ انه حقا الحارس ..

قالت كروم _ طبعا حارس ، طويل ومسلح وخطر ..

قالت انيسة _ جاسوس ... جاسوسسس ..

قالت هادلي _ انا لا احب الجواسيس ...

قالت صفية _ سكوت سكوت لا جواسيس هنا ولا شكوك ولا هراء ، نحن اربعة ضد واحد ، فاذا اراد العم ان يلعب بذيله ، نبسطه ونلقنه درسا لن ينساه ابدأ ،ثم نرميه على قارعة الطريق ..

قالت الفتيات _ سمعت يا عم ، سنبسطك 

على قفاك على يديك ورجليك وظهرك ..

قالت هادلي وهي تتلمظ _ سنأكلك !

قالت كروم_ سننقعك ونصنع منك طرشي  

قالت انيسة _ طرشي .. طرشي ..

قالت صفية _ هل قبلت بشرطنا يا عم ؟

قلت _ قبلت شرطكن ..

تعال يا عم ، ادخل ..

كان المكان كبير وواسع ، يشبه البطيخة المفروشة باغلى واثمن السجاديد الفارسية ، وعلى الحيطان صور عائلة خمبابا واصدقائه ...

صورة جدته السندان الحديدي وهي تربط رأسها بعمامة من الحبال ، صورة والده وهو يعمل على صناعة اعقد قفل في العالم ، صورة امه الجميلة ، صورة كلكامش وانكيدو و اوتونابشتم ، صورة شمش وانانا والثور السماوي ، صورة الحمامة وغصن الزيتون  صورة رجل طويل يستند الى الجدار ويدخن ...

قلت وانا اشير الى صورة الرجل المتوحد ..

_ من الرجل ولماذا يجلس وسط مجمع الالهة والابطال ..

قالت صفية _ انه العم طويل ، عم خمبابا ..

قلت _ يا للعم المتوحد ؟

_ انه يصلي

قلت _ استغفر الله كدت انسى صلاتي  لنصلي جماعة ..

تقدمت  البنات وصلينا صلاة طويلة صامتة ، من اجل السلام والحب في هذا العالم ، صلينا من اجل ان يتوقف القتل المجاني والحروب والحصارات والجوع ومخيمات اللاجئين ، صلينا من اجل  الوطن والناس .. كانت حقا واحدة من افضل صلواتي ، ان لم تكن احسنها ..

لكن كان الشيطان هناك ، دوما يتربص بنا ، اذ حدث اني حينما ركعت ، اصدرت صوتاً قبيحاً ... اطلقت ريحاً ..  قهقهت كروم  وامسكت فمها ، تبعتها هادلي ورفعت صوتها ( ممنوع ، ممنوع .) ..

_ الضراط ممنوع خاصة اثناء الصلاة ..

قالت هادلي وهي تهز مقشتها بوجهي _ ممنوع يا عم ، ستخسر درجة من درجاتك .

قالت انيسة _ اخصمي منه درجة ؟

قالت صفية _ ليس بعد ، لا تضرط يا عم  ..

ضكحت الفتيات حتى استلقين على قفاهن ..

قلت _ سمع الله لمن حمده ..

والتفت ناحية البنات ... 

هنالك مثل مازال يتداوله الاقزام ، المثل يقول ... 

 ( القزم قزم ، حتى وهو بين افخاذ قزمته

 قزمات لكن جميلات ومثيرات ..

قلت _ سبحان مقسم الارزاق ، 

سبحان الذي اعطى خمبابا

هذا العطاء ...

وربك يرزق من يشاء ..

قالت صفية _ هل هي غبطة ام حسد ؟

قلت _ لا وشمش المعظم ، لم تكن حسدا ، انها غبطة ، اغبطه على منزله و اقماره الاربع ..

قالت هادلي _ بصراحة .. انا اضع هذا الكلام في باب الغزل ..

قالت انيسه _ غزل بريء ..

قالت كروم _ اصلا انا لا قمر ولا اي شي ، ما ادري ليش خمبابا تزوجني ..

لا اعتبر كلامه غزلا ..

قالت هادلي _ كلامه ايروسي ..

مبتذل ..

يا للشيخ الفاسد؟

قالت صفية _ لم يقل الرجل شيئا منكرا .. 

 فاسق ، غيور .._ 

التفتت الي صفية وقالت _ لكونك لم تحسن التصرف ، بدأت بالضراط وانتهيت  بالتغزل بالفتيات وكأنك تريد ان تنيكهن ، ساخصم منك درجة ..

قلت _ لم اقل شيئاً ، لم اتغزل بأحد ، انتن مثل بناتي ، قصيرات جدا بالنسبة لي واحدتكن بمثل طول ....  خذي درجتان ..

_ درجتان ، حقا  يا للمغفل ؟

_ درجتان ؟ 

_ يا للحمار  يا للكديش ..

دعينا نبسطه ونرميه في الشارع ، انه يتحدث خره ، يبطن كلامه بمواضع ايروسية يريد افهامنا انه يملك عضوا طويلا .. 

_ اين المقشة  ناوليني المقشة ....

قلت _ مهلا  ما الذي يحدث في هذه البطيخة ؟

ماذا درجة ، درجتان ... ؟

انتن تتحدثن وكأني غير موجود ، انا هنا  مخلص باشا افندي ...

صديق خمبابا وحامل قلمه وقراطيسه ، كاتب سيرته وكوابيسه ، مدون امراضه واحقاده وانتصاراته وهزائمه . انا ظله ، وفاشي سره  الداخل الى مخدعه ومعاينة ما يرتكبه من موبقات واوضاع جنسية مخلة بالاخلاق.. وحش مثله حرام ان تضيع حيثيات حياته العبقرية هباء .. لولا خمبابا ، لما عرفنا مهنة الحراسة ، فهو اول قزم  يعين حارسا ابدياً على غابة الارز مقابل راتب اسبوعي ونزول جمعة وخميس ، مع ورقة عدم تعرض صادرة من مجمع الالهة ...

قالت صفية وهي تقهقه 

_ سأخصم منك ثلاث درجات .. على وقاحتك ..

قلت اخصمي _ عشرة ...

_ عشرة 

_ عشرة ؟

_ نعم اخصمي عشرة ..

قالت هادلي _ لم يتبق لديه شيء ، خسر درجاته العشر ..

وحق عليه القول ...

أخرجت من خلف ظهرها مقشة ، ثم اشهرتها بوجهي ..

سنبسطه ، سنوجعه ضرباً ، سنقلنه درساُ ..

قالت كروم _ خطية  هو هذا بيه ضربة ...

كأنه العم  لوكال بندي  ...

انا اعطيه درجة ... 

لانه لم يفهم اختلط عليه الامر ..

قلتلم اشرب بعد ، لم اسكر بعد ...

ركضت كروم الى المطبخ وعادت بقنينة ويسكي ..

_ اشرب عمو ... يبدو انك عطشان ..

شربت من القنينة وقلت _ حقا ماذا يحدث هنا ؟ برب صميدع ..

اخرجت كروم ليمونة وقالت _ دعني اقل لك سراً ..

صرخت صفية _ لا اسرار ، لا اسرار هنا ... نحن لا نبوح بسر ..

قالت هادلي _ لا تكوني حمقاء ...

قالت انيسة _ سيقتلك خمبابا ...

قلت _ مؤامرة  مؤامرة ، اين الشرطة اين الحارس ؟  يا حراس ، يا حراس ؟ اين الحارس ؟ 

قالت انيسة  وهي تضحك _ لك مني درجتان هذا اكثر مما استطيع  اصبحت لديك ثلاث درجات ..

قالت صفية _ سنعطيك ثلاثة درجات اضافية ، لاعطائك انطباع جيد عن نفسك ، لكنك خسرت سبع درجات ، والرجل الحكيم لا يتصرف كالغلام الغر ، فيرفض ليلة لايحلم بها حتى الملوك ..

قلت _ ماذا تقصدين ؟

قالت _ من يدخل بيتنا ، نعطيه عشر درجات لتقييمه ، فاذا ربح حققنا له عشر رغبات ، واذا خسر عملنا منه فرجة  وانت الان خسرت  سبعة من عشرة ولم يتبق لديك سوى ثلاث ، فالعب معنا بحذر ... ؟

_ لماذا لم تقولي لي منذ البداية ؟

_ انها اصول اللعبة . لم يبق لديك سوى ثلاث درجات ...

_ العب بحذر ، حظاً سعيداً ..

قفزت انيسة وقالت _ هيا نلعب ... نلعب .

غابت الفتيات لدقائق في غرفهن ، وكنت اسمع قهقهات ساخرة تنطلق من حناجرهن قلت محدثا نفسي _ من يضحك اخيرا يضحك كثيرا .. الليلة ليلة مباركة مبتدأها  عطور وزعفران ومنتهاها سلطان ، لولا حماقتي ولساني الطويل لتنعمت بليلة ملوكية ، كيف لم ادرك ذلك ؟ يا لحماقتي ، ماذا اطلب الان مقابل ثلاثة درجات ، سأطلب شرب ورقص وطعام ، لا استطيع اكثر من ذلك ، لو كانت لدي عشر درجات لطلبت ايضاً ، انزعي يا بنت يا صفية ، دعيني ارى استداراتك الشهية من رمان وخوخ وتفاح ، آه يا الهتي المقدسة توتو ساعديني ؟ لو لم اكن متسرعاً لطلبت من كروم ان تهز لي مؤخرتها المتلاطمة ، امواج من اللحم الاسمر استطيع ان اسبح فوقه الى الصباح وليذهب خمبابا الى الجحيم ، او على الاقل استطيع ان اراقص هادلي الى الصباح ، امسك خصرها الناعم وارقص ، او امص اثداء انيسة انام بينهما حينما اسكر ، آه لو لم اكن اخرقاً لفعلت ما فعلت ..

جاءت صفية ترتدي توب ازرق فاتح اللون تزينه نهدان كالرمانتان وخصر هضيم وفخذان كالنخلتان ... جاءت تحمل عود ضخم الحجم بثمانية اوتار ، احتضنته وكانها تحتضن وليدها ، ثم غنت ..

_ يا ويلي ... ياويلي ...

الولف لو غاب عنك  لا تزل ..

غابت طيوفك ، شوفتك ما تزل 

على الشراشف والمخاديد 

في المخدع ، في همسة شفتيك 

ما تزل .

صرخت من الالم والخسارة _ انا كما انا يا حلوتي ، لم تغيرني السنين ولم تعركني التجارب ، مازلت طفلا ولم ازل ...

لم استطع تحمل غناء صفية وخسارة درجاتي العشر ، فبكيت بكاءا شديدا ، مزقت على اثره ردائي ونزعت عمامتي ومرغتها بالتراب ... وبقيت عاريا الا من سروالي .. لم اكن اطمع بدرجة اضافية ، لكنني تأثرت بالغناء كثيراً ، وتذكرت ما مر بي من صنوف العذاب ، عذاب الحب وشقاءه ولوعته وخيبته ، فصرخت عياشة ... عياشة ، لو ان الريح والعواصف خطفتني ، لو ان العقاب اكل لحمي ، لو اني لم اوجد ..؟ 

سقطت على ركبتاي ..

عياشة .. عياشة ..

قالت صفية _ مالك يا رجل ، لماذا تبكي ؟  من عياشة ؟

قلت والدموع تنهمر من عيني كالشلال ..

_ عياشة ، حبيبتي فتاتي ، حلوتي ، فاتنتي ...

_ هل هي جميلة ومثيرة وحلوة مثلنا ؟

قلت _ من مثل عياشة ، انتن لا تصلن الى قلامة ضفرها ، ليس هناك مخلوق مثل حبيبتي عياشة ..

قالت هادلي _ رجل عار يجثو على ركبتيه ويتحدث عن حسناء اجمل منا ..

مشهد ايروسي ..

مشهد داعر ...

مخصوم منك درجة .. بقيت لديك درجتان خذ حذرك ؟

قالت كروم _ عمو... لوكال بندي ...

مو ضوجتني ؟

ما تعرف تتصرف ، شنو عياشة ، شنو احسن منا  ؟

تصرف كجنتلمان .. تحصل على درجات .. اما اذا بقيت تتصرف بهذا الشكل فسترى مالا تود ...

قالت هادلي _ اخ آخ لو الزمه . آخ لو الاعب المكنسة على ظهره ...

قالت صفية بتهكم _ عياشة ، خراء ... بقيت لك درجتان ، يا للخسارة ايها العم  يبدو انك ستخرج سريعا من اللعبة ، درجتان فقط ..

قلت _ درجتان فقط ؟ وماذا سأحصل على الدرجتين ؟

_ اطلب ... اجابت الفتيات ...

قلت بعد تفكير طويل _ نبيذ معتق ورقص وغناء حتى الصباح ...

قالت صفية _ للاسف ليس لدينا راقصات ..

قالت البنات _ ليس لدينا نبيذ معتق ...

قلت _ ماذا عنكن اذن ؟ لا هز ولا عك ، لا شرب ولا سكر ولا غناء ولا هز بطن ، ادركيني يا  توتو  هؤلاء البنات يلعبن معي ، اخذن مني كل الدرجات ، ماذا افعل الان ، ساعديني يا توتو ؟ خصمن كل درجاتي وذهبت اعمالي ادراج الرياح ، العاهرات الصغيرات خصمن مني ثمان درجات ...

قالت صفية _ اخرس يا عم ، لا تغلط .... مخصوم منك درجتان ...

_ خسر يا خاسر ... خسرت كل درجاته ؟..

وتقدمن نحوي وهن يحملن مكانس ومطارق وسكاكين وعصي غليظة .. 

هناك مثل يتداوله الاقزام ، المثل يقول ....

( الحطب للنار والقرص للتنور ، اليك اتحدث يا حائط .. اسمع يا باب ) ...

 






***






خرج خمبابا وهو يتبختر من كوخ جدته ، درعه الجلدي اضفى عليه مسحة قوة وشجاعة لا تضاهى ، تجول في القرية دخل سوق  الحدادين والنجارين والخياطين تجول في حارة الضبع والفيل والخروف والحصان دون ان يعترض طريقه احد ، 

كان الجميع يحاول ان يتحاشاه  ، يبتعد عن طريقه او يرفع يده بالتحية ، لكنه حينما وصل الى حارة القرود ، وجدها خالية من الناس ، الاسواق خالية والدكاكين مغلقة وابواب البيوت والاكواخ موصدة ، لكنه شعر بأن هناك الكثيرمن العيون تتلصص عليه من وراء النوافذ وشقوق الابواب ، مشى طويلا في الدروب الخالية ، لم يصادفه احد سوى صانع توابيت من فصيلة البشر معتدل القامة منفوخ الاوداج وله شاربان اعوجان يحيطان بفمه الواسع وينزلان الى حنكه ...

اقترب صانع التوابيت من خمبابا وطلب منه ان يتوقف ، ثم اخرج حبلا واخذ يقيس طول خمبابا ثم تمتم ..

_ كما حدست بالضبط ، ثلاثة اقدام ونصف ..

قال خمبابا _ ماذا تقصد ، لماذا تقيسني ؟

_ لا تقلق ، لا تقلق ، لدي تابوب جميل الصنع يليق بجثتك ...

ثم قهقه بطريقة شريرة واكمل _ ثمنه قطعة فضية واحدة ، قطعة واحدة مع اللوازم الاخرى والاتعاب ، ادفع ؟

دفعه خمبابا بكتفه بشدة فترنح الرجل وكاد يسقط على الارض ، لكنه استعاد توازنه واقبل على خمبابا ثانية وشارباه يرتجفان وقال .

_ اسمع ايها القزم ، انت لا تريد لجثتك ان تبقى متروكة في العراء تنهشها الجوارح والنسور ، ادفع لي وانا من سيدفنك ويحفظ كرامتك ...

في تلك الاثناء خرج من احد الاكواخ ثلاثة قردة ضخام الحجم وقفوا على مرمى حجر من خمبابا ...

ابتسم خمبابا ومد اصابعه بجيب سرواله واخرج قطعة ذهبية ضخمة رماها ناحية صانع التوابيت وقال بصوت هاديء _ اصنع لي ثلاثة توابيت ..

تلقف الحانوتي القطعة وقال وهو يرقص ..

_ نعم ، نعم لدي ثلاثة توابيت ايها الفارس الكريم ...

ثم ركض ناحية القردة الثلاثة تحادث معهم قليلا واخذ منهم نقود ايضا وهرول ناحية حانوته ..

تقدم ناحية خمبابا واحد من القردة الثلاثة ، قرد مفتول العضل ، يرتدي لبدة من جلود الثيران ويعلق ( خزامة ) بانفه واقراط باذنيه  ويضع حول خصره مسدس هائل الحجم  ، وعلى ملامحه قرف فظيع ، مما يجعله  يبصق على الدوام  قال ..

_ تفو .. تفوو .. ماذا تفعل هنا ؟

قال خمبابا _ انا في طريقي الى بلاد البهبهان 

ارض الجاه والسلطان ..

قال الحمار  _ تفو تفوو.. اعذرني اعذر صراحتي ، انا ما عدت اصدق احدا ، ولا اثق بأحد حتى من ابناء جنسي ، كيف تريدني ان اثق بالغرباء ؟ هل انت عميل ، جاسوس ، انتحاري ، اعذر صراحتي ، يجب ان تسلم نفسك وتخضع للتحقيق ، تفوو تفووو ، ما عدنا نعرف العدو من الصديق ، ليلة امس انفجر منجنيق وحطم اسوار مدينتنا ، سلم سلاحك الى مساعدي واعدك ان تخضع لمحاكمة عادلة ..

ثم صرخ بصوت مخيف .. 

ساقتل كل الخونة والمتآمرين ..

سأشنق من يمر بقريتي الوادعة ويعكر صفوها ، تفووو تفووو ..

قال خمبابا _ عذرا سيدي القرد ، من حضرتك ؟

قال القرد _ انا الزعيم مدير الشرطة  والاستخبارات والمخابرات  زعيم الزعران واللصوص والشقاوات والمطيرجية ، الناس لدي سواسية ، كلهم متهمون  كلهم يخفي مجرما صغيرا في قلبه ، وحش يربيه بداخله ، لينقض به علي ، على القرود الابرياء  والقرية وطلاب المدارس المساكين والعمال الذين يكدحون من اجل اعمار القرية وتحصينها ، تفووو تفووو الانفجارات في كل مكان ، لم اعد اتسامح مع الغرباء ، سأعلق جثثهم على الاشجار ، انا لا اهتم لما تقوله الاذاعات والفضائيات المعادية ، لا اهتم للرأي العالمي ، انعل ابو الرأي العالمي ، المهم هو امن وامان القرية وامن القيادة   تفوو تفووو .. سلم نفسك ؟

قال خمبابا _ جدتي السندان الحديدي تقول ...

( لاتثق بقرد حتى لو كان يحمل شارة عراف ) ...

قال القرد _ احترامي لجدتك الحكيمة ، سمعت الكثير عنها وعن حكمتها ومعارفها ، لكن هذا لن يمنعني من التحقيق معك ، سلم سلاحك او تهيأ للقتال ؟

قال خمبابا _ انا خمبابا الجبار ، لن اسلم سلاحي للقرود ... 

_ لو كنت كلكامش نفسه ، لو كنت انكيدو لما نجوت من بطشي وشدة بأسي ، استسلم ايها القزم ، ارمي اسلحتك على الارض وانزع درعك ؟

او استعد للعراك ...

زأر خمبابا واخذ يضرب على صدره كالقرود ..

 من شدة صراخه اظلمت السماء وارتعدت اوراق الشعر ...

خمبابا  يا خمبابا ..

حمتك الهة السماء 

حمتك انانا وعشتار وام الطبول ..

حمتك ليليث وعيليث 

في صراعك الرهيب هذا ..

لتكن ننسونا الى جانبك 

ليكن كلكامش حليفك ..

ليكن البكو والمكو 

دليلك الى عالم الافراح ..

قال خمبابا واوراق الشجر ترتجف ..

لم يخلق بعد من ينازل خمبابا ..

انا الاقوى ، انا الفارس ، انا المغوار ..

قلبي من حديد . وذراعي حديد ..

اخرج خمبابا خنجره واخذ وضعية المدافع ..

قال القرد متهكما _ خنجر ؟  تريد ان تقاتلني بخنجر ؟  ها ها هااا ههه ...

تعالوا يا زعران ويا لصوص ويا بلطجية ، تعالوا يا عمال ويا كادحين ويارفاق انظروا من يريد ان يقاتل القيادة والقائد  هذه الليلة ، القزم الخبيث ، القزم ذو اللحية الطويلة يريد ان يقاتلني ، تفووو تفووو ...

قال مرافقه الاول _ اقتله يا سيدي ، اقتله بيديك ؟

قال الثاني _ اهجم عليه مزق جسده باضافرك الطويلة .

قال القرد وهو يهز يده باستهزاء مخاطبا مرافقه الاول ..

_ انت من يهجم عليه ، تحرك بسرعة ، اهجم ؟

_ كنت اظن انك ترغب بقتله بيديك ..

_ امشي ( قشمر ) ، اهجم عليه ؟

ظهر الحانوتي من بين البيوت وتوسط الجمع وهو يردد ..

_ عذرا عذرا ، احتاج الى بعض القياسات ..

اخرج حبله وبدأ يقيس جسد المرافق بكل عناية وتمتم ..

_ كما توقعت تماما ، ستة اقدام ....

ثم ركض بسرعة ناحية دكانه _ يجب ان اجد لي من يعاونني في هذا العمل الشاق ، العمل كثير هذه الايام ...

قال القرد وهو يقترب من خمبابا _ اعدك ان مرافقي سيكون عادلا معك ، ستكون معركة شريفة ، انا لا احب الغدر ولا التمثيل بجسد عدوي ، هل انت مستعد ؟

قال خمبابا _ مستعد ..

قال المرافق _ خيانة ، كنت اظن ان القائد يتقدم جنوده ، يضحي من اجل الوطن ..

_ اخرس ، أمشي ، لا تجبن انه مجرد قزم ، تفوو عليك ...

امتشق المرافق سيفه وهو يرتعش وهجم على خمبابا وهو يصرخ ..

_ من اجل الوطن ..

انتظره خمبابا بصبر وحش تعلم قطف الرؤوس وحينما اصبح قريب منه قفز فوقه وغرز خنجره برقبته ، مشى القرد بضع خطوات مترنحة ثم سقط على وجهه وهو يعض التراب ..

صرخ القرد الضخم _ انه شهيد ، شهيد من اجل الالهة والوطن ، شهيد من اجل القيادة والقائد ، ايها القرود ، يا قرود يا وحوش انظروا ماذا فعل هذا القزم ببطلكم الشهيد وكيف قتله بكل خسة ...

خرج من البيوت اعداد هائلة من القرود ، لم يكونوا رثي الثياب او ان مظاهر الفقر تدل عليهم .. كان بعضهم يرتدي ملابس غاية في الاناقة ، طربوش وبذلة كاملة ، سدارة فيصلية ، عمامة سوداء بيضاء خضراء ، دشداشة وعباءة رجالية ويشماغ وعقال ،  بعضهم عار الا من مئزر يلف خصره ..

قال الجمع _ ما الذي يحدث ؟ 

ما كل هذه الضجة ؟

صرخ القرد مخاطبا مرافقه الثاني _ اهجم عليه اقتله كما قتل رفيقك ؟

قالت القردة _ نعم اهجم عليه ، انت الشرطي ؟

قال المرافق وهو يرتجف فزعاً _ لكن يا سيدي ، دعني اودع اولادي ..

_ لا حاجة لك بذلك ، اذهب واقتله انه مجرد قزم ..

قال الجمع _ نعم اقتل القزم ..

_ لكني لا امتلك سلاحا ، سيفي صدأ ودرعي مهتريء ، اذهب انت يا سيدي واقتله ، انت كما تدعي مرمل الحسناوات ومبيد من لبس الحديد ..

قال القرد الزعيم _ اذا لم تقاتله سأشنقك ، سأعلق جثتك على تلك الشجرة واكتب على جبهتك ( جبان ) ، اذهب ومت بشرف ؟

استل المرافق سيفه الصدأ وقال بصوت مرتجف _ يا اولاد القرد ...

اجاب القرود _ نعم ، نعم ، نحن نسمع ..

_ من اجل الوطن والقائد ...

_ نعم ، نعم ، قل ما تريد ؟

ظهر الحانوتي فجأة وقال بتذمر _ عذراً ، عذراً ، لحظة واحدة ..

اخرج حبله واخذ يقيس جسد المرافق _ كما توقعت تماما ستة اقدام ايضاً ...

عمل كثير ، شغل كثير ..... من التالي ؟

نظر ناحية القرد الزعيم وغمز له بعينه وقال ..

_ لا تقلق يا سيدي الزعيم ، انا اعرف طولك تماما ...

ضحك القرود وقالوا _ سبعة اقدام ...

_ جنازة كبيرة ، جثة ضخمة ، الى الجحيم ...

_ ماذا تقولون ، هكذا تتخلون عن زعيمكم ، سأريكم يا وحوش يا منحطين يا سقط المتاع  ، يا اسنان تالفة ...

اهجم يا مرافقي الشجاع ، اقتل ذلك القزم وسأرقيك واجعل منك وزيرا للدفاع ..

صرخ المرافق _ من اجل وزارة الدفاع ..

هجم المرافق على خمبابا وهو يلاعب سيفه بطريقة بهلوانية ، لكن خمبابا القزم الشجاع ذو القلب الميت تسلل برشاقة من بين ساقيه واودع خنجره في خصيتيه ..

صرخ المرافق وقد تملكه الالم واخذ منه كل مأخذ

 _ خره  خره بالوطن والناس ، القزم قطع زبري ...

سقط المرافق على الارض وهو يرتجف من الالم والذعر ...

قال الجمع _ يا امنا ، يا ام القرود 

اسمعي صلواتنا ، انصتي لاهاتنا

ساعدي القزم الغريب في معركته هذه 

ساعدي خمبابا الغريب ..

قال القرد الزعيم _ يا حثالة يا ناكري الجميل ، انا من صنعتكم ، انا من يطعمكم ويسقيكم ، انا من يحافظ على هيبتكم وقريتكم ، بدوني ستصبحون لقمة بفم من هب ودب ، ستأكلكم الوحوش سيتكالب عليكم الاعداء ، المعركة معركتكم ، ليست معركتي ، اهجموا على هذا القزم الجبان .... اقتلوه وزعوا جسده على القرية واعدكم بانهار من الخمر وحقول من الخرفان ....

قال الجمع وهو يتطلع بجسد خمبابا

 _ انه متين كالصخرة 

قوي كالماعز البري 

انظر الى عضلاته المفتولة ..

 انظر الى خنجره الرهيب الذي سيقطعك اربا دون ان تشعر ، انظر الى درعه الجلدي الذي لن تنفد من خلاله اسلحتك ..

قال القرد _ سافجر قلبه  بطلقة من مسدسي الطارق ..

قال الجمع _ اذا كنت رجلا افعل ؟

افعل .. فجر قلب القزم المتبجح ، قطعه اوصال .. 

اخرج القرد مسدسه ووجهه الى قلب خمبابا ، ثم اطلق النار ، توجهت الرصاصة ناحية قلب خمبابا  ، لكن خمبابا الماهر تفاداها فوقعت بكتفه واصطدمت بالدرع الجلدي ، كما قالت جدته السندان الحدي ، درع لا يخترقه سلاح ، اطلق القرد طلقات اخرى ناحية خمبابا ، فلم تؤثر به على الاطلاق ، درعه الجلدي المتين وقف حائلا بينه وبين رصاص وبارود القرد العنيف ..

اتجه خمبابا ناحية خصمه وجسده يتراقص كالافعى ، تبارز مع خصمه بشرف منقطع النظير ، مزق جسده بخدشات بسيطة لا تكف عن النزيف ، ملء جسد خصمه بالدماء ..

كانت عشتار تنظر الى المشهد  من نافذتها ، رأت ما حل بالقرد المسكين من عذاب ، فتوجهت الى الربة الكبيرة ، الربة مسكنة الالام ، العطوف على ذريتها الام توتو قالت وهي تنوح ..

توتو ، توتو ...

خلصينا  انقذينا ..

من خمبابا الرهيب ..

خلصينا من خمبابا 

خلصينا من جبروته وسطوته ..

ما من شجرة وما من صخرة 

في غابة الارز 

الا وبال عليها ..

ما من جذع او غصن ، الا وبال عليه ..

ما من فارس ومقاتل شجاع الا وطرحه ارضا 

انقذينا  يا توتو ...

انقذينا من الجبار ...

ببطء سقط جسد القرد الضخم ، امام خمبابا القصير ..

قال القرد وهو يعالج سكرات الموت ..

_ لم تكن معركة عادلة ... غلبني القزم ، قتلني ابن الحرام ...

هنالك مثل يتداوله الاقزام ، المثل يقول ...

 ( ما يحدث في بلاد الاقزام ، يبقى في بلاد الاقزام ) ...

وفي ذلك نوع من العدالة ، بالنسبة لكل الاقزام ، القزم شيطان بطبعه ، يحب اللعب والخداع واعمال الحيل ، خمبابا مثلا .. نشا في الزنكرية يتيما ووحيدا الا من رعاية جدته السندان الحديدي ، وتعلم لعبة الحرب وفنون القتال وترويض الوحوش والسطو على النساء ، تعلم ان يعيش ، ان تتعلم كيف تعيش تلك هبة سماوية ، وهبتها الالهة لذلك القزم الشجاع ...








                                   ******







الحياة في قرية الزنكرية  تخضع لتراتبية صارمة .

هناك الملك وحاشيته ، بعدهم يأتي المحاربون ، وهم اشجع واقوى بني الاقزام قاطبة واكثرهم تحملا لضربات الفؤوس وشفرات السيوف ولعنات السحرة ، دروعهم مصنوعة من الحديد الصلب ، لا يخترقها شيء سوى النار ...

قد يظن البعض ان مواجهة محارب   بمعسول الكلام والشعر والعواطف كفيلة بتليين قناته وترطيب قلبه القاسي ، دعني اقول لك ، ذلك ضرب من الوهم ورجم بالغيب ، المحارب بلا قلب ، يجب ان تعرف ذلك ، حينما تواجهه ، اذا حدث وواجهته في عالمنا القاسي هذا عليك ان تعمل كما اقول لك ...

كنت في طريقي الى ارض القلاع ، نسميها ارض ( البوتي ) ، كنت ابحث عن رزقي ، احاول جمع ثمن الطائر ، الطائر العظيم الغالي الثمن النادر الوجود الذي لا يمتلكه احد سوى الملوك ، طائر  الكوكو  العظيم ، الذي سيمكنني من تحقيق كل احلامي ، او على الاقل واحد منها ، التحليق ...  الطيران الى السماء بحيث لا سهام تنوشني ولا حراب او على الاقل لن اضطر الى مقاتلة محارب مجنون متعطش لسفك الدماء ، عالمنا هذا قاس جدا ، انت وانا مجرد لقمة سائغة سهلة البلع ..

في ارض البوتي  كنت اقايض جلود الحيوانات بالذهب ..

_ جلود ، جلود ..... جلود ذئاب ودببة وابن عرس وبنات آوى ، جلود جلود ..

تجارة مربحة وسهلة ، خذ الجلد واعطني ذهبا وفضة مقابلها ...

_ جلود للبيع ، جلود ...

توغلت بعيدا في قرى ارض  البوتي  حتى وصلت الى كوخ منعزل ، كوخ مهيب ودافيء تبدو عليه مظاهر القوة والثراء ، كنت متعباً واشعر بالمرض ، قلت محدثاً نفسي ربما اجد من يقبل ان يستظيفني في هذه الليلة ، طرقت الباب طرقات خفيفة وانتظرت للحظات ، لم يستجب احد لطرقي على الباب ، كنت اشعر ان هناك شخص ما ينتظر عند الباب ، كنت اشعر بتنفسه ، طرقت الباب ثانية وقلت ...

_ جلود ، جلود للبيع ...

فراء خرفان ودببة ، فراء بنات آوى فراء ذئاب فراء دببة ، جلود جلود ...

سمعت صوت انثوي من خلف الباب ..

_ من انت ، ماذا تريد ايها التاجر .... عرفني بنفسك ؟

قلت _ انا مخلص باشا افندي  تاجر جلود ....

_ ماذا تريد مقابل جلودك ؟

_ ذهب ، ذهب يا سيدتي ... عندي جلود من كل الاشكال والانواع ، جلود للتدفئة جلود للتنظيف والجلف والغسل ، جلود لكل الاغراض ...

قالت المرأة من خلف الباب _ اذهب ايها التاجر الى حال سبيلك ، لا استطيع ان اشتري منك شيئاً ، زوجي  محفوظ  افندي ذهب ليجلب حصته من التبغ ، محفوظ يحب الدخان ، دخانه في كل مكان حتى اصبح شعري بلون الدخان ، لكن هذا لا يهم ، انا ادخن ايضاً ، احب التبغ ، زوجي سيأتي بعد يومين ..

قلت _ انظري الى جلودي يا سيدتي اولا ثم قرري ، جلودي جلود !

_ حسنا ايها السيد ، انتظر ...

طال انتظاري طويلا حتى فكرت ان اغادر وابيع بضاعتي في قرية اخرى ..

فتح الباب على مهل واطلت سيدة ممتلئة الجسد ،تلبس ملابس النوم السوداء ،  صدر ابيض هائل الحجم يصلح كوسادة ، يصلح كغطاء في الليالي الباردة ، بطن واسعة سمينة تزينها سرة كأنها ( عكة ) دهن وارداف متينة وثقيلة تصلح للبسط والضرب حتى الصباح ...

حاولت ان اكون مهذبا ، كعادة التجار الجوالين ، اخرجت لها من حقيبتي قطعة من جلود الدببة المدبوغة بطريقة بارعة ، فرشت الجلد المثير امامها وقلت ..

_ لو كان بيدي يا سيدتي لما قايضت هذه القطعة بخمسة قطع ذهبية ..

تبسمت المرأة وبانت اسنانها الجميلة وقالت ..

_ كم تطلب ؟

_ اربع قطع يا سيدتي ..

انحت المرأة على القطعة تقلبها باصابعها السمينة ..

يا الهة الشحم واللحم ؟ يا الهة الدهن والسمن والزيت ، 

انحنت عليها  فبرزت اثدائها الضخمة والصلبة ..

توتو  ساعديني يا الهتي ، يا شفيعتي ..

اصغي الى صخب ما تحت لباسي 

اصغي الى صغيري المعذب 

انصتي الى هيجانه ...

قالت توتو ، وصلني صوتها ضعيفا ..

لا تنظر الى مالا تطوله ذراعك 

تنظره بعينك وينيكه غيرك ..

_ توتو ، ساعديني يا شفيعتي ؟

قالت المرأة واثدائها ترتج كما السمك في شبكة الصياد ..

_ هذا كثير ، كثير جداً ، محفوظ افندي سيقتلني اذا دفعت لك كل ذلك الذهب ..

تنازل قليلا ، اعجبني الفراء حقا سأدفع لك قطعة ذهبية واحدة...

سأقول لك شيئاً ، عن تجربة ومران ، عن رؤية عين ، اذا حدث وواجهت مثل ذلك الموقف ، لا تدخر جهدا ولا تضع العيب والحياء ستارا امام وجهك الغبي ، والا اصبحت مثلي حارس اثداء ومؤخرات ، من اجل الازواج العفنين من اجل الشرف والفضيلة والكلام الفارغ ..

قلت وانا اكاد اضع انفي الطويل بين اثدائها البيضاء الرجراجة ..

_ من اجلك خذيها دون مقابل ...

_ دون مقابل ؟

قلت والالم يعتصر وجهي ..

_ دون مقابل ..

ضحكت المرأة بطريقة ماكرة وقالت ..

_ سنقبلها منك ايها التاجر ...

اخذت المرأة قطعة الفراء الثمينة وصفقت الباب بوجهي ..

دعني اقول شيئاً ، هذه هي التجارة ربح وخسارة ، والتاجر الشجاع والمغامر قد ينجح احيانا ويحصل على ثروة كبيرة ، لكنه لن يكف عن المقامرة ، يقامر بكل شيء حتى اخر قطعة يملكها ..

كأي تاجر خاسر ، طرقت الباب مرة ثانية ...

قالت المرأة _ من الطارق ؟ هل انت ثانية ، ماذا تريد ؟

قلت افتحي الباب يا سيدتي ، عندي شيء اريد ان اريك اياه ..

فتح الباب بعنف وخرج منه عملاق يحمل بيده سيفا ضخما وباليد الاخرى هراوة ولفافة تبغ كثيرة الدخان عالقة بشفتيه ....

 محارب من النوع الذي حدثتك عنه ، هز هرواته بوجهي وشعرت بسيفه يريد تقطيع اوصالي  ...

قلت وانا ارتجف واقدم له قطعة فراء تعادل ثروة ..

_ استخدمها كشرشف يا سيدي ، دون مقابل ...

تبسم العملاق ونفث الدخان بوجهي ثم اخذ مني القطعة الثمينة وصفق الباب بوجهي بشدة حتى كاد يخلعه ..

هكذا عليك ان تتصرف حينما تلتقي بواحد من اولئك المحاربين الشرسين والا اصبحت عبرة لمن اعتبر ولو كتبت حكايتك على آماق البصر لما اتعض احد ولا صلى على جسدك عابر ...

بعد فئة المحاربين ، يأتي  الصياد  ، لكنه لا يقل عنهم اهمية ، فهو مقاتل من طراز فريد ، لا يشتبك مع اعدائه وجها لوجه ولا ينتظر ردة فعلهم ، بل يبادر لنصب فخاخه واختيار لحظة الهجوم على الهدف ، اهدافه كثيرة  ، كصيد الدجاج البري والخنازير والبط أو الاعداء الذين يهددون قريته ...

خمبابا من فئة الصيادين الماهرين ، دروعه الجلدية المتينة وفخاخه وخطافاته ، وحقائبه الست ، التي تحوي طرائف البلدان و مالذ وطاب ، فيها ذخيرة وعتاد ، فيها فراريج مشوية يغري بها السباع ويروضها ، فيها ماء ازرق ، ماء اخضر واحمر واصفر ، فيها خرز ملون وتيجان ملوك قهرهم ، وتمائم وتعاويذ ، وفيها ايضاً ، ذهب كثير .... ( لاشيء يطرب خمبابا اكثر من رنين الذهب ) .

بعد فئة الصيادين ، يأتي  السحرة او الحكماء ، علماء الاعشاب والسموم ومزج اللعنات ، فئة من الناس لا انصح احدا بمرافقتهم ، فهم شياطين بثياب الانس ، لا يلبسون دروعاً ولا يتقلدون سيوفاً ، بل يكتفون بثوب حريري طويل وعمامة وعصا سحرية فتاكة .

ولكوننا في زمن لا بطولة فيه ، فان مجرد تذكر الساحر العجيب برهم  يبعث الغبطة بالنفس ، فهو مهندس معماري اكثر منه ساحراً ، بقدراته العجيبة طرد اسراب البعوض من القرية وجعلننا ننام قريري العين ونحن نحدق بالسماء ، وببركاته بنى لنا القلعة الحصينة التي نفاخر بها الامم وجعلها عصية على الاختراق ، وبجهوده اكتشف لنا فوائد الاعشاب والاستفادة من عصائرها ، وفي اوقات فراغه ، يمشي على الماء او يطير في السماء ، غبطة ما بعدها غبطة لمجرد كوني عاصرت الساحر  برهم  ..

قال البعير حاتم _ هل تعلمت من الساحر شيئاً ؟

قلت _ بالطبع ، تعلمت منه اليوغا والشاكرا والنيرفانا والماتشو ..

قال  الكوكو   جواد _ يا ابن اليهودية ؟ 

آخر التراتبية يأتي  المدربون  ، وهم الاهل والجيران ، الذين يعدون كل اولئك المقاتلين لمواجهة الحياة وحماية القرية من الاعداء المتربصين بها .

لحسن حظ خمبابا لم يضطر للتنقل من مدرب لاخر بل اكتفى بمدربته  السندان الحديدي  التي ساعدته على ان يصبح صياداً ويحصل على وظيفة ممتازة ، كحارس دائم في غابة الآرز ....








                                       ***** 







بلاد البهبان أو الارض المبتلة ، أرض كثيرة  المستنقعات  ، يحكمها مجموعة من الضفادع الاثرياء ، مهنتهم الغوص في البحيرات واخراج ما فيها من لقى وكنوز وبيعها في الاسواق ، تجار لقى وتحف طريفة لا تخطر على بال ، منهم يمكنك شراء ، سيف البطل الاسطوري  نون  بخمسمئة قطعة ذهبية ، وتشتري حصان همايون بتسعمائة قطعة وقطعة ، وعندما تريد شراء  الكوكو تحتاج الى اربعة الاف قطعة ذهبية ،اما اذا اردت شراء  لوسي  فهذا يكلفك كل ما تملك  بينما المكسب قليل والحصول على الاصفر الرنان ليس بالامر اليسير .

كما حدث معي ذات يوم حينما اردت شراء طائر  الكوكو  ، حلمي الوحيد والاخير في هذا العالم الزائل ، عملت في شتى المهن وارذلها من اجل ان اجمع ثمنه ، عملت عتالا وحارساً وقهوجي وبائع جلود وعطور  وناطورا للخضرة ، ثم عملت سباكا ومصلح اطارات وقاض وبائع نعاج ، وحينما تكدس لدي الذهب ، اشتريت كوكو اسود اللون ، جميل جدا كفارس نبيل ، جناحاه طويلان جدا وقويان ، ومنقارة نحتته الالهة من اجل القتل وتمزيق جثث ضحاياه ، فخذاه قويان ونظراته حارقة ، اشتريته من تاجر صيني انهكته الغربة ويريد العودة لبلده ، حدثني التاجر الصيني عن تنشأته وتعليمه وتدريبه وكم كلفه من المال والوقت ، حتى استطاع ان يجعل منه وسيلة للتنقل من مكان الى اخر بسرعة تعادل خمسة جياد اصيلة ، وذلك يعني اني استطيع الطيران من الزنكرية الى بلاد البهبهان بنصف ساعة دون ان احتاج الى مطار ..

قلت وانا احدق بشغف بالطائر المهيب 

_ كم ثمن هذا الوحش ؟

قال الصيني  وهو ينبش اسنانه  _ ستة الاف قطعة ذهبية ... لن اتنازل عن قطعة واحدة ، نقداً وعداً ،  لا تحاول معي ايها السيد ..

قلت _ سيدي الصيني عملت في شتى المهن ، مسحت الارض والصحون وبدلات الزفاف ، وكل ما جمعته هو مئة قطعة ذهبية ..

وانت تريد ستمئة ..

من اين لي بكل ذلك الذهب ؟

قال الصيني وهو يحك رأسه _ اخر سعر لدي هو خمسمئة قطعة ذهبية ..

اعطني الذهب واعطيك الطائر ؟

قلت _ يا صيني  ياصيني ... 

لولاك لما استمتعنا بخدمات الفرفوري ..

ولما وهبتنا الالهة القوري 

ولما كان منا الاله قدوري ...

......

من اجل شدوي ونذوري ..

بعني الكوكو ، دعني احلق 

دعني اطير ؟

قال الرجل الصيني وقد احمر وجهه الصغير ...

_ لا اقبل الا بثلاثمئة قطعة ...

قلت _ لو كان عندي المبلغ لاعطيتك اياه ...

كل ما املك هو مئة قطعة ذهبية 

وانا اريد ان احلق ان اطير ، بعيدا الى ارض لم تطأها قدم انسان  ...

قال الصيني _ انت تمزح ، هذا الطائر لا يقدر بثمن ، هل تدري كيف حصلت عليه ومن اين اتيت به ؟

قلت _ كلا ايها السيد الصيني لا ادري ...

قال _ حسنا تعال معي الى تلك المقهى لنجلس هناك ونتحدث حتى تعرف قيمة ذلك الطائر الجميل وتقدره حق قدره ..

ربط الطائر على عمود وحدثه باللغة الصينية ، خرجت من فمه الصغير كلمات كأنها العطاس ( تشاو تشوو تشي تتش ) ..

هز الطائر رأسه بالايجاب 

ذهبت مع الرجل القصير وجلسنا في المقهى قلت ..

_ انا كما تعرف لا اجيد اللغة الصينية ، انا اتحدث السومرية والاكدية والبابلية كيف لي ان اتفاهم مع طائر صيني ؟

_ لا يهم  لا يهم ، انه ذكي جداً ، يتعلم بسرعة ...

جاء نادل المقهى  ذو الاربعة والاربعين رجل ، يحمل اربعين صنفاً من المشروبات وقال بوجه متجهم _ ماذا يرغب السيدان ؟ لدينا كل شيء تقريبا ، شراب الليمون وعصير برتقال واناناس وتين مجفف مع المكسرات ، لدينا عصير الحراشف والدود مع الملح والمعجون ، لدينا عصير حشائش ..

قاطعه الصيني _ اجلب لي عصير حشائش ، اريد ان انسطل ..

_ حاضر يا سيدي ...

بواحدة من ارجله الاربعين وضع قدح العصير امامه وقال ..

_ انسطل على راحتك يا سيدي ..

التفت الي وقال ماذا عنك ايها السيد ؟

قلت _ هل عندك عصير ( العرق ) ؟

_ بالطبع يا سيدي ، هل تريده سادة ام مع الثلج ؟

_ مع الثلج ..

وضع القدح والربعية امامي وذهب وهو يهز ذيله الشوكي الضخم ..

قال الصيني وهو يدفع قدح العصير الى جوفه ..

_ اسمع ايها الصديق السومري الطيب ، صحيح اني صيني ، وجهي مدور كصحن الفرفوري لكني عشت طويلا في بلدك وعرفت طبيعة حياتكم وثقافتكم وعاداتكم وتقاليدكم حتى اصبحت واحد منكم ، ولولا ظروفي القاهرة لما غادرت سومر الى الابد ، احب جوها وشمسها وغبارها ، احب نخيلها ورطبها ..

هز الرجل الصيني  رأسه بأسى وقال ..

كم تملك من الذهب ؟

_ مئة قطعة ..

_ مثل ذلك الطائر لا يمكن الحصول عليه بسهولة ، لانه يعيش في سفوح الجبال الوعرة ، ولا يمكنك تدريبه حتى لو حصلت عليه وهو فرخ صغير ، دعني اخبرك سراً ، تنحنح التاجر الصيني واكمل ، كنت في يوم من الايام اسير بين جبال شنغهاي  ابحث عن رزقي في الوديان ، فجأة لاحت لي قبة بيضاء ضخمة مصقولة ، في البداية ظننت انها نزل او كوخ مهجور ، درت حولها ابحث عن باب او شباك او منفذ ، فلم اجد درت حولها مرات عديدة ، نقرتها باصابعي ، شعرت بكائن يتنفس بداخلها كائن بطور الكينونة يحتاج الى الدفء والحنان ، تسورتها وصعدت الى قمتها وفرشت عليها ردائي لثلاثة اسابيع حتى فقست وخرج منها ذلك الطائر العظيم ، انت لا تدري مقدار سروري وغبطتي حينما بدأ الفرخ يلاحقني في كل مكان ويتعلم مني دروب الحياة ، غبطة ما بعدها غبطة وسرور لا مثيل له ، ذلك الطائر الضخم كالجبل والقوي كالسيل الهادر هو فرخي  خرج من تحت ردائي ..

قلت _ يا اخ الصين ، اعدك بأني سأعامله كواحد من فراخي ..

_ نعم ، نعم ، عامله كواحد من عائلتك وهو بالمقابل سينقلك الى اي مكان تريد ، 

اعطني الذهب وخذ الطائر ...

ناولته الذهب واخذت الطائر ...

يا للطائر الجميل والقوي والمتوحش والعنيد ، حاولت مرات عديدة امتطائه لكنه كان يقذفني بعيدا بحركة من جناحه ، او رفسة من مخالبه العظيمة ، حاولت حتى اثخنتني الجراح والتاجر الصيني ينظر الي ويضحك ..

قاللن تستطيع امتطائه مالم تروضه وتجعل منه صديقا لك ..

نظر الي الكوكو وهز رأسه ..

اشتريت الكثير من اللحوم ، واخذت الطائر الى خارج المدينة واخذت بتدريبه لشهور عدة حتى استطعت امتطائه والطيران ، لا استطيع ان اصف شعوري وانا ارتفع شيئا فشيئا حتى وصلت الى عنان السماء ، ثم تجرأت على النظر الى الاسفل ، اخذت الاشياء تصغر ثم تختفي والارض اصبحت صغيرة مدورة ، حينها تأكدت ان نظرية بطليموس صحيحة ...

اخذني الطائر الى مدن اخرى وبلدان اخرى حتى اصابه الاجهاد فنزل في قرية صحراوية يسكنها اقوام طوال القامة ونحيفين كالمسامير السوداء ، يعيشون على صيد الجراد واكل الضب ..

نظروا الى قامتي القصيرة وتفحصوا اعضائي ثم اتجهوا الى الكوكو العملاق واخذوا يمسدون ريشه ويتحسسون مخالبه العظيمة ..

قالوا _ من انت ، وما هذا المخلوق العظيم ... 

يا لعظمة مخالبه وجناحيه وريشه 

يا لضخامة فخذية ويا لنظراته القاتلة ؟

يا لرشاقته وقوته ..

قلت _ الالهة ننسو حبته بالقوة والرهبة 

وحباه شمش المعظم بقوة العظام 

بضربة من جناحية يبلغ الشمس 

وبنظرة من عينيه يجعل الوحوش 

عاجزة عن الطيران ..

انه كوكو العظيم 

صنيعة ماو وتاو الجباران 

اما عني ..

انا ابن الجدة الحكيمة كيس الطحين 

التي علمتني فنون الحكمة والزراعة والتجارة والصناعة

وفك الحرف ..

والكتابة على الطين ..

قال القوم _ مرحبا بك على ارضنا ..

مرحبا بابن الحكيمة كيس الطحين ..

تقدم مني اطولهم قامة وقال _ اثناء دوراني وترحالي بالارض سمعت الكثير عن حكمة العرافة  كيس الطحين...

قل يا ابن العم ، اشرح لي بعض من حكمتها ...

قلت _ حكمة جدتي ، في العمل ، في الزراعة ، في حراثة الارض وبذارها واخراج خيراتها ، من بقول وخياروبطاطس وطماطم  وخس وحنطة وشعير ...

قال _ حنطة وشعير .. ما الحنطة ما الشعير ؟

نحو بدو لا نعرف الزراعة ولا الحصاد ..

علمنا ما هي الزراعة ؟

جلست عند البدو حولا كاملا اعلمهم كيف يحرثون الارض ويستخرجون منها الحنطة والشعير ، ثم علمتهم كيف يطحنون البذور ويصنعون منها طحين يخبزونه ويأكلونه .. اثناء تواجدي الطويل معهم والدخول الى خيامهم وشرب قهوتهم وسماع احاديثم ، عرفت منهم ان هناك عالم اخر يختفي خلف حجب الشعر و ( البسط ) هناك نساء ..

يا للمفردة الساحرة ، نساء  عالم ملفع بالثياب والحجب ... كنت اراهن من بعيد وهن يرعين الجمال في الصحراء او يجلبن الحطب من البراري ، نساء سوداوات ك ( المحاريث ) المحروقة ، طويلات وقويات دبغت جلودهن الشمس ، واحدتهن طويلة لا اكاد اصل الى صدرها ، يخرجن يرعين الجمال من الصباح الى المساء ، يعودن وهن يحملن الحطب كسرب من الغرانيق واحدة اثر الاخرى ، وهن يستعرضن قوة شكيمتهن تحت جبال الحطب فوق رؤوسهن ..

في واحد من الايام تسللت خلسة من كوخ القصب المنعزل ومن اعمال البذار والقمح الفاسد وكمنت لهن في عريشة ( عاقول ) ....

مر سرب الغرانيق وهن يحملن اكوام الحطب متجهات الى خيامهن ، انتظرت الى ان مر السرب الاسود ، وتجاوزني ببضع خطوات خاطبت آخرهن ..

همست _ انت ، انت ، انصتي لي ، تعالي ؟

التفتت الفتاة ، كانت طويلة العنق كالغرنوق شفاهها ممتلئة لونها اسود  كليلة بلا قمر وقطرات العرق تسيل على خديها الضامرين ، وتنزل على عنقها ..

قلت _ بسبس انتظري ؟

 توقفت الفتاة ثم جلست على الارض وهي تحاول اخراج ( سلاية ) اصابت قدمها ...

اخبرت الفتيات انها  ستتأخر قليلا الى حين اخراج الشوكة من قدمها ..

خرجت من مكمني وزحفت على بطني حتى وصلت قربها ، شممت رائحة عرقها ، رائحة حطب ولبن رائب وبعرور ...

قلت _ دعيني اساعدك ؟

قالت وهي تمسد قدمها _ انها لا شيء ، مجرد شوكة سأخرجها بمعرفتي ...

_ لا عليك سأساعدك ، دعيني اساعدك ؟

امسكت قدمها ورفعت قطع القماش التي تغلفها ، قدم امرأة ، قدم خشنة ومليئة بالشقوق  ، لكنها تبقى قدم انثى ، مسدت القدم الكبيرة والخشنة ابحث عن الشوكة ...

قالت بلطف ممزوج برقة متناهية لا تتناسب مع ذلك الجسد القوي ..

_ ماذا تفعل يا مخلص باشا افندي ؟

قلت _ هل تعرفينني ؟

_ نحن نعرفك منذ اول يوم حللت بارضنا ..

وجدت اثر الشوكة الشريرة فحاولت ان اخرجها باظافري ، لكن ذلك لم ينفع لم استطع اخرجها ، فرفعت قدم الفتاة الى فمي وانشبت اسناني بموضع الالم واخرجت الشوكة ، مذاق مالح ممزوج بالدم ، اغمضت الفتاة عينيها واصابتها اغماءة طفيفة ، استسلمت لحنكة اصابعي على ساقيها القويتين ، نامت وكأنها لم تنم منذ سنوات ، تمددت على ظهرها فأرتشفت شفتيها وتذوقت طعمهما الممزوج  باللبن الرائب والدخان والرعي ، دفنت رأسي بين ثدييها ورضعتهما كأني لم اذق حليب امي ، الفتاة لم تصدر تنهيدة او تأتي بحركة ، استسلمت كالالهة لنذوري وعطاياي ، رفعت ساقيها الى كتفي ودخلت بها دون صرخة او نأمة ...

قلت وانا الهث بين ثدييها الصلبين _ ما اسمك ؟

قالت _ عياشة ، عياشة ......

  هل سمعت باسمي ؟

 انت مخلص باشا ، يا باشا ...

 من انا ؟

 مخلص ؟

قال البدو وهم يرون البذور تنمو كالازهار البرية بحقولهم  ومراعيهم ...

  _ باركتك الهة الصحراء 

باركك قيق وبيق ..

ومن لا يستفيقك ...

علمنا المزيد وسنمحك جملا لا مثيل له 

حتى الالهة لا تملك مثله 

سنعطيك الجمل ( حاتم ) الذي لا مثيل له في الصبر والجلد..

وتحمل المشاق ..

نظرت الى الجمل العظيم حاتم  وهو يقف كالجبل الابيض ، اعجبني جدا ، اعجبني مظهره الفخم  ووبره وجلده الخشن ..  

 قلت سأعلملكم صناعة الحلوى ، والكيك والكليجة والبحت وحلاوة الليل ...

قال اطولهم  _ اخوتي لا يحبون الحلاة ، لا اسنان لديهم علمنا شياً آخر ..

قلت _ هل تحبون العدس ؟

قالوا _ ما العدس ؟  ما العدس ... ؟

قلت _ العدس سلوة الجوعان 

مراد المفطوم والسهران والمصاب بالارق ...

ملعقتان منه تملاً البطون ، وتنيم الجوعان ..

فاكهة الشتاء وطعام الالهة ..

قال القوم _ علمنا .. علمنا ..

حماك قيق وبيق 

وابا البدو المقاميق ..

طبخت لهم قدرا هائلا من العدس الاحمر ، اضفت له المعجون والطماطم والبصل والكاري ، ثم كللته بلحوم الضباء والعجول والجراد وقلت ..

_ كلوا يا مقاميق ...

كلوا العدس الاحمر باللحم والعظام 

واشكروا الجدة كيس الطحين ..

انشغل البدو الطوال با اكل العدس ، اما انا حملت البعير الهائل على ظهر الطائر وطرت ابحث عن مكان آخر ، لكن لم استطع الحديث مع احد عن عياشة ، عن رائحة العشب المحترق واللبن الرائب والغرانيق المبكرة ..









***




  الطريق الى الارض المبتلة طويل وخطر جداً ، ينتشر على قارعته عدد كبير من عصابات الزن  ، وهم اقوام بدائية يعيشون على قطع الطريق وتسليب المسافرين ، واحدهم يزن عشرة اقزام ، لهم حوافر الخنازير ورؤوس الثيران ، ويلبسون حلي من خرز رخيص ويرتدون دروعاً تخطف البصر من شدة لمعانها ، كما ان هناك غيلان وتماسيح وعناكب هائلة الحجم بامكانها ابتلاع قزم كخمبابا ، وايضاً هناك فيلة وديناصورات ومشعبذون ينثرون لعناتهم كما الحلوى ...

في ذلك الوقت كان خمبابا فتياً شديد البأس ، رشيقاً وقوياً ، يمرق كالسهم من بين المخالب وضربات السيوف ولعنات السحرة ، ترافقه نمرته خارقة الجمال والقوة ، البيضاء كالفضة ، القاتلة الفاتنة لوسي التي لم يفلت من مخالبها ، ذئب او وحش او انسان ، لوسي  فنانة القتل بدم بارد ..

تخلص بسهولة من اقوام الزن مرق من بين خيامهم ونقاط حراستهم كالشبح حتى وصل الى البوابة العظيمة التي تفصل ما بين قريته الصغيرة وبلاد البهبهان ..

كان عليه ان يعبر بوابة ( يا قلبي ) حتى يدخل ارض الهبهان ، كانت البوابة بحراسه ثلاثة اشقياء اضخمهم وحش اصلع محني الظهر ، مفتول العضل ، يحمل سيفين وقوساً وسهاماً ، يسمونه بطين افندي ،  يقف الى جانبه هيكل عظمي يدعى عكعوك يضحك طيلة الوقت دون سبب  ويحمل سيفاً مرعباً ، وثالثهم  سيما  الشاطر ، فأر من فصيلة نادرة في طريقها للانقراض ، بسبب الحروب والقتل العشوائي ، سيما المتمرد الابدي الذي لا يعرف سبباً لتمرده وسلبيته التي لا تقهر .

قال الاصلع الضخم بطين افندي مخاطباً خمبابا .

_ الى اين الاخ متوجه ؟ كل الطرق مسدودة  والملك البهبان لا يقبل متطفلين على مملكته الرخية ومواطنيه المتخومين ...

قال خمبابا _ ياسيدي الاصلع الضخم ، انا صياد ماهر ، اصطاد الثعالب والصقور واروض التماسيح والخنازير والدببة ، عندي سهام وفؤوس ولحم مجفف ، عندي بيت في اقصى الزنكرية يسمونه ( بيت القوة ) ، تسكن فيه  كروم وهادلي وانيسة زوجاتي الحبيبات ، وعندي فخاخي وذراعاي القويتنان ومكري ، وقصدي الدخول الى ارضكم من اجل العمل والالتقاء بعمي  طويل.

قال سيما _ ها ها .... القزم الخبيث بدأ يتبجح ....

من عمك طويل هناك الكثار من طوال القامة في عالمنا هذا .

هناك طويل افندي وطويل باشا وطويل كما ينبغي ..

من منهم عمك ؟

قال خمبابا _ عمي طويل حكيم مشهور يعمل في قصر البهبهان كمستشار للملك وحكيم وطبيب وساحر ، الكل في بلاد البهبان يعرف العم طويل ...اشهر من نار على علم .. 

قال سيما _ القزم يريد افهامنا انه من الطبقة البرجوازية  عمه مستشار الملك  وعنده قصر كبير وثلاث زوجات وجاه وسلطان .. من اين اتيت بكل هذا ؟ يا للبرجوازي القذر ، مصاص دماء الكسبة والعمال ، تسقط البرجوازية الرثة ، البرجوازية العاطلة عن خدمة المجتمع والتضحية من اجله ، تسقط ، تسقط ...

اجاب الرفاق الثلاثة _ تسقط .... تسقط ..

قال الاصلع الضخم _ عنده قصر وجواري ؟

قال عكعوك  _ عنده نساء وطعام وفير وهو سمين ايضا ..

قال سيما _ يجب ان تدفع الضريبة ؟

قال خمبابا _ اية ضريبة ؟

_ ضريبة الدخول يا مغفل ؟

قال خمبابا _ انا صياد لا اخذ من احد ولا ادفع  لاحد ..

قال الاصلع الضخم _ ها ها .. ادفع او ارجع من حيث اتيت ..

قال عكعوك _ ادفع ايها القذر ، الجيفة ، الراسمالي الامبريالي المنحط ..

ثم امتشق سيفه الرهيب واشهره بوجه خمبابا .

قال خمبابا _ اخرس يا عكعوك ،

يا بياع الصنوف  ...

سنرد كيدك الى نحرك 

ونضع خاتمة لعمرك ..

اخرس يا سيما 

يا ثوريا دون ان يطلق رصاصة 

يا معارضا دون ان ينتمي لحزب ..

قال سيما وقد انتفخ وجهه الفاري الصغير ...

_ ماذا تقصد ؟  انا  ، انا شيوعي ..

ثم اسبل ذراعيه .. شيوعي  اقصد صديق الشيوعيين ، أنا مثلهم قرأت روايات مكسيم غوركي وتولستوي  وراوية .. امسك رأسه كمن يتذكر  الفولاذ سقيناه !

يا للشعر يا لفداحة اللغة ... انا شاعر بطبعي وشيوعي بفعلي ، لكن والله سأقتل الرفيق ستالين لكونه قتل الرفيق تروتسكي  ، واصفق لخروشيف لكونه نزع قندرته في قاعة الامم المتحدة وضرب بها المنصة ،   اما عن كتاب راس المال ، الكتاب الاحمر الضخم  رأس المال . كتاب صعب . صعب جداً ، اتذكر ان الرفيق سمسم افندي  تفرغ لدراسته لمدة اربع سنوات ، وحينما انتهت السنوات الاربع ، خرج سمسم افندي وشعره منكوش وملابسه رثة ، يقبض على سندويتشة من الخضار ويصرخ ..

_ كلش صعب ...

لا استطيع  لا اقدر ..

استدار سيما حول نفسه بحركة مسرحية ، حتى وضع انفه بانف خمبابا وقال ...

ادفع أو اهرب او سجل اسمك كصديق للشيوعيين ... من اجل الوطن والناس الفقراء ، من اجل المعامل والمطارق والبراغي .

قال عكعوك _ سجل اسمك يا برغي ؟

قال الاصلع الضخم _ ادفع ثم اعبر ...

قال عكعوك وهو يهز سيفه الشرير _ ادفع ،ادفع ، او انتمي الى الحزب ؟

قال سيما _ كما فهمت يا سيد .. نحن حزب اممي ، حزب عقائدي نحاول توفير الطعام والسكن والعيش الكريم لكل البشرية .. نأخذ اتاوة من الاغنياء ونعطيها للفقراء .. وهذه اسمى اشكال الاشتراكية ..

صرخ عكوك _ من اجل البشرية جمعاء ، ادفع الضريبة ، من اجل الفقراء والمساكين ، من اجل من لايجدون عملا ،  من اجل من لا يحصلون على خبز ، رأسك العزيز او الضريبة ؟

قال خمبابا _ انا صياد  لا ادفع لاحد ولا آخذ من احد ...

قال عكعوك _ هكذا اذن ... انت لا تريد ان تساهم ببناء الاشتراكية ...

سأهاجمه ، سأقتله ؟

قال بطين افندي _ اهجم عليه قطع جسده البرجوازي القذر ، وزعه على الفقراء والايتام ؟

قال سيما _ لن يخسر العالم كثيرا بموت واحد من البرجوازية القذرين ...

_ سأهجم ، سأقطع جسده العفن ...

هجم عكوك  ناحية خمبابا يريد تقطيع جسده ..

لكز خمبابا خصر نمرته لوسي  ، فانقضت عليه كالقدر المحتوم ، قفزت فوق ظهره وامسكت رقبته بقوة وجثت بكل ثقلها عليه ...

صرخ سيما مبتهجا من سرعة وانقضاض النمرة  على عكعوك .

_ يا للرشاقة والجمال  كيف فعلت هذا ؟ لو انها انضمت لحزبنا ؟ لو انها اصبحت واحدا منا ، لما تجرأ رأسمالي قذر على مجابهتنا ؟ 

توجه ناحيتها واكمل _ بسبس ، بسبس ، انا معجب جدا بقدراتك ، معجب جدا بمهاراتك ، تعالي ،تعالي ..

زأرت لوسي وعضت بعنف على رقبة عكعوك ..

صرخ عكعوك _ آه  آه

قال الاصلع الضخم _ ستأكله .. ستأكل عكعوك ..

قال سيما مخاطبا النمرة الوحشية _ بمبادئنا الاخ لا يأكل اخاه ، نحن جميعا نعمل من اجل ان نبني وطن حر وشعب سعيد ، اذا اكلتيه لن تكوني سعيدة ، فعل القتل فعل وحشي بربري لا انساني ... اتركي الرفيق عكعوك لحاله ، اطلقي سراحه ؟

هزت لوسي  رأسها بالنفي ..

قال بطين افندي _ ساقتلها سأهجم عليها الان ؟ هجوم ، هجوم ..

هجم  عليها ،اشهر سيفه الرهيب بوجهها ،  انتظرته لوسي  بصبر وحش اعتاد على النظر في الظلمة ، وحينما اقترب منها زأرت بوجهه بوحشية وابرزت مخالبها الحادة التي تريد تمزيق جسده ، تراجع بطين افندي من اجل التشاور مع سيما ..

قال _ ستأكل عكعوك ، ماذا نفعل الان ؟

قال سيما _ لا نستطيع فعل شيء ، انها متوحشة ، ستأكله عن بكرة ابيه ولن تبقي منه شيء للطبقة العاملة ..

اخذ الهيكل العظمي عكعوك يئن من شدة ضغط اسنانها على رقبته  .

قال الرجل الضخم الاصلع مخاطباً لوسي  _ بسبس بسبس ، لا تقطعي رقبته ؟ 

قال سيما _ لا تقطعي  ارجوك ، انه مجرد هيكل عظمي لا يشعر بالالم ، مذاقه تافه ، لا ينفع ولا يدفع   عكعوك لا يتألم ...

ارتفع انين ( عكعوك ) وشخيره ...

قال الرجل الاصلع _ عكعوك يئن !

قال سيما _ مستحيل ...

_ انصت .......

قال عكعوك بصوت مرتجف _ آه آه انقذوني ....

تقدم خمبابا ناحية نمرته وقدم لها قطعة لحم ضخمه ، فافلتت  عكعوك  من بين اسنانها ، لكنها اسقطته تحت مخالبها وامسكت برقبته ثانية ...

قال خمبابا _ عذراً ،عذراً ايها السادة ... لوسي  قطة حرة ، نشأت على مائدة ارضية تحوي لحوم كل الاصناف ، فهي ذواقة من الصنف الاول ، تحب البهارات والكاري وتحب العظام ايضاً .

قال الرجل الاصلع _ بسبس ، بسبس ، اتركي الرجل لحاله وسأعطيك عظمة ضخمة وتفاحة تنظفين بها اسنانك قبل النوم ..

قالت لوسي  _ واو ......

قال سيما بطريقة راقصة _ لا تقطعي  لا تقطعي ارجوك ...

                                  سنعطيك عظمة  وتفاحة 

                                 من اجل عكعوك 

                                سنعطيك طير يصيح

                                عاش المليك ....

                                لا تضغطي ... لا تضغطي  ارجوك ..

قال خمبابا _ نمرتي لا تحب العظام ، تحب اللحم  ، ربما ستقبل بالطائر الذي يصيح ( عاش المليك ) ...

قال عكعوك _ خلصوني ... خلصوني ...

قال بطين افندي _ افعل شيئاً ، تصرف ؟

غاب سيما لدقائق وعاد يحمل ببغاء ازرق اللون طويل الذنب واعطاه لخمبابا ، حينها اطلقت النمرة  عكعوك ونظرت بحدة ناحية البغبغان .

هرول عكعوك ناحية رفاقه واحتضنهم وهو يضحك .

_ ما اثمن الهواء يا  رفاق ...

قال البغبغان وهو يهز رأسه بأسى _ ستاكلني حتما هذه القطة المتوحشة ...  يا للنهاية التراجيدية يا لنهايتي المبكرة وموتي المبكر غدراً على يد من اعتبرهم اخوتي ، صلوع وعكعوك وسيما الشيوعي باعوني بثمن بخس ، من اجل عكعوك ، وهل عكعوك يساوي شيئاً بميزان الرجال ....

 مرة  امسكه راعي الخراف وهو يسرق كبشاً ، هل تدرون ماذا حصل ؟

_ كلا لا ندري ...

_ عملها على نفسه ..

_ ماذا عمل ؟

_ بال على لروحه

 افلت الببغاء من يد خمبابا واخذ يتجول بينهم بحذر .. 

ثم اكمل _ كيف لي ان اموت بهذه الطريقة البشعة ... 

قال عكعوك وهو يضحك _ اية طريقة ... تقصد الخنق ؟

قال سيما _ ليس الخنق يا غبي . البلع  ستبلعه عن بكرة ابيه  فش  طار ..

قال الببغاء _ كلاهما واحد بالنسبة لي  ستأكلني ولن اجد من يترحم علي .

قال الاصلع _ سنقيم الفاتحة على روحك ..

                       قال سيماسنبني لك قبة وضريح  

                                      وسنسج حولك حكاية 

                                      الحكاية تقول ...

                                     كان يا ما كان ... قمر الزمان .. سيدي ابو الحملات 

                                     بغبغان افندي ، صاحب الكرامات الخارقة  

                                    والمعجزات الباهرة ، وحيد عصره وفريد دهره

                              عالم المؤلفات الخطرة  والكتب النادرة ..

قال الببغاء بزهو _ مجد لا انكره ، لكني اريد ان اعيش واربي اطفالي واعلمهم المنطق وعلوم الكلام وسرد القصص ..

اولادي الصغار ، ببغاء خلوق ببغاء علوف ببغاء فيلسوف ..

فتح سيما ذراعيه وقال _ هذا ماتطمح اليه الاشتراكية بمعناها العام ..

عائلة سعيدة وطعام على المنضدة ..

الطعام للجميع ... الطعام للجميع ...

قال الاصلع _ خمس وجبات في اليوم للجميع ..

قال عكعوك _ حلويات بقلاوة وزلابية وقطايف وكيك وايس كريم ..

_ ثياب تصلح لكل الفصول ..

_ ابقار تلد التوائم وجمال بسنامين من اجل راحة العمال وسهولة تنقلهم ..

_ غرف للعزاب واكواخ عصرية للمتزوجين ..

قال خمبابا _ نمرتي سوف لن تأكل بغبغان ، من اجل الاشتراكية ، من اجل مبادئكم العظيمة ، بل ستعتبره صديقا ، وكذلك سأعتبره صديق ايضاً ، انا احب الاشخاص الاذكياء ...

قال بغبغان _ سيدي القزم ...

اعتبر نفسك حليفي ...

صديقي الذي ينش الذباب عني ..

ويقصع قملي ..

السيف الذي يقطع السنة المتقولين وشذاذ الافاق ..

الدرع الذي يصد عني غوائل الزمن ..

قال عكعوك _ الصديق الذي يجلب اللحم ..

والعظام ...

من حر الطيور وفرائدها ..

من الوحوش ..

والثعالب والنمور ..

من الاسود والجمال والخرفان ..

لحوم ترمم العظام ..

قال الاصلع _ دعه يدخل ...

دع الصياد خمبابا يدخل ...

قال سيما _ ادخل يا خمبابا ..

يا قاهر الابطال 

يا من زئيره 

يجعل الحامل تطرح وليدها ..

والعذراء تفقد بكارتها ..

يا من زئيره الموت الزؤام ..

اجعلني صديقك وحامي ظهرك وكاتم سرك
اجعل مني ساعدك ..

قال الببغاء _ خمبابا يا خمبابا ..

دعني اكون لسانك ، واتحدث نيابة عنك ، فأنت قزم جاهل لا تفك الحرف ولا تبول على الجرح ...

قال خمبابا _ تعالوا يا اصدقاء ..

احتضن الجميع وقبلهم ....

لنصبح احباب واصدقاء 

ببركات ننسو وبنسو وسوسو الجبار

ببركات ابي الرجال ...








                                  ******





            

دخل خمبابا الى ارض البهبان يرافقه الشقي سيما و نمرته  وحصانه  وفيلسوفه بغبغان افندي ، وفخاخه وفؤوسه وحقائبه الست ، وشبابه وشجاعته 

التفتت الانظار اليه ، اخذت الضفادع تنظر اليه  بخوف ممزوج بالاعجاب .

قال _ خمبابا مخاطباً نفسه .

_ ها نحن في ارض البهبهان  ترى ماذا ( سنبهبه ) ؟

قال بغبغان _ سنعمل يارفيقي . سنعمل ونجمع الكثير من الذهب ، بعدها ساتفرغ للدراسة والتأمل واعمال الفكر ، اما انت فانعم بتقاعد جيد ...

كانت المدينة مبنية بالطين الاحمر ، بيوتها تشبه الاكواخ الاسطورية  ، سقوفها مطلية بالذهب والياقوت والمرجان ، حيطانها مبنية من الطابوق ، طابوقة من كيك وطابوقة من لحم وتمن 

وعدس وبهارات  ، ناسها ضفادع سمينة ونحيفة ، ضفادع محاربة ومدافعة ، الوانها ما بين الابيض والاحمر والاصفر والاخضر والازرق ، ليس هناك الكثير من الضفادع الزرق ، قد تصادف واحد او اثنين  خلال تجوالك في المدينة ، انهم نوع نادر من الضفادع ، سلالة غامضة نبع منها البهبهان الاكبر  ثم اولاده الكبار وصولا الى البهبهبان الاعظم ، ملك الملوك ، شيخ الحكمة وعراب المتصوفة ، قاضي القضاة ، سبع الفلاة ، هازم اللذات ومفرق الجماعات ، شبح الضفدع وصفة العقرب ، الممدوح ، الغني ، القواد ....

في وسط المدينة يقع فندق السلوكيين ، وهو فندق بخمسة نجوم يرتاده الضيوف المهمين ومسؤولي الدولة أو كل من يستطيع ان يدفع ، ويدير الفندق كبش عظيم القرنين واسع الاكتاف ، شديد الصرامة ، مع الخدم والطباخين والسفرجية ومع الضيوف ايضاً ، لكنه عادل في معظم الاحيان ، تساعده بادارة الفندق زوجته المعزة  ريحانة  وهي معزة بمنتصف العمر ، صغيرة القرنين رفيعة الشفتين تحاول ابرازهما وتضخيمهما باحمر الشفاه ، تضيق الكلمات وتقسرها بمحاولة ان تبدو جذابة وفي مقتبل العمر قالت ريحانة مخاطبة زوجها ..

_ اسمع يا جبار ، لا تكن طماعا يا حبيبي ، عدد العمال لا يكفي حاول ان توظف اكبر عدد من العمال ، العمال يشكون من كثرة العمل وقلة الدفع ، ادفع لهم يا حبيبي ، ادفع لهم وبالمقابل سيخدمون ضيوفك المهمين ويخدمون الفندق بكل تفاني واخلاص ، رئيس العمال كيمو الشاب البغل الاسمر ذو العضلات المفتولة والصدر الضخم المعروق حدثني هذا الصباح قال لي ان العمال يشكون من قلة الدفع ، قلت له يا كيمو يا بغل لا تكون طماعاً ، عيب عليك عيب هذا الكلام ، زوجي الكبش عبد الجبار عادل جدا وخاصة حينما يتعلق الامر بالدفع  .....

قال الكبش وهو يبتسم بخبث _ أين رأيت البغل ؟

_ في الغرفة التي تطل على الحديقة ، الغرفة الواسعة التي دخلت بها علي في اول ليلة ، يقولون ( لو ضاق صدرك تذكري يوم عرسك ) ...

ضحكت المعزة وحكت مؤخرتها بالجدار ..

قال الكبش _ نعم يا حلوتي ، تذكري يوم عرسك دائماً ، اما انا لا اتذكر شيئاً ..

_ طبعا لا تتذكر لانك عجوز ، عمرك اطول من عمر جدنا اوتونابشتم ...

لوت المعزة فمها وتمتمت ...

_ كيمو سريع ، سريع جداً ، يركب سريعأً ، يدخل سريعاً وينتهي سريعاً ، ليس مثل عبد الجبار ، عبد الجبار بطيء جداً ، كأنه صائغ ذهب يركب معادلة كيمياوية ، ريحانة استلقي على بطنك ، ينظر الى ظهري ومؤخرتي ثم يصلي يستغفر ربه وكأنه سيؤدي عملا شائنا ثم يخرج عضوه الميت المرتخي يمسده ويدهنه بالزيت ، يدهنه بزيت الحيتان ودهون الكركدن ، يدخله بي وهو يصلي عسى ان لا يرتخي ويخذله ، بينما كيمو ، يحمل عمودا محراثاً يحرث به النسل  من كباش وماعز وصخور ونعاج ، محراث يحرث بعيداً في الكهوف والاغوار المظلمة واللذيذة والمتلاطمة .

_ اضرب يا حبيبي ، اضرب بعنف ؟

_ هل يعجبك هذا يا حبيبتي يا ريحانتي ؟

_ وشوش بأذني يا بغلي ، ادخل الى العمق ؟

_ الى العمق ؟

_ عميقا يا حبيبي ادخل باجمعك ادخل بي كلك ..

_ آه  آه ...

_ فجرني ، فجر كهفي ، انشر ظلمتي دعني ارى الفيضان ؟

_ آه  آه ...

زعق الكبش مخاطباً العمال  _ هيا الى العمل ، الى العمل ، نظفوا الابواب والشبابيك والجدران ، غيروا الوسائد والشراشف ، عطروا الغرف طيبوا الستائر .. الليلة ليلة عظيمة ، لم يشهدها فندق السلوكيين من قبل ...

_ هيا الى العمل .. الى التنظيف ؟

تحرك الخدم برتابة ثم اتجهوا الى عملهم وهم ينشدون ..

كل شيء نظيف ومرتب ، كل شيء معطر 

الفرش نظيفة والمنادر مرتبة

النوافذ مفتوحة ، والشمس مرحة

تلعب حول الاسرة ، بين الغرف والخلوات 

والقمر يمسد شعر الاميرات 

يمشط شعر الغانيات والبغايا المقدسات ...

من سعيد الحظ هذه الليلة ؟

من الامير سيد المكان ؟

_ انا ، انا .....

 نبح كلب في الخارج ...

قال الكبش _ اسمع نباح كلاب ؟ اخشى ان يكون الكلب كمبوبو  وعصابته القذرة  اخشى ان يكون كمبوبو العنيف ؟

ادار الكبش رأسه ووضع يده على اذنه ..

_ اسمع نباح كلاب ، استعدوا يا حراس ، تهيأوا يا خدم ويا عمال ويا منظفين ، ربما سيهاجمنا كمبوبو العنيف هذه الليلة ، اجلبوا لي سلاحي ودروعي ، كونوا على حذر، كونوا على استعداد ، يا كيمو يا بغل ، تعال هنا يا بغل ؟

جاء البغل الضخم وهو يحمل بيديه مكنسة وسطلا وقال ...

_ كل شيء نظيف وجاهز ..

قال الكبش بعصبية _ يا كيمو ، ماذا تحمل ؟ مقشة وسطل بينما الكلاب تحاصر الفندق ، هل تريد مقاتلتهم باسلحتك الفتاكة هذه ؟

_ وماذا تريدني ان افعل ؟ انا مجرد رئيس العمال ، انا لم آت الى هنا واشتغل حارسا ومقاتلا ، انا بغل انفع للجر والعر ، لا انفع للقتال ..

_ اسمع يا كيمو ، انا اعرف ما تفعل مع زوجتي المتصابية وكيف تحاول خداعها من اجل تحصل على زيادة في الاجر ..

_ لم افعل شيئاً ، انا اطالب بحقي ..

_ هل حقك مغازلة عجوزي المتصابية ؟

رفع البغل حاجبيه _ ادفع لي ؟

_ لن ادفع لك قرشاً ، انت الذي يجب ان تدفع تأكل طعامي وتنام بفندقي وتنيك عجوزتي ريحانة وتريدني ان ادفع لك ..

امسك الكبش بخناق البغل واخذا يتناطحان ...

في تلك الاثناء ، دخل خمبابا مع سيما والبغبغان الى الفندق بضجة ..

افلت الكبش خناق كيمو وصرخ بوجه الرفاق الثلاثة .. 

_ ما هذا ، ما هذا ... ؟

 ما كل هذه الضجة والصخب والقهقهات والرائحة الزنخة  فندق السلوكيين لا يستظيف صعاليك او بلطجية  فندق السلوكيين لعلية القوم من  ملوك وامراء وقواد وتجار وحرفيين ومحاربين ..

قال الببغاء _ انا لست صعلوكاً ...

 تمشى على السجاد الفاخر يستعرض نفسه ، ثم اكمل..

 _ لو كنت صعلوكا لدخلت فندقك دون ان تدري ، وعشت في احسن غرفك ، واكلت من احسن طعامك ، ثم بلت عليك ، بالطبع دون ان تدري ، وهولاء رفاقي خمبابا الصياد الرهيب والمغامر سيما ..

قال الكبش _ من .. من ؟

قال خمبابا _ سيدي الكبش ابو قرون ، انا خمبابا الرهيب ، لا بد انك سمعت باسمي او رأيت صورتي في مكان ما ... هل سبق و قرأت ملحمة كلكامش ؟

قال الكبش _ لم اسمع ، لم اقرأ ..

هتف سيما _ الموت للبرجوازية القذرة ، الموت للقطاع الخاص ، تعيش الاشتراكية ... تسقط الامبريالية ..

قال البغبغان _ تسقط  تسقط ..

اشهر سيما سهمه وقوسه  بوجه الكبش ...

ضحك الكبش ومسد عثنونه الطويل وقال _ عجبي  عجبي  الفأر اللص ، حرامي التمن والعدس والجبن ، يريد ان يفهمني انه شيوعي ..

صرخ سيما _ نعم انا شيوعي رغما عن انفك ..

قال الببغاء _ نعم انه شيوعي وعنده بطاقة انتماء ... سيما اره بطاقتك ؟

قال الكبش _ اسمعوا ايها السادة المهذبين .. من يريد ان يستأجر غرفة بفندقي ( فندق السلوكيين الهاديء ) عليه ان يدفع قطعة ذهبية للغرفة الواحدة  ويترك سلاحه في دائرة الاستعلامات لا اسلحة بفندقي العظيم ... لا اسلحة ..

اقترب الكبش من سيما ووضع قرنيه الهائلين بوجهه ..

_ لا اسلحة  هل فهمت ؟

قال سيما وهو يتراجع الى الخلف متحاشيا القرنين ..

_ من يحمينا اذا حدث وهجم علينا اللصوص والزعران والهتلية ؟

قال الكبش _ انا ادير هذا الفندق منذ سبعمئة سنة ولم يحدث ان تعرض صعلوك لواحد من زبائني  .. سأبقر بطن من يجروء ؟ بهذين القرنين ابقر بطن كل من يتخطى عتبة الفندق ، هل فهمت يا فأر ؟

هل فهمت يا قزم ؟

ارتفعت  اصوات الكلاب العنيفة في الخارج ..

_ عوعو ، ععووو 

قال خمبابااحترامي ايها الكبش المعمر ... اذا كان ما تقول حقيقة ، احتفظ بسلاحي ، لكني احذرك من اي اخلال بالوعد ، سأطير رقبتك في اقرب فرصة اذا تعرض لي احد ..

قال البغبغان _ سننتقم منك ، انت لا تدري مع من تلعب ؟

قال سيما _ سنقطع قرونك ، يا ابو قرون ؟

 _ عوعو ، ععووو ...

تصاعدت اصوات الكلاب في الخارج وتزاحمهم عند باب الفندق ..

قهقه الكبش بثقة ، ثم اخذ بجمع اسلحتهم ووضعها في خزانة الودائع ..

_ لا تقلقوا  لا تقلقوا .. كل شيء سيكون على مايرام في فندق السلوكيين ..

في تلك الاثناء حدثت ضجة عظيمة وقعقعة سلاح  دخل على اثرها كمبوبو  الكلب العنيف والقاتل ذو الاسنان التي لا تكف عن العض ، مع مجموعة من الكلاب النحيفة والجائعة والمصابة بالجرب ...

انتشروا في كل مكان يشمون كل ما يحيط بهم ...

صرخ الكبش واشهر قرناه ..

_ ما هذا يارب التيوس  يارب الكباش والماعز ..

كلاب سائبة في فندقي ، فندق السلوكيين النظيف ..

صرخت الكلاب بصوت مخيف ..

_ عوو عوو .. عوعو ..

قال كمبوبو العنيف _ عععوووو .. عععووو ..

ثم اخذ يتقافز في المكان ويبول على السجاد والفرش مع عصابته القذرة ..

قال كمبوبو _ يا كلاب يا كلاب .. 

يا ذوي المخالب والاسنان 

دعونا نحتل المكان  نأكل الكبش ابو قرون 

ناكل العمال والطباخين والسفرجية ..

لنأكل الضيوف ...

عووو ... عععوووو ...

تقافزت الكلاب واخذت تهز اذنابها وتنهش بعضها ...

قال كمبوبو _ سنأكلهم جميعا ...

اجابت الكلاب وهي تهر ..

_ لنأكل الكبش اولا ؟

قال كلب وهو يكشف عن اسنان مهشمة _ سنعمل منه شوربة  احب الشوربة ..

اجابت جوقة الكلاب _ شوربة  شوربة ..

قال الكلب _ شوربة عدس ..

اجابت الجوقة _ عدس بالعظام ..

جاء البغل كيمو وهو يضع المقشة على كتفه وقال ببلاهة ..

_ كم عدد الضيوف هذه الليلة ؟

قال كمبوبو _ يا رفاق  يا كلاب ... 

يا ررر فاق .. اهجموا يا جياع ..

تزاحمت الكلاب واحاطت بالكبش الضخم الذي اخذ وضعية الهجوم ..

قال _ ماذا تريد يا كمبوبو ؟

قال كمبوبو _ عشاء وفراش ، لي ولرفاقي الجائعين ؟

صرخ رفاقه _ عشاء ، عشاء ..

تمن ومرق ولحم وعظام ..

عدس وحمص وطماطة

 فراش وفير ، قطن وديباج ومخاديد ملونة ..

قال الكبش ساخرا _ ومكان لتتبرزوا به ، وخدم ليمسحوا مؤخراتكم ، يا اولاد القحبة ، يا اولاد الفاعلة لن يحتل احد فندقي ، فندق السلوكيين العظيم ..

قال كمبوبو بهدوء _ اذن لنتقاتل ، لنرى من الاقوى ؟

صرخ الكبش يا حراس  يا حراس ..

يا خفافيش ويا جنادب ويا صراصير ...

النجدة .. النجدة ...

خرجت من السقوف وشقوق الجدران مئات الخفافيش والحشرات وهي تمسك الات الحرب وهجمت على الكلاب حتى طردتهم خارجاً ..

صرخ كمبوبو وهو يحاول ان يطرد الحشرات ..

_ سأعود يوما يا كبش واعمل من قرونك بوق ..

قال الكبش _ انا بانتظارك يا كمبوبو الصعلوك ..

انا بانتظارك يا وحش يا كلب متشرد ..

التفت الكبش في ارجاء المكان وقال وهو يبتسم بانتصار ...

_ يا عمال ... يا عمال نظفوا المكان ، اغسلوا الفرش والسجاجيد ، الليلة سيحل علينا  ضيف عظيم ، ضيف لا مثيل له في الثروة والقوة والاتباع ..

قال الخدم والسفرجية والاتباع ..

_ من  من هو ؟

قال البغل وهو يتمتم بصوت خفيض _ عمل كثير دون دفع ...

ضحك الكبش وقال _ نظفوا المكان  اصقلوا الجدران ...

ستحصلون على بقشيش كبير  سيعطيكم  فضة وذهب ومتاع كثير ..









                                *****







في بعض الاحيان يحدث ان نلتقي بعجوز فنشهق من المفاجأة ونغمغم ( يا للساحرة الشمطاء الماكرة ، من اين لها القدرة على تحويل الناس الى ضفادع ) ،  كما حدث معي ذات مساء ، الصدفة حملتني لملاقاة رجل طويل القامة بافراط ، يلبس ثوباً طويلا ويشماغ وعقال مائل الى الجانب الابسر ، وذلك يعني انه يبحث عن عشق ، عن امرأة تناسب طوله .

الى جانبه يقف  ديك لم ار بحياتي  مثل عجرفته ، ثم عجوزا شمطاء ، مستطيلة الوجه ، تضع على رأسها عمامة ضخمة ، وتدور بأصابعها مسبحة ضخمة ، وحولها ، تحت قدميها مباشرة ضفادع سمينة تنتظر ان تسحق .

قال الرجل الطويل .

_ ايها الرفيق ... هل تعرف الطريق الى بلاد القرود ..

قلت _ كلا يا سيدي ... لكنني سمعت من بعض العابرين ، انها تقع ما بعد الارض المحروقة ...

قالت العجوز _ وهل تعرف الطريق الى الارض المحروقة  ؟ حفيدي الصغير خمبابا ، غادر المنزل منذ سنوات طويلة ، ولم يعد ثانية ...

قال الديك بوقاحة _ خمبابا يتسكع الان في بلاد البهبهان ، في حي ( الطرب ) مع القحاب والقوادين .... رفع الديك عقيرته وكأنه يريد ان يسمع الدنيا كلها ، خمبابا الرهيب لم يعد منه شيء ..

قهقه الرجل الطويل _ لا تصدقه يا رفيقي .... خمبابا في مهمة خطرة ، لا يقوم بها الا الابطال أمثال نون وصميدع وكيكي وجبار...

اقترب مني وهمس بأذني .

_ خمبابا في طريقه الى بلاد البدو الطوال  ...

قالت العجوز _ وهل تعرف الطريق الى بلاد البدو الطوال  ؟

قلت _ نعم ياسيدتي  نعم .... بلاد البدو الطوال في القلب ، فهناك تسكن حبيبة القلب ، الشاعرة الفاتنة ، مروضة القوافي وافانين القول ، حبيبتي  عياشة الغرنوقة السوداء طويلة العنق والفخذين .

قال الديك _ حبيبتك عياشة  اصبحت فزاعة أو خراعة من طول الانتظار ، هل سمعت بخراعة تبيض ذهباً ؟

قلت _ سيدي الديك .... ما كل ما يشع في الظلام ذهب  هناك خراء قديم يشع كالذهب لكنه يبقى خراء  تصور يا صديقي  لو حدث انك التقيت بالبطل الاسطوري  نون أو  كلكل  او حتى  ابو الشوارب ، ماذا ستجد عندهم ؟  لا شيء سوى سيوف ودروع  انا مثلا كنت في ضيافة واحد من اشجع فرسان عصرنا ، السيد نظيف افندي ....

قاطعني الديك _ أعرفه ، أعرفه ... القرد العجوز السمين , الذي لا يستطيع تحريك عجيزته الضخمة ، فارس العصور الغابرة ، المزواج المطلاق ابو قرون ...

قلت _ على اية حال ... السيد نظيف قرد طيب ، تاريخ طويل في الفروسية ومقارعة الابطال ..

قهقه الديك _ نعم مقارعة الابطال ، بالشعوذة واللعنات ...

_ ابداً يا سيدي ، نظيف باشا محارب عتيق ، لم يبق منه سوى شبح فارس يشحذ سيوفه ويلمع دروعه ، في انتظار المعركة التي سيموت فيها ، انه اشبه بحكاية منه الى كائن ..

قال طويل _ وكيف وجدت ابانا نظيف باشا ؟

_ لا يعوزه شيء سوى المال والخام .







                                  ******  





استلقى خمبابا على فراشه ، بينما اخذ سيما بنبش اسنانه والببغاء انشغل بالنظر من النافذة الواسعة التي تطل على المدينة الكبيرة ..

فجأة انتفض الببغاء وقال _ عندنا ضيوف .. ضيوف مهمين ربما ..

ركض سيما الى النافذة وقال _ ضيوف مهمين جدا كما يبدو .. حراس وحماية ومركبات مصفحة شخصية مهمة مهمة جداً ..

امتلات الشوارع والساحات والفندق بافراد الحماية الخاصة بالبهبهان العظيم وانتشروا في كل مكان وهم يزعقون ...

 هوهوهوههههو 

 نزل من احدى المركبات المسلحة رئيس الحرس جمجم افندي  وهو ضفدع سمين ومرقط يرتدي ملابس عسكرية خضراء وبحزامه يعلق مسدس ضخم ويمسك بيده عصا رفيعة يتبختر بها ...

قال جمجم افندي _ احرسوا المنطقة جيداراقبوا كل شيء ... اعتقلوا كل من يمر او يتسكع حول الفندق  اطلقوا النار على اللصوص والكلاب والصعاليك  اقتلوا كل من يعكر صفو المكان  اوامر .. اوامر ...

اجاب الحرس وهم ينتظمون بصفوف

 _ هو هو هو هههو ...

_ لا تسمحوا لاحد بالمرور بالقرب من الفندق ..

اطلقوا النار على كل من يقترب ..

_ هو هو هو ههو ...

انتشر الجند في كل مكان ، في الشوارع والازقة وعلى السطوح واتخذوا وضعية الهجوم ...

قال جمجم افندي وهو يقترب من المركبة الفخمة المظللة النوافذ ..

_ افندينا  ... كل شيء على ما يرام ...

انزل افندينا نافذة المركبة وتطلع بوجه جمجم افندي بقساوة وقال بصوت اجش 

_ تأكد من خلو الجناح من الكاميرات والصحفيين والجواسيس ..

_ كل شيء على ما يرام سيدي  لا احد يجروء على الاقتراب من الفندق ..

نزل افندينا من العربة ، يمسك بيده ضفدعة بيضاء رشيقة ترتدي فستان ابيض طويل يبرز رشاقتها بصورة مبالغ بها ...

كان افندينا ضفدع ضخم ازرق ضخم الجثة عظيم البطن ، عار تماما من الملابس ، ولا يضع شيء على جسده سوى مئزر ابيض اللون ويمسك بيده رمح طويل يدوره بين اصابعه برشاقة ..

قال  مخاطباً الضفدعة البيضاء ..

_ هيا يا ضفدعتي ... يا حلوتي  ارقصي للحرس والجنود ، ارقصي لحمياتي الخاصة هزي كتفيك واردافك  ارقصي يا سوسو ..

قالت سوسو _ تعبانة .. تعبت منك يا ابا الفالول  تعبت ، لا اقدر ان ارقص  تعبت منك ومن جنودك ومن غيرة زوجتك  لولو عكو   ارحمني ، ارحمني ..

قال البهبهان _ ارقصي يا قحبة  ارقصي يا قرج ..

_ لن ارقص ...

قال جمجم افنديسيدي  .. عيب  عيب ليس في الشارع ، سيسمع الجنود والحماية صراخ الجميلة سوسو  ادخل الى جناحك الى غرفتك ومارس موبقاتك ورغباتك الضفدعية ...

قال  _ لا استطيع .. هذه القحبة تريد السيطرة علي ، وتريد مني ان امنحها الذهب والجواهر دون مقابل دون ان ترقص ..

_ سترقص  سترقص ..

قالت سوسو _ لن ارقص  تعبت من الرقص الغجري ...

_ ارقصي مصري ، لبناني  ارقصي باليه ، انت خبيرة بكل فنون الردح يا حبيبتي سوسو ...

_ لن ارقص ... 

_ لماذا ؟  انت ببساطة مجرد راقصة ..

قالت سوسو _ راقصة ... هل تظن اني مجرد راقصة تهز الاكتاف والارداف ، لا يا حبيبي .. انا من يركع عند ركبتي البهبهان نفسه ، ملكك وتاج رأسك وولي نعمتك ، انا من يقبل اقدامي الوزراء والقواد والمعارضين انا سوسو التي تعرف مقدار ضعفكم وخنوعكم حينما ترون صدري وافخاذي وكسي ، الكس الذي يجعلكم حينما تشمونه  تغيرون القوانين والدستور وكتابة المذكرات  انا سوسو يا حبيبي ...

قال جمجم _ في داخل الغرفة اكتبي التاريخ من جديد ..

صرخ الافندي  _ امشي  امشي ..

قالت سوسو _ بحق شمش المعظم ، بحق انليل وبنليل ولوكال بندي  اتركني .. اتركني اعيش حياتي واتمتع بشبابي ، لن اسمح لك بملامسك جسدي  تعبت منك ، من رغباتك الضفدعية ومن شذوذك .. لن ارقص هذه الليلة ...

_ سوف ترقصين رغما عنك  يا قحبة  يا قرج  ..

_ لن ارقص  اذهب واضرب رأسك بالحائط ...

خرج الكبش من الفندق الى الباحة وهو يردد ..

_ مرحبا  مرحبا بضيفنا العظيم وضيوفه  مرحبا بكم جميعاً ..

قال الافندي مخاطبا جمجم  .

_ من هذا الكبش ذو القرنين العظيمين ؟

قال جمجم _ انه الكبش عبد الجبار مدير فندق السلوكيين الهاديء ..

قال الافندي _ عبد الجبار ماذا عندك الليلة ؟

قال عبد الحبار _ كل ما يرغب به مولانا  عندنا صبايا جميلات ورشيقات . عندنا غلمان ومخنثين  عندنا مشروب ومزمزات ومشويات كل ما ترغب يا مولاي كل ما تريد وما لا تريد ..

_ تفضل يا سيدي .. تفضل الفندق فندقك  ونحن جميعا خدمك ..

قالت سوسو _ انظر الى هذا الكبش الخرف المتملق عنده كل شيء ؟  قل لي يا تيس هل عندك حشيشة ؟

_ نعم ... يوجد متوفر منها الكثير ، اي نوع تريدين يا سيدتي ؟

_ عندك عندك حشيشة المراد ؟

_ كل شيء  كل شيء  اطلبي ما تريدين وستجدين كل انواع الاعشاب تحت قدميك ..

_ اريد ان ادخن هذه الليلة انسطل ، حتى لا ارى هذه الوجوه الكريهة ..

قال الافندي  _ ماذا تقصدين ؟

_ اقصدك انت  وحمايتك والتيس ابو عثنون ...

_ هكذا اذن  بكل صراحة ..

_ نعم بكل صراحة ، واذا لم يعجبك اطلق سراحي ، دعني اذهب الى اهلي ..

_ لن تذهبي ... لن تذهبي  انا احبك يا سوسو يا حلوتي يا معذبتي ...

قال الكبش _ تفضلوا سادتي تفضلوا ..

موسيقى .. موسيقى ..

جلس الافندي في وسط القاعة والى جانبه عشيقته سوسو ..

قال  _ هات لنا حشيشة دعنا ننسطل هذه الليلة بعيدا عن المتاعب وشؤون الحكم ..

صرخ الكبش _ هاتوا الحشيشة ..

جاء الخدم يحملون ( اركيلات ) يتصاعد منها الدخان ..

قالت سوسو وهي تسحب نفسا عميقاً _ آه  آه ...

اجاب البهبهان _ آهات من اجل الحبيب ...

قال جمجم افندي _ ليدخن الجميع ، لينسطل الجميع هذه الليلة ... دخنوا  دخنوا ..

امتلاء الفندق بسحابة هائلة من الدخان  الدخان وصل الى غرفة خمبابا واصدقائه ..

قال سيما _ أشم رائحة مؤامرة .. هناك من يريد ان ينسطل هذه الليلة ..

قال البغبغان _ هناك من يريد ان يضحك دون سبب ، يفرفش ..

قال خمبابا _ انها رائحة حشيش ..

_ حشيششش ... واو ..

_ سأنزل واشارك القوم ..

_ سأذهب معك ..

_ انتظر .. سنذهب سوية ...

كان منظر خمبابا مع رفيقيه غريبا بعض الشيء ، وقفوا عند السلم ينظرون الى الجمع المسطول ، قزم كثيف الشعر وفأر شيوعي وطائر سليط اللسان ، كان اول من لاحظهم ، الغانية سوسو ، فرفعت حاجبيها مستغربة وقالت ..

_ لدينا ضيوف ضرفاء  يبدون ضرفاء جدا  قزم وفأر وطائر .. رفقة جيدة ..

رفع الافندي ناظريه الى الرفاق الثلاثة وقال ..

_ ما هذا يا عبد الجبار ؟  من هؤلاء القوم ؟

قال الكبش _ لا تشغل نفسك يا سيدي  انهم نزلاء الفندق عابرون فحسب  كما انهم جبناء ايضاً لا يحركون قطعة جبن حتى ..

صرخ الببغاء بصوت عال _ من هم الجبناء يا عبد الجبار  يا تيس ، يا ابو عثنون 

قال سيما _ اخرس يا برجوازي صغير  يا مكدس الاموال بغير حق .. 

قال خمبابا _ لا تغلط يا عبد الجبار ، يا امي  يا جاهل  لو حدث وقرأت ملحمة كلكامش لما قلت هذا عنا ..

بصق خمبابا على الارض ..

بصق سيما 

بصق الطائر ..

قالت سوسو وهي ترفع اصبعها _ انا قرأت الملحمة .. هل تقصد انك الوحش الرهيب ، الذي يحرس غابة الارز ، هل انت خمبابا ؟

_ نعم بكل بساطة انا خمبابا ..

شهقت سوسو وقالت _ يا حبيبي ، يا بطلي .. تعال وخذني بين ذراعيك الرهيبين ، دعني اشم رائحتك الفاسدة  يا وحش .. يا خايس ..

نزل خمبابا السلم وعلى يمينه سيما وعلى يساره الطائر ، وتوجه مباشرة ناحية الضفدع العاري ، ووضع انفه بانفه ..

قال خمبابا _ عرفت من نحن .... نريد ان نعرف من انت ؟

صرخ الافندي _ انا ( افندينا ) افندي البهبهان وزيره وقائد جنده  يا عبد الجبار  يا جمجم  ابعدوا هذا القزم عن انفي ؟

قال عبد الجبار _ ابتعد عن افندينا ايها القزم  ابتعد والا بقرت بطنك بقروني ...

مسح الكبش على قرنيه وكأنه يشحذهما ..

_ ابتعد عنه ؟

قالت سوسو _ تعال الي يا خمبابا  تعال اجلس الى جانبي وانس هؤلاء القتلة المنحطين الجبناء ...

ابتعد خمبابا عن الافندي وجلس الى جانب الراقصة حتى التصق بها ... رائحة سوسو الطيبة جعلته يدفع جسده ناحيتها ويلتصق بها بشدة ، ثم احاط خصرها بذراعه وهي تشجعه ..

قال سيما _ اترك لنا شيئاً . دعنا نلعب سوية ..

قال الببغاء _ انا ايضا اريد ان العب ...

قال خمبابا وهو يدس انفه بفتحة ثوبها

 _ سنعلب كلنا هذه الليلة  اليس كذلك يا حبيبتي ؟

قالت سوسو _ بالطبع  بالطبع .. ما عليكم سوى اخذي من هذا المكان الضفدعي ، على الاقل استطيع ان اتنفس بحرية ..

امارس الجنس بشكل طبيعي ، لا امانع بمضاجعتكم جميعاً ..

_ يا شبقة ..

_ يا للصريحة ..

امسك خمبابا يد سوسو وارد ان يأخذها الى العلية حيث غرفته ..

التفتت سوسو ناحية افندينا ومدت له لسانها بطريقة معيبة ..

صرخ افندينا _ اقتلوا اولاد القحبة هؤلاء .. اقتلوهم جميعاً ، لكن لا اريد لسوسو ان تصاب بمكروه ، سأحاسبها فيما بعد ، سأعاقبها في غرفتي ..

صرخ جمجم افندي _ يا حراس  يا حراس ..

يا قتلة ، يا ذباحين ، يا مصاصي دماء ..

اقتلوا هؤلاء الزعران .. 

اشربوا من دمهم ..

اصطف الحرس بصفوف وتقدموا وهم يزعقون

 _ هو هو ههو ..

صرخت سوسو _ ما هذا يا افندي ؟.. هل تريد ان تفهمني انك ستقاتل هؤلاء الفرسان العزل وتقتلهم دون اي وسيلة للدفاع  على الاقل اعطهم سلاحا ليدافعوا بهم عن انفسهم ..

_ اسلحة  اسلحة .. اعطوهم اسلحة  أي نوع من الاسلحة تريدون ؟

قال خمبابا _ اعطني فأسا ..

قال سيما _ اعطني مدفع ..

قال الببغاء _ اعطني قنبلة ..

قالت سوسو _ اذا كنتم رجالا اعطوهم ما يريدون ... 

صرخ الحراس _ هو هو هههو ..

ثم وضعوا قدامهم كدس من الاسلحة والعتاد ..

قال الببغاء وهو يقهقه _ سأنسف هذا المكان عن بكرة ابيه ..

قال سيما _ وداعا يا فندق السلوكيين ... 







   

                         *****

 





طارت شهرة خمبابا ورفيقه سيما  في بلاد البهبهان ، سمع الضفادع بمعركته الرهيبة مع الحرس والشرطة ، فتوافدوا عليه من كل مكان ، طالبين مساعدته ، بحل مشاكلهم ، عرضت عليه ضفدعة جميلة ، معطف من الفراء الثمين من اجل ان يجلب لها تاج ملكة بلاد الناغ ، وعرضت عليه عجوز لها معرفة بعلم الارض  خارطة ملونة لكل الاصقاع بما فيها من انهار وجبال ووديان ومفاوز ، اعطاه ساحر كعكة ابدية يستطيع ان يأكل منها ما يشاء دون ان تنفد ، مقابل ان يثبت له كروية الارض ، ومنحه زعيم المعارضة فأس ذهبي من اجل الانضمام الى جماعته ...

ثروة وذهب كثير في بلاد البهبان ، مجد عظيم سيتحصل له كما اخبرته جدته الحكيمة السندان الحديدي ...

في يوم مشمس وجميل ....

 تقدم ناحيته ضفدع يلبس ملابس شفافة وعمامة ضخمة وقال ..

_ انا شاه بندر التجار ، لا اعرف شيئاً غير التجارة وجمع المال .. حياتي رخية واطفالي سعداء وبيتي اكبر بيوت المدينة واوسعها ، لكن حدث يوما ان حط على سياج داري طائر ضخم كالنسر او العنقاء ... لست ادري ما نوعه ، لم ار مثله طيلة حياتي ..

قال البغبغان مقاطعاً التاجر .

_ لا شك ... أنه ( الدعلج ) .

قال التاجر _ ربما ربما ..

قال بغبغان موضحاً _ الدعلج  طائر كبير بذيل صغير لونه يميل الى الرمادي الممزوج بزرقة ، عنقه طويل ورأسه اصلع وفي عينيه حزن عميق ...

قال التاجر _ ليس تماماً  ليس تماماً ، كان الطائر كثيف الريش كثير البصاق ، بصاقه كريه لا تزول رائحته الى الابد ، لا تنفع معه كل عطور الدنيا واثمنها ، لا الافاوية قادرة على تلك الرائحة ، ولا المصطكي حتى بصاقه من خمسة انواعكريه ، سام ، مرعب ، محطم ثم مميت ) ... حاولت ابعاده عن سياج داري .

قلت له _ اشش  اششش .. ابتعد عن داري ايها الخاطر المزعج ؟

قال لي الطائر بوقاحة _ صه يا رقيع 










اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق