احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

عودة خمبابا الى غابة الأرز 2

قال لي الطائر بوقاحة _ صه يا رقيع 

                              يا ابن المقاميع 

                             بيتك في طريقه للافلاس 

                            وجلدك سيرسل الى الدباغ 

اكمل التاجر _ ذلك الطائر الوقح ، بصق بوجهي .

قال البغبغان _ تمخط على وجهك ؟

قال التاجر _ بصاقه كريه  كريه جداً ، يحفر بعيداً في الجلد ويكسره .. بصق بوجهي وهو يقهقه _ اكلها ... أكلها ...

                          من لا يقدرها 

                          شبع من كان اهلا لها

                          وجاع من استهان بها ..

اكمل التاجر _ ثم بصق علي ثانية وثالثة ورابعة وخامسه ، فاصابني الجرب كما ترى ...

اخرج التاجر من جيوبه الكثير من الذهب وقدمه له .

_ مقابل هذا الذهب .. اريد عشبة نادرة يقولون انها تنمو في الارض المحروقة .. تلك العشبة لها القدرة على شفاء  كل انواع البصاق .

قال البغبغان وهو يحدق بالذهب _ نعم  نعم ... انا عالم اعشاب خطير ، تعلمت على يد شيخي  سيدي معروف  ابن سينا عصره ...

قال التاجر _ حقيقة يا سيدي  انا لا ابحث عن عالم اعشاب ، بل ابحث عن مغامر شجاع ، يستطيع ان يدخل الى الارض المحروقة   ويأتيني بالعشبة المزعومة ..

قال البغبغان _ اسمع ايها الضفدع الاجرب  المغامر وحده لا يكفي ... نعم انه شجاع ومتهور وابن قحبه ، لكنه يحتاج الى العقل  انا العقل ... تعلمت على يد سيدي  شجاع الدين ابو هدلة ، وتعلمت على يد شيخي ومعلمي واستاذي  خطيب باشا  ، مرمل الحسناوات ، وقاتل الصناديد ومبيد من لبس الحديد ..

قال خمبابا _ الامر بالنسبة الي ، اسهل من شربة ماء ، وكل ما اريده منك ، خريطة ترشدني للارض المحروقة ...

_ قال التاجر وهو يقفز مرحاً _ نعم  نعم .عندي خريطة .. عندي خريطة  لكن  آه من لكن  الخريطة في الخبيئة ، والخبيئة في المغارة ، والمغارة يحرسها فرسان اشرار ، فريد نوعه ، السيد  بشبوش  آغا ، ملاعب الاسنة ، قاتل الابطال و محمد غين علي ابو ( الطلايب ) ، وحراسه وفتيانه ومريده ...

قال خمبابا وهو يضع الذهب بجيوبه _ قبلت التحدي !

صافح التاجر خمبابا وعاد فرحا الى اولاده ..                       

 قال البغبغان وهو يقهقه _ هيا بنا الى دار  ابو لملوم  ...

                                سنتعرف على ام لملوم وابنائها

                                لملوم الاول ، لملوم الثاني لملوم السابع

                               سنتعرف على لملوم نفسه 

                               وابا لملوم  شخصياً

                                وسنشهق من الضحك ها ها هاهااااا  

                              ونبكي من الاسى هيء هيء هيء

يقع دار ابو لملوم في منطقة الشرقية ، قرب الطريق الذي يقود الى بلاد لا احد ، ناس المنطقة الشرقية اشخاص مغلقون على انفسهم ، لا يقبلون بالغريب ولا يسمحون لاحد بالدخول الى حيهم  ومن اشهر ابنائنها الشقي  احمد البرع  وزعرانه ..

قال  احمد البرع وهو يقطع الطريق على خمبابا ..

_ الى اين ايها القزم ؟

قال بغبغان _ عفواً .... من السيد الضفدع  ومن رفاقه اللطفاء ؟

كان احمد البرع ضفدعاً  محارباً ، يرتدي درعا من الحديد وخوذة من الحديد ويمسك ساطورا أحمر اللون ..

قال _ انا احمد البرع  وهؤلاء اخوتي الفوضويين ، اللصوص والمشردين والهتلية والخارجين عن القانون والمجرمين ، اهدافنا معروفة واغراضنا مفهومة ، الخبز للجميع .... الخبز للجميع ...

هتف وراءه العصابة _ الخبز  الخبز ...

لوى الغبغان عنقه وقال بخبث _ انهم يثورون من اجل فتافيت  خبز كلام فارغ .

قال البرع _ نعم ياطائر يا خبيث ، الخبز هو الشرف الخبز هو الشرف ..

رددت العصابة خلفه _ خبزنا شرفنا ..

قال خمبابا _ سيدي الضفدع  .. انا صياد لا اهتم بالخبز ولا اكل سوى اللحوم ، لا شيء يعادل اللحم في القيمة والطعم ، قل لي ما قية مرقة العدس دون لحم وعظم وشحم  اخ اخ ... 

قال البرع  وهو يصفق _ انظروا ايها الاخوة  هذا مثال حي للبرجوازية الصغيرة ، أفاعي رأس المال والشفط واللفط  انظروا الى هذا القزم  يقول انه لا يأكل الخبز ... ماذا ياكل اذاً ؟

قال واحد من العصابةياكل خرة ..

قال آخر _ ياكل زقنبوت ..

_ ياكل حووو ..

_ سرسري  برحوازي  طفولي يساري .. ياكل خرة  خرة ..

قال خمبابا _ لا تأخذني غلطا ايها الضفدع العنيف ، لا تستطيع محاكمتي دون معرفة طباعي .. الصيادون امثالي ، لا يأخذهم شكل الرغيف ولا يطمعون به ، من يكون طعامه من حر الطيور ونادر الحيوان ، لا يسال عن الرغيف .

تقدم منه ضفدع ملتحي يتحدث بطمأنينة قاتلة وقال .

_   نحن ضد مباديء كتاب  بيت القوة  ، اهدافنا تتعارض معه تماما ، نحن عصابة محلية حالمة ، قصدنا تغيير الملك البهبان الاعظم وتنصيب ابنه فلفل الاضخم  حاكماً مكانه من اجل الفقراء ، الفقراء ..

اجاب الجمع _ من اجلنا نحن ..

احاط جمع من الضفادع  الشريرة والجائعة بالبطل خمبابا ..

صدر صوت من السماء .. صوت الالهة توتو حامية خمبابا 

من اجل البذور والسنابل والحصاد ..

من اجل الاغاني والمواويل ..

من اجل الفلاح ..

قمحه ولبنه ورزه وسمنه ..

من اجل البقرة والعجل والديك والدجاج ..

من اجل موقد الحطب ..

يا موقد النار  يا موقد الجمر ..

اسمع يا اله الطبخ 

اسمع يا اله الطعام ..

ساعد خمبابا في معركته الرهيبة هذه ..

امتطى خمبابا فرسه والى جانبه سيما ونمرته سمية  وبغبغان افندي ...

قال الجمع الشرير _ هجووووم ..

صرخ خمبابا مخاطبا رفاقه انتظرو اشارتي ؟ ..

اقترب منه الحشد ...

وتر سيما قوسه واطلق سهمه الى صدر ضفدع  سمين ، ارداه قتيلا ، ثم ثاني وثالث ورابع وعاشر ، وحينما اصبح حشد الزعران قريبا جدا منه ...

قال ببغبغان _ هجوم هجوم ..

زعقت لوسي  _ هجوم ...

صرخ خمبابا _ هجوم ..

يا للمعركة الرهيبة  جثث ضفادع في كل مكان ... خرج الوحش من جلد خمبابا ، وقتل معظم الضفادع ، حتى ملات جثثهم الشوارع والمحال ..

قالت الربة  ماما ججو   ربة الجنود والفئران والجرذان وبنات اوى والضفادع  ..

_ من هذا البطل الذي يفتك بجنودي ؟

ويرمي جثثهم على الطريق ؟

من اين اتى 

وماذا يريد ؟

اجابت جوقة الهية ، كوكبة من من الكهنة وخادمات المعبد ..

_ انه خمبابا  قزم خطر جدا ، ناعم كالحرير ، خشن كورق الخشخاش ، قاتل من الطراز الاول ، صياد جوائز ورؤوس ..

قزم خبيث ...

اقتليه يا ماما ججو ...

امسحي عارنا وخذي بثأر جنودك الشجعان ...

امتطت الالهة ماما ججو مقشتها وامسكت بعصاها السحرية التي تطلق القنابل النارية ، وانطلقت كالشهاب من السماء الثانية  ناحية الارض ، ناحية البطل الذي غرق بدماء اعدائه ..

حينما رآها خمبابا صرخ بصوت كالرعد ..

_ ماذا تريدين ايتها الساحرة الشمطاء  لن تخيفني عصاك  لن تخيفني مقشتك ...

من انت  وماذا تريدين ؟

قالت _ انا قدرك المحتوم  انا الموت الزؤام ...

لماذا قتلت جنودي واتباعي الصغار ؟

قال خمبابا _ كانت معركة عادلة  اتباعك ماتوا بطريقة تليق بهم .. 

_ قتلتهم كلهم ؟

_ كلا  بعضهم نفذ بجلده ..

قال سيما وهو يوجه سهمه الى صدرها ..

_ خذي هذا السهم من الشقي سيما ..

انطلق السهم ناحية صدر العجوز واصابها بقلبها  .تهاوت الساحرة على الارض ، وانطلقت من عصاها الاف القنابل النارية ودمرت ما تبقى من المكان .. لكن هيهات لمثل تلك المفرقعات الصبيانية ان تنال من دروع خمبابا الرهيب ...







                                       ******





قال خمبابا وهو يمسح الدماء من على يديه _ علينا الان ان نذهب الى بيت ابي لملوم ونأخذ الخارطة ..



                           




******


   

                           



جدتي  كيس الطحين  تقول ...

( لاترافق ثلاثة .. ضفدع ينق و حمار ينهق  وامرأة سليطة اللسان ) ... 

سلاطة اللسان ميزة  سيدوري  التي لم اكتشفها الى حين دخلت مخدعها ، كنت اظن في البداية اني سأقضي ليلة جميلة وفريدة مع امرأة اسطورية تبيع الخمرة واللذة مقابل بضع قطع ذهبية ، لكنها بمجرد ان رأتني داخلا ..

قالت _ انزع ؟ ...

قلت _ ماذا ؟

_ انزع لارى ؟

_ هل انت جادة يا حبيبتي سيدوري ؟

_ اسمع يا ابن العم افندي باشا ؟  مر علي الكثير ون وعرفت الكثير من الابطال والرجال والالهة ، عرفت كلكامش وانكيدو واحيقار ، مر علي خفرع ونفرع ونقشبندي عظيم افندي . مر علي شمش المعظم وبمش وابو قرون وابو رجل مسلوخة . جميعهم خلعوا ملابسهم امامي واروني ما يملكون ، بعضهم طويل  وغليظ ، بعضهم سداد مداد ، بعضهم سداد غير مداد ، بعضهم مداد غير سداد ، لكنهم جميعا رجال متعبون يبحثون عن ليلة عابرة بعيدا عن انظار زوجاتهم ..

انا افهم ما يريدون ، لكن بالمقابل عليهم ان يذعنوا لرغبتي ايضا  رغبتي ان اراهم عراة واقيس طول ما يملكون ...

اخرجت من  خزانة  بضعة جلود عليها معادلات رياضية ، او هكذا ظننت .. الطول في العرض في الارتفاع  يساوي المساحة ... طول كلكامش ، طول انكيدو وشمش المعظم وابو العظام ...

اردت ان اقول شيئا لكنها الجمتني باشارة من اصبعها ..

_ اخرس  انزع ؟.

بخجل نزعت قميصي محاولا ان اغريها بصدري المشعر ..

لكنها ابتسمت وقالت _ انزع السروال ؟

تذكرت ( كيس الطحين ) وحكمتها الازلية حينما قالت لي ...

( لا تخلع سروالك الا امام المرآة ) ...

قلت _ لن أنزع سروالي ..

تناولت سيدوري مقشة من تحت سريرها وهجمت علي بعنف لم اكن اتوقعه ، ضربات عنيفة مازالت آثارها باقية على جسدي حتى لحظة كتابة هذه السطور ... 

كان الطائر والجمل ينظران من النافذة ويضحكان ..

قلت _ يا كوكو ، يا حاتم انقذاني من بطش هذه الساحرة ...

فرش الكوكو جناحاه  فقفزت من النافذة على ظهره وطار بي الى ارض اخرى ، بعد ان تعلمت الدرس جيدا درس جدتي كيس الطحين حينما قالت

 ( ليس الفاس ولا السيف ولا الرمح سلاحك ... سلاحك تحت لباسك ) ...

طار بي الوحش تسعون ساعة مضاعفة حتى وصلت الى الاهوار موطن الالهة العظيمة الهتي الوحيدة وحاميتي من غدر الزمان  الالهة توتو  .. 

كانت تسكن في اقصى الهور ، تعيش على صيد الاسماك ( الشبوط والكطان والسمتي والشلج والزوري ) . رأيتها من بعيد  سيدة جميلة ونحيفة ، نهداها كبيران وحوضها واسع وشفتاها مليئتان بالحب والشهوة والحياة ..

 كانت لتوها قد امسكت سمكة شبوط واخذت تشويه على النيران ..

صرخت من البعيد ..

_ ايتها الالهة توتو  ايتها الرحيمة ..

رفعت توتو ابصارها الى السماء تنصت للصوت ..

قال الجمل _ حاذر ، انها الهة وليست امرأة عادية ، لا تحاول ان تضاجعها ..

قال الطائرابن القحبة هذا سيحاول ..

قلت _ توتو  توتتو .. الهتي الرحيمة ، مليكتي  الرحمة الرحمة ...

هبط الطائر على الماء ونزلت وانا احمل الجلود والذبائح والفراء ووضعتها تحت قدميها ..

_ من اجلك من اجل مليكتي والهتي المعظمة  اقدم لك كل ما املك ...

قالت وهي تحدق بي بفضول _ لماذا تطلب الرحمة ؟

_ رؤيتك بالنسبة لي هي رحمة ..

ضحكت توتو وقالت _ ماذا تريد ايها الانسان الفاني ؟

وماذا اتى بك الى هذه البقعة النائية ؟

التي لم يصلها بشر من قبل ..

هل تبحث عن الخلود ايضا ، مثل صاحبك كلكامش ؟

قلت _ لا يشغلني الموت كثيرا ، ولا الخلود ...

انا ابحث عن متعة عابرة ومغامرة امينة ..

لست محاربا ولا صيادا ولا ساحرا ..

انا انسان ..

مجرد انسان ..

احلم بمنزل منعزل وبقرة حلوب ونهر يفيض بالسمك 

امرأة تخرج الخبز من التنور ..

اطفال يلعبون في الحقل ..

اطفالي انا ..

قالت الالهة توتو _ يا للحلم الجميل ... 

انا الهة ولا استطيع تحقيق مثل حلمك ...

ليس سهلا ان تجد امرأة تطحن وتعجن وتخبز وتنجب لك اطفال يلعبون في الحقل .

ليس سهلا ان تجد هذا على الارض ..

ربما تجده في الجنة ، قرب منزل جدنا العظيم هبل ..

تناولت توتو قطعة من الشبوط وقدمتها لي ... طعم فريد لم اتذوقه من قبل . الالهة حقا يعيشون حياة فريدة ، حتى وان بدا عليهم التقشف ..

قلت _ مبارك طعامك  ايتها الالهة المتوحدة ، اسمحي لي بسؤال ..

قالت _ اسأل ؟

_ انت كما ارى سيدة جميلة تفيضين بالشباب والحيوية لماذا انت بدون رجل ، دون عائلة ؟

قالت _ هكذا حكم علينا طلب الخلود والشباب الدائم  حينما تطلب الخلود والشباب ، يجب ان تتخلى عن متطلبات الحياة العادية .. الزوج والعائلة والاطفال  لكل شيء ثمن كما ترى  ثمن الخلود باهض ايضا ...

_ هل تقصدين انك ما تزالين عذراء ؟

_ بالطبع ... 

تمتم الطائر _ اوه يا الهي  يا اله الطيور ...

هذا المغفل سيحاول ثانية ...

قال البعير _ دعه يحاول  في النهاية لن يحصل على شيء كالعادة..

هناك مقشة بانتظاره ..

_ يا للمغفل  ليس مع الالهة ؟

_ اخرس اخرس ..

نظرت الى اثداء وارداف الالهة توتو وهززت رأسي بأسف ..

_ يا للخسارة  يا للخسارة ..

قالت توتو _ بماذا تتمتمون ؟

قال البعير _ ببساطة .. الحكمة مرتبطة بالشيخوخة وانت في ريعان الشباب  لماذا تهدرين حياتك من اجل الخلود ..

قال الطائر _ الخلود ثمين ..

_ دائم ..

_ كالذهب لا يشيخ ..

_ يلمع في الظلمة  في الخزائن ، في الابار ...

قالت توتو _ منذ نعومة اظفاري وانا اريد ان ادخل  مجمع الالهة واصبح خالدة ، واول شروط الخلود ان ابقى عذراء ، لا يدنسني جسد رجل ..

قال البعير _ انت لا تدرين ماذا فقدت ؟

_ ادري  قالت توتو ..

قال الطائر موجها كلامه لي

 _ اركض ايها المغفل ... تعرق ، ربما تشم رائحة زنخك فتنام معك ..

قلت _ لا فائدة من الركض ، انا لم استحم منذ عشرة ايام ، رائحة عرقي لن تثيرها ..

قال البعير _ اه  لو كنت رجلا ..

_ اه لو كنت رجلا  لكنني مجرد طائر ...

لكزني الطائر بجناحه وقال _ اقترب منها  اعرض عليها خارطتك عسى ان يحدث شيء ما ..

قالت _ انتم تتآمرون علي  ماذا يحدث هنا ؟

قلت وان افترش الخارطة امامها _ انا ياسدتي ، لم اقطع هذه المفاوز والجبال والاراضي والوديان الا من اجل الالتقاء بك ، وعرض هذه الخارطة عليك من اجل تصحيحها والنظر بها .. من اجل خدمة المغامرين والابطال والبشرية ... هذه اول خارطة يضعها انسان على وجه الارض ، وهي نتاج سنوات طويلة من السفر والبحث في اصقاع الارض ، اريد مباركتك لها ..

اقتربت مني توتو ، فشممت رائحة جسد العذراء التي لم يمسها جسد رجل ولم يعكر شذاها عرق انسان ، انحت على الخارطة وهي تبتسم وقالت ..

_ انها اشبه بخربشات طفل منها الى خارطة ..

قلت _ ماذا تقصدين ؟

قالت _ هل تظن ان الارض هي ، ارض البهبهان وارض العاصفة والبدو الطوال القامة والارض المحروقة ؟

_ هذا ما ظننت ..

_ كلا يا حببي انها اوسع مما تظن  اوسع من رحلاتك ...

_ ارشديني  دليني ؟

قضيت سبعة ايام وسبع ليالي اتعلم من توتو ... اكتشفت ان هناك سبعة بحور تفصلنا عن بعض ، وسبع قارات يعيش فيها اقوام من البيض والسمر والصفر والسود ، وسبع سماوات تفصلنا عن الخالق الذي يحدد مصائرنا في هذا العالم الفاني ..

الايام والليالي السبع علمتني الكثير ، انا مسرور جدا بما تعلمت على يد تلك الالهة الجميلة والعفيفة وسط ذلك المسطح المائي المجهول للكثيرين منا ، تعلمت صيد السمك ب ( الفالة ) ورصف القصب وتوضيبه من اجل صنع كوخ او قارب صغير يأخذني الى حيث اريد ، كما اني تعلمت بدافع الفضول ان اراقب عيش الالهة وطريقة حياتهم ، وهي طريقة فريدة لا تشبه طريقتنا نحن البشر الفانين ،  توتو  لاتشبهنا على الاطلاق فهي غير معنية بالاشياء الفانية كالطعام والشراب وايجاد مكان للتغوط لاخراج ما نأكله ..

كانت في معظم الاحيان مشغولة بالتعبد او السباحة في الهور العريض البطن ، خاصة في اوقات الظهر ، لكنها حينما يحل الظلام تختفي عن ناظري ، بينما انشغل بهموم الطعام والحطب والدخان واطعام البعير والطائر ، وحينما تلتقيني لا تتبادل معي سوى كلمات قليلة ثم تذهب الى كوخها المظلم ..

كنت افكر ماذا في داخل كوخ توتو ؟

ماذا في داخل ذلك الكوخ الصغير والمنعزل ؟

قال الطائر _ كوخها محكم الصنع ، مغلق تماما ، ليس فيه نوافذ ولا باب ، ليس هناك منفذ للدخول اليه ..

قال البعير _ كوخها مليء بالدخان والبخور والتعاويذ ..

قلت _ لدي رغبة بالدخول الى كوخها ؟

قال الطائر _ تريد ان تدخل كاللصوص ..

قال البعير _ كالخارجين عن القانون ..

قلت _ انه مجرد فضول اريد ان ارى كيف يعيش الالهة ، لن اسرق شيئاً ، لن احرك قطعة اثاث اريد فقط ان اشاهد كيف يعيشون حياتهم ؟

قال الطائر _ توتو عندما يحل الظلام تجهز قاربها ومجاذيفها وتنزل بعيدا الى بطن الهور ، تختفي بين اكمات القصب والبردي ، لا ادري الى اين تذهب ؟ ذات ليلة ليلة مقمرة لا حقتها ، رأيتها تجذف تدفع ( المردي ) تغرزه في الطين وتنطلق بسرعة خمسة جياد اصلية ، لا حقتها وانا احلق بالسماء ، حانت منها التفافة ربما رأتني وانا احلق فوقها فأختفت بين اجمات القصب ، اختفت عن ناظري هي وقاربها ..

قال البعير وهو يضحك _ ربما تحتاج الى عوينات ؟ تحتاج الى نظر ثاقب ..

_ انت تعرف اني ارى في الظلمة ... لكني متأكد انها رأتني ...

قلت _ اريد هذه الليلة ان ارى كوخها وادخله ..

_ حرام .. قال البعير ..

_ لا يجوز ان تدخل الى كوخ توتو دون اذنها ..

قلت _ لن افعل اي شيء مشين ..

_ حرامي ...

_ لص ..

سارق ، اقبض على الحرامي ، اقبض على اللص ؟

قلت _ سأذهب هذه الليلة ؟

في تلك الليلة كان القمر بدراً ، كانت صفحة الماء كقطعة فضة ، تسللت بين القصب وانا ادفع مشحوفي بحذر حتى اقتربت من كوخها ، ربطت ( المشحوف ) بحزمة قصب وسبحت باتجاهه ، كان الكوخ كبيرا جداً كأنه مجمع للالهة ، درت حوله ابحث عن منفذ  فلم اجد ، كان مصنوع من عيدان القصب والبردي ومغطى ب ( البواري ) ، اثناء دوراني حول الكوخ سمعت صوت الالهة توتو تخاطب رجلاً ..

قالت توتو _ استحي على شيبتك يا  اوتو نابشتم  استحي يا رجل ..

قال اوتو نابشتم _ دعيني يا حبيبتي امسح الزيت المقدس على كتفيك وظهرك ؟

_ استحي يا رجل ؟

_ لا عليك يا توتو انا شيخ لا انتعض ، لا تخافي دعيني امسح الزيت المقدس على مؤخرتك ، لن يتحرك بي شيء ؟

_ استحي يا عجوز ، احترم شيبتك ؟

_ انا اعرف انك عذراء ، لكن هذا لن يمنع ان امسح الزيت المقدس على ظهرك ، انا اعرف كم تعانين وتعملين من اجل حياتنا الشاقة هذه ...

_ لكن يا جدي هذا لا يجوز ..

_ لا عليك ، لن يرانا احد لن يسمعنا احد ، لن يعلم بقية الالهة بسرنا ، دعيني امسح جسدك بالزيت المقدس ، الزيت الذي يبقيك شابة ومثيرة الى الابد ...

_ اسمع يا جدي ، ساسمح لك بملامسة ظهري وخصري ، لكني لن اسمح لك بالنزول الى مؤخرتي ..

_ هذا يكفي ، يكفي ، اخلعي ملابسك يا توتو ؟

ان للالهة اسرار وموبقات مثلنا نحن البشر الفانين ، الجد العظيم اوتو نابشتم يريد ان يمارس حيله التي اعرفها جيدا ، تبسمت في الظلمة وحاولت ان اكتم ضحكة ، جدنا يريد ان ينام مع توتو الصبية العذراء ، تملكني فضول عظيم ، اخرجت سكيني وثقبت الكوخ محاولا ان لا اصدر ضجة ، ثقب يمكنني من ادخال رأسي ومعاينة المشهد الفاضح بعيني ، لكوني لا اصدق احدا الا اذا رأيت بعيني اللتين سيأكلهما الدود ..

كان الكوخ واسعا ومضاءا بعشرات الشموع المضمخة بالعنبر والطيب ..

كان الجد العجوز يبرك على ركبتيه عار تماما الا من مئزر يلف خصره ، عظام صدره بارزة وفكوكه ضامرة ويمسك بيده قارورة الزيت المقدس ، وقبالته على مقربة منه الالهة توتو وهي تشع تنير المكان بجمالها الطاغي وجسدها المثير ..

قال الجد _ اخلعي جبتك يا حلوتي ؟

قالت توتو _ لم اكن اظن انك شبق بهذا الشكل يا جدي ؟

_ لست شبقاً ، لست شبقاً ، لكنك لن تستطيعي المحافظة على شبابك الى الابد دون زيتي المقدس ، زيتي السحري الذي سيبقيك مشعة ولامعة ومثيرة ....  دون زيتي المقدس دون اصابعي وهي تمسحه على جسدك ، على صدرك وسرتك ومكمن سرك ، لكل شيء ثمن يا حلوتي ...

_ يا جدي ، يا جدي ... 

_ انزعي يا حلوتي ، اسمعي ما اقول ، طريق الالوهية شاق وخطر ومميت ، جسدك الخالد لن يقاوم الشيخوخة ، ستصبحين مثلي انا ، خالدة لكنك لست شابة ، عجوز ، عجوز خالدة الى الابد ...

_ يا للمصير التعيس ؟

_ نعم ، مصير تعيس ، عجوز خالدة الى الابد ...

_ الى الابد ؟

_ عجوز خرفة ، بردانة لا تجد رجل يطقطق عظامها ...

بكت توتو انهمرت الدموع من عينيها وقالت ...

_ ساعدني يا اوتونابشتم ؟

_ الزيت المقدس هو من سيساعدك ، انا مجرد اداة لمسح الزيت ، اخلعي ملابسك ايتها الالهة الجميلة ؟

نضت توتو ملابسها عن جسدها ، التمعت اثدائها الناهدة بضوء الشموع ، غرقت سرتها بظلمة الكوخ وانتفخت مؤخرتها بدفء المكان ، ثم تمددت على بطنها على الارض ، مسح الجد الزيت على كفه المتقرنة ، برك على مؤخرتها واخذ يمسح الزيت المقدس على ظهرها وهو ينشد ...

من اجل الشباب الدائم 

من اجل اثداء ناهدة ومؤخرة عامرة

من اجل الشباب الدائم 

اسنديني يا شموع ، اسندني يا كوخ ...

يا كوخ ، يا زيت 

اليك اتحدث يا زيت 

اليك اتحدث يا قصب 

اليك اقول يا بردي 

اجعل مني قويا وصلبا 

مثلك يا خيزران 

مثلك ناعما وغير قابل للكسر 

دعني ادخل 

ساعدني يا خيزران ...

التمع جسد توتو بفعل التدليك وضوء الشموع ، انتفخت اثدائها حتى كادت ان تنفجر ، تضخمت مؤخرتها حتى كادت ان تخنق عضو اوتونابشتم العجوز ، بسبب الضغط العنيف ونعومة اللحم الوفير ، تحرك العضو  المرتخي ، استيقظت به الحياة ، اطل برأسه الذي يشبه نبات الفطر ، قبعة ضخمة تشبه قبعة مكسيكي يجري في الحقول ، يتقي بها حرارة الشمس ومسدسات رعاة البقر ، نهض الفارس القديم المعمر ، اطل برأسه ، انتصب ودخل في المكان المظلم ، في الكهف عميق الاغوار ...

تنهدت توتو واستسلمت لسحر الزيت العجيب ...

اخرجت رأسي من الثقب وركبت زورقي وجذفت ناحية رفاقي الخائبين ، الطائر جواد والبعير حاتم ...

كان الماء باردا ومنعشا تمددت في ذلك الهور العجيب وتذكرت عياشة ، شممت رائحتها التي مازالت عالقة بانفي ، رائحة القصب والبردي والخيزران ، رائحة البعرور والدخان ، خلعت لباسي وجلدت عميرة ...








                                          *****







قال سيما وهو يمسح سيفه المخضب بدماء الضفادع ..

_ انها مجزرة  مجزرة عظيمة .. صحيح انهم ضفادع ، ضفادع قوية وعنيفة وشديدة المراس ، لكن لم يكن من الحكمة والبطولة القضاء عليهم جميعاً ..

قال الببغاء _ وماذا تريدنا ان نفعل ندعهم يقتلوننا ؟

_ لا اقصد هذا  لكني اشعر بالاشمئزاز من هذا الفعل  فعل القتل ... كان من الممكن استغلالهم في العمل  بتنظيف الطرق ، في المزارع ..

قاطعه الببغاء _ او في النقيق .. 

قال خمبابا _ كانت معركة عادلة لا اريد ان اسمع المزيد من اللغو  هناك الكثير من العمل امامنا  الكثير من الذهب بانتظارنا علينا ان نجد الطريق الى بيت ابو لملوم والاهتداء الى الخبيئة التي تحوي الخارطة التي ستقودنا الى الارض المحروقة 

صرخ الببغاء _ هيا .. هيا يا رفاق ..

قالت النمرة وهي تتمطى

 _ اشعر بالراحة حينما استعمل مخالبي ..

قال خمبابا _ اتبعوني ..

سار الجمع في ازقة القرية يسألون العابرين عن الطريق الى بيت ابو لملوم ..

قال لهم خطاف اسود وهو ينظف ريشه ..

_ ربما انتم لا تعرفون شيئا عن ابي لملوم ؟

قال خمبابا _ لا نعرف الكثير ..

_ انه فارس فريد من نوعه  نصفه انسان والنصف الاخر قرد ضخم الجثة ، يعادل سبعة اقزام ، هل حقا تريدون رؤيته ؟

_ نعم نريد ..

_ لا احد يقف بطريقنا ..

_ نحن الموت الزؤام  نحن الابالسة ..

_ نحن القدر ...

قال الطائر _ اتبعوني  ولا تتحدثوا مع احد ..

صادفهم في الطريق مجاميع كبيرة من المحاربين المدججين بالاسلحة حتى اسنانهم ، مخلوقات على شكل حمير وبغال وقرود وفهود ، مخلوقات خطرة جدا ، لا قانون يلجمها سوى قانون الغابة ، قانون القوي يفترس الضعيف ، وكما يبدو من هيئتهم ان لا ضعيف هناك ، سوى الصغار والمرضى ..

قابلهم ابن اوى وهو يترنح من شدة السكر وقال ..

_ يا للجمع الشرير  قزم خطر وفأر سيفه يقطر دما ونمرة شرسة وطائر طماع .. يا للجمع غير المرحب به  ماذا تريدون ايها الاخوة الاشرار ؟

قال خمبابا _ ليس شأنك ؟

قال الثعلب _ كلا  انه شأني  انا المخبرعملي هو معرفة الداخل والخارج الى هذه الحارة ... هناك الكثير من المغامرين يريدون التسلل الى هذه الحارة الوادعة وتعكير صفوها ... من الاخوة ؟

قال خمبابا _ نحن مجرد عابرين ..

قال الببغاء _ يا للفراء الجميل  يا للفراء الدافيء اود ان احصل عليه ..

قال سيما وهو يوتر قوسه _ سأقتله ..

_ اقتله انه مجرد ثعلب مخمور ...

_ اقتله اقتله ...

قال خمبابا _ لا تفعل ستجلب علينا كارثة  ستجتمع علينا الوحوش ..

_ سأقتله  فرائه جميل جداً ...

_ أنا من سيسلخه  انا من سيرتديه  اقتله ..

بحركة طائشة انطلق السهم ناحية الثعلب ومزق جسده ..

صرخ الثعلب وهو يصارع الموت

باطل وقبض ريح .. هل اموت بمثل هذه الطريقة  مخمور ملعون ؟

ترنح الثعلب واسلم روحه ..

_ من للحارة بعدي ؟ ...

خرج من البيوت عدد هائل من الوحوش ، ينظرون الى جثة الثعلب وهم يتمتمون ..

_ اهكذا بكل بساطة يموت المخبر ..

_ هل هو المخبر ؟

_ نعم انه شرطي ....

_ شرطي ؟

_ ممثل الحكومة والنظام  حامي القرية من الدخلاء والجواسيس ..

_ من قتله ؟

_ من قتل الشرطي ؟

_ من قتله ؟

تجمع الوحوش حول جثة الثعلب يتفحصونها ..

_ انه ميت ... لا حياة فيه .

_ من قتله ... من ؟

جاء ابو لملوم مع اولاده السبعة ، يجر جسده الضخم بصعوبة بالغة  ووقف عند الجثة يتفحصها وقال ..

_ يا للجريمة البشعة  من قتل مخبري الصغير ؟

اشار الخطاف الى سيما واخذ يزعق بصوت مزعج ..

انه القاتل المجرم  السفاح ..

التفت ابو لملوم الى خمبابا ورفاقه وقال وفمه يزبد ..

_ من منكم هو القاتل ؟

قال الببغاء _ انه مجرد ثعلب  ثعلب ماكر يسرق البيض والدجاج وصغار الطيور ، لا اهمية له على الاطلاق .. لن يغير شيئاً في تركيبة الطبيعة ، بفقده سيتكاثر البيض والدجاج وسنجد الكثير من اللحوم لاطعام صغارنا  لا يهم  لا يهم ..

قال خمبابا وهو يحاول السيطرة على الوضع الخطر ..

_ اخوان  ايها الاخوة .. انه مجرد سوء فهم ..

تقدم ابو لملوم ناحيته وهو يحاول اخفاء كرشه العظيم ..

_ لماذا قتلتم الشرطي الوحيد والنظيف والشريف في قريتنا ؟  من اين لنا الان بمخبر ينقل لنا ما يحدث في قريتنا المسالمة والوادعة ... انتم بفعلكم هذا قتلتم افضل جنودنا ، افضل مخبرينا . انا اخيركم بين اثنين اما ان تدفعوا مئة قطعة ذهبية فدية له او القتال ..

قال سيما _ اخترنا القتال ..

قال الببغاء _ نحن لا نمتلك اي ذهب ، لكننا نمتلك سيوفنا ورماحنا ..

قالت لوسي  _ نمتلك اظافرنا ...

تقدم ناحيتم غراب يعرج وقف وسط القوم وقال ..

_ ستكون معركة شريفة .عادلة . اسلحة اسلحة  مسدسات ، بنادق ..

سيوف ، فؤوس ..

قال خمبابا _ انا افضل الاسلحة التقليدية . افضل الفؤوس او السيوف ..

قال سيما _ من يريد ان يبارزني ؟

قال قرد سمين _ انا ..

قال سيما _ اختر سلاحك ؟

ضحك القرد وقال _ سلاحي السيف ..

امتشق القرد سيفه وتوجه ناحية سيما ..

وتر سيما قوسه واطلق سهما باتجاه قلب القرد فارداه قتيلا ..

صرخ الجمع _ قتله  قتله .. هكذا بكل بساطة ...

_ مات القرد مات ابو العيال ...

_ مات ..

_ استشهد القرد ..

برز حمار ضخم الجثة وهو يحمل مذراة عشب وقال ..

_ انا ابن الحمير الضخام ..

انا ابن الكرام ..

انا من لا يهزم  من يبارزني ...  من ؟.

وتر سيما قوسه واطلق سهما اتجه مباشرة ناحية قلب الحمار وارداه قتيلا ..

صرخ الجمع _ قتل الحمار  قتل ابو العيال ..

اشهر خرتيت قرنه واندفع بهياج ناحية سيما وهو يحاول تمزيق جسده ..

صرخ الببغاء _ اقتله . اقتله ..

اطلق عليه سيما عدة سهام اصطدمت بجلده الخشن ، لكنها لم تؤثر به ، حينها اشهر خمبابا فاسه بوجه الحيوان وانتظره حتى وصل الى مقربة منه ، ثم قفز بخفة على ظهرة وامسك بقرنه بيسراه ، ثم انزل فأسه الرهيب على راسه حتى قطعه ...

قال ابو لملوم _ يا فيل  يا فيل ..

اهجم عليهم يا فيل ..

اسحقهم يا زعبيل ...

تقدم الجمع فيل عظيم الجثة كأنه السور بضخامته ، كأنه الصخور بصلابته ..

 تقدم ناحيتهم وهو يرغو ويزبد ..

_ سأسحقكم يا دخلاء  يا جبناء ..

قال خمبابا _ كيف سنقتل هذا الحيوان ؟ لا سبيل لقتله ..

قال الببغاء وهو يطير ويتعلق بغصن شجرة ..

_ سيقتلنا هذا الجبار ؟

قال سيما وهو ينزع دروعه واسلحته _ تذكروا اني فأر . فأر ماكر ..

سأدخل في منخره واقتله ... شاغله يا خمبابا  شاغليه يا لوسي ؟ ..

التفت حوله لوسي وهي تزأر ..

تعال ... تعال ايها الغبي ...

قال خمبابا وهو يمسك فأسه بكلتا يديه _ تعال ايها الفيل ..

قال الببغاء من فوق الشجرة _ تعال يا غبي تعال ..

قفزت لوسي  فوق ظهره وامسكته من رقبته ... تسلل سيما الى خرطومه ونفذ الى انفه ..

_ تشوو .. تشووو ..

عطس الفيل  عطس طويلا ، لكن سيما تسلل بعيدا داخل خرطومه واخذ يعبث بالشعيرات الحساسة ..

_ اعطس ايها الفيل .. اعطس ؟ ..

_ تشو ... تتشووو ..

_ اتشووو ...

استسلم الفيل وجثا على ركبتيه طالبا الرحمة ..

صرخ الببغاء مبتهجا _ انتصرنا  انتصرنا ماذا عندك يا ابا لملوم ...

قال ابو لملوم وهو يرفع بنطاله ليغطي كرشه الضخم ...

يا للخسارة  يا للهزيمة  خسرت كل ابطالي  ماذا تريدون منا ؟ ماذا تريد منا ايها القزم ..

تقدم ناحيته خمبابا وقال _ لا شيء .. نريد الخارطة فقط ..

_ اية خارطة ؟

_ الخارطة الموجودة في الخبيئة . الخارطة التي ستقودنا الى الارض المحروقة ..

قال الوحش _ دعني استشير اخوتي ..

توجه ناحية رفاقه واخبرهم بالحكاية ..

قال البوم _ انت مغفل ... لا حاجة لمصارع الابطال لا حاجة لكل هذه الدماء ، دعهم يدخلون الى المغارة ، وهناك سيلقون حتفهم ... سيأكلهم  محفوظ  ويمصمص عظامهم ، محفوظ سيكفيك شرهم ...

_ محفوظ نعم محفوظ  وحش جائع  لم يأكل شيئا منذ شهور ..

_ دعه يتعشى بهم  دعه يشبع ..

_ سيأكلهم  سيمصمص عظامهم ..

_ سيبتلعهم عن بكرة ابيهم ..

_ يا ويلي عليه كم هو جائع ..

_ اتركهم لمحفوظ ...

_ سيتكفل بهم محفوظ ..

قال ابو لملوم _ حسنا . حسنا  سأدعهم يدخلون ..

اخذهم ابو لملوم الى مغارة مظلمة وفتح بابها بمفاتيح صدئة وقال وهو يضحك .

_ الخارطة في المغارة ، والمغارة مظلمة وخطرة ومتشعبة ، ليس لها اي منفذ سوى هذا الباب ، وبداخلها وحش يسمي نفسه محفوظ المستشار ، لا عمل لديه سوى البحث عن عشاء .. انتم عشاؤه هذه الليلة كما آمل  ادخلوا ايها الاخوة الاشرار ..

رفع بنطاله محاولا احتواء كرشه ..

_ سأقفل الباب وراءكم  لننتهي من هذه الحكاية ..

دفعهم الى داخل المغارة واقفل الباب وراءهم ..

المغارة مظلمة ورطبة ، مليئة بالعظام ... عظام بشر وحيوانات عظام تكومت منذ قرون عدة عظام يابسة ، اشبه بالعصي الطويلة  هناك انحشر خمبابا مع سيما والببغاء ولوسي ...

قال خمبابا وهو يجوس بالظلمة _ هذه هي النهاية .. الظلام شديد هنا ..

_ ظلام  ظلام .. ليس هناك مخرج ..

_ لا بد ان يكون هناك مخرج ..

_ امشوا  امشوا ... يجب ان نمشي حتى نجد مخرجا ...

مشوا طويلا  فراسخ عديدة ، ساعات مضاعفة عشر ساعات مضاعفة  عشرون ساعة مضاعفة  ستون ساعة مضاعفة  حتى انهكهم التعب واخذ منهم الجهد كل مأخذ  حينها شاهدوا ضوءا ينبعث من قاعة ...

 قاعة مضاءة بشمعة ترتعش بارتعاش الانفاس ، وهناك وجدوا طائر البوم ، يتجول بتلك القاعة وهو يضع عل عينيه نظارات طبية مقعرة ...

صرخ البوم _ عجبي عجبي  من يطرق بابي في مثل هذه الليلة الحالكة السواد .. اهو دخيل ، زائر ، تائه ؟

فتح البوم باب القاعة ونظر بوجوه زائريه غير المعتادين وقال ..

_ من انتم ؟

يا للبشارة  يا للحظ السعيد  يا للفرصة الفريدة  من ارى ؟

قزم ذو لحية كثيفة وطائر وفأر ونمرة متوحشة ..

ما هذا الفأل يا آلهتي ..

ما هذا الحظ ؟

ماذا تريدون ايها الاخوة ؟

لماذا ايقظتموني في مثل هذه الليلة المظلمة ؟

ماذا تريدون ؟

قال خمبابا _ اسمح لي ايها الطائر الحكيم ... اعذر فضولنا ..

كل ذهب الدنيا لا يساوي وجبة عشاء ساخنة وفراش دافيء ..

كل ذهب الدنيا لا يساوي كلمة اهلا ..

دعنا ندخل ايها الاخ الحكيم ..

ومقابل وجودنا ، سنمنحك ذهبا وفضة ونحاس ..

 ذهب ذهب  هل عندكم ذهب .. اعطوني ذهباً ؟.. _

الذهب  يفتح لكم الابواب يفتح لكم المغارة  اعطوني الذهب ، وانا من سيفتح لك كل الابواب والنوافذ والشبابيك ..

قال الببغاء وهو يفتح صرة الذهب ويضعها امام الطائر الذي عدل من وضع نظارته السميكة واخذ يتفحصها ، ثم تناول منها قطعة وعظها باسنانه ..

_ هذا كل ما نملك ..

_ هذا لا يكفي  لايكفي ... هذا الذهب لا يوصلكم الى باب القاعة ..

قال الببغاءانه ذهب كثير ، تستطيع به ان تشتري بيتا بنوافذ واسعة تدخله الشمس من كل مكان ، بدلا من السكن في هذه المغارة العفنة ، تستطيع ان تتزوج بومة كريمة من صنفك ، تطبخ لك عشاءا وتنجب لك صبيان ، بدلا من الجلوس في الظلمة وصيد الفئران ..

قال البوم _ لا داعي للسخرية ايها الصديق ... انا اعيش في هذه المغارة طيلة حياتي التقط من يضل طريقه ، من يسوقه حظه العاثر الى وكري ، وانتم بالنسبة الي مجرد طعام وجبة وجبتان ، اربع وجبات ..

ضحك البوم بطريقة شريرة _ الذهب ، او حياتكم العزيزة ..

اتجه الطائر ناحية خزانة كبيرة لصق الحائط واخرج منها كتاب جلدي ضخم ، وقبعة منسوجة من الحرير ، ثم اخذ يقلب الكتاب كأنه غير معني بالامر ..

قال سيما بحنق _ سأقتله .. سأقتل هذا الطائر ، وليحدث ما يحدث بعد هذا ؟

قال خمبابا _ انتظر .. انتظر ...

_ سأقتله ..

قال البوم _ تقتل من ؟ تريد قتلي ... ماذا سينفعك قتلي ؟ 

ستتعفن هنا وتموت انت ورفاقك ولن تجد من يخرجك من هذه المغارة ؟

قال الببغاء _ لا تستهين كثيرا بنا  سنجد طريقا للخروج ...

ضحك البوم وقال _ كلا لا احد يستطيع  حاولوا ... هل رأيتم العظام والجثث وانتم بطريقكم الي  اولئك مغامرين وابطال ماتوا وهم يبحثون عن مخرج ... 

اعاد الكتاب الى الخزانة لكنه بقي ممسكا بالقبعة الحريرية ...

قال خمبابا _ ماذا في الخزانة ؟

_ خرائط ...

_ خرائط ... تقصد خرائط المغارة ..

_ كلا  كلا ... انا لست مغفلا حتى احتفظ بخرائط المغارة في هذه الخزانة ... نعم انها تحوي خرائط كل البلدان المحيطة بنا ، وتلك التي يفصلنا عنها المحيط ، لكنكم لن تجدوا فيها خارطة المغارة ..

قال سيما _ اين هي اذا ؟

_ عند الوحش  محفوظ  ... 

_ اين محفوظ ؟

_ سيأتي في اية  لحظة ، عندما يحل وقت عشاءه  عندما يشم رائحتكم ...

ارهف الطائر سمعه _ الوحش قريب منا .. رائحتكم جذبته وسيدخل في اية لحظة ..

قال خمبابا _ هل تقصد انه سيأكلنا ؟

_ بالطبع ... 

قال سيما _ سنقتله ... 

_ تقتل من ؟ تقتل محفوظ لابد انك تمزح لا احد يستطيع فعل ذلك ... 

محفوظ لا يقتل  محفوظ لا يموت ...

انه صنيعة الالهة  ابن الالهة ليليث ...

بذرة شر وضعها الاله بنسو في رحم ليليث ...

فانجبت محفوظ الذي لا يقتل ...

لا اسلحة تخترق جسده ولا سهام ولا رماح ...

ليليث حصنت جسده من كل انواع الاسلحة ..

اسلحتكم بالنسبة له مجرد لعب اطفال ..

انتم بالنسبة له مجرد وجبة عشاء ..

قال سيما وهو يوتر قوسه _ وانت ايضا لا تدري مع من تلعب ؟

نحن من قتل جبابرة القوم من فيلة وخراتيت وسباع وهوام ...

نحن من قتل القرود والحمير والفرسان 

اطلق سيما سهمه باتجاه الطائر ، لكن الطائر الماكر سرعان ما وضع القبعة على رأسه فتلاشى وكأنه لم يوجد اصلا ..

اصطدم السهم بالخزانة الخشبية واصدر صوتا خائباً ..

قال الببغاء _ لقد اخطأته . اخطأت البوم ...

اين ذهب ؟  اين اختفى ؟

قالت لوسي  _ واو  يا للساحر ..

قال سيما _ لم يحدث بحياتي ان اخطأت هدفاً ...

قال خمبابا _ اعتقد انه لبس قبعة الاخفاء ..

_ ماذا ، قبعة الاخفاء ؟

_ يا للشيطان  يا للساحر ...

قال البوم من مكان ما في المغارة ..

_ اين الذهب ... اين الذهب ؟

دس خمبابا يده في جيوبه واخرج المزيد من القطع الذهبية ، وتبعه سيما والطائر ولوسي ، ووضعوا كل ما يملكون على الارض ...

قال الطائر _ الى الزاوية ... الى الزاوية  ابتعدوا عن طريقي ...

امتثل الجميع لامره ، نزع البوم القبعة وتمثل لهم بهيئته العادية ...

_ اها  هكذا اذن  ايها القتلة ... كنت اعرف انكم تملكون الكثير منه ...

وضع نظارته على عينيه واخذ يتفحص الذهب ...

_ لكن هذا لا يكفي ...

_ يا ابن القحبة  كل هذا الذهب لا يكفي ...

اخذت لوسي  تدور حوله تنتظر الفرصة للانقضاض عليه ...

قال خمبابا محاولا مشاغلته ...

_ اسمع ايها السيد  هذا كل ما نملك ... 

ثم نزع عباءة الفراء التي تغطي جسده وقدمها له _ انظر لهذه العباءة ... انها لا تقدر بثمن  خذها ..

تطلع الطائر بفضول بالعباءة واقترب قليلا من خمبابا ...

في تلك الاثناء وجدت لوسي الفرصة مواتية ، فانقضت عليه بسرعة خاطفة وبركت فوق جسدة وامسكت القبعة باسنانها ، ثم بلعتها ...

صرخ سيما _ غبية  غبية ومتوحشة ... لماذا بلعتي القبعة ؟

قال الببغاء _ بلعت القبعة  لوسي  بلعت القبعة الثمينة ...

اقترب خمبابا منها وقال _ هاتي القبعة  اعطني القبعة ...

قالت لوسي  وهي تتلمظ _ اية قبعة ؟

صرخ البوم _ محفوظ  الحقني يا محفوظ .. انه وقت عشاءك ..

لدي قزم سمين يصلح مرقة ...

لدي فأر يصلح تعلولة ..

لدي ببغاء يصلح للافطار ...

لدي نمرة متوحشة تبرك على ظهري ...

تكفي لاسبوع ...

تعال يا محفوظ... تعال وقت العشاء حان ...

تعال انقذ عمك الحكيم ...

تعال  ...

ربط خمبابا طائر البوم الثرثار ، ربط منقارة ورجليه وجناحيه ودسه في واحدة من حقائبه ...

قال _ سأطلق سراحك حينما نخرج من هذا المكان ..

فجأة سمع القوم طرق خفيف ومهذب على الباب ..

قال خمبابا _ من في الباب ؟

_ انا محفوظ ..

_ مجفوظ ؟

استعد الجميع للحرب ، اشهر خمبابا فأسه ووتر سيما قوسه ..

صرخ الببغاء _ ماذا تريد يا محفوظ ؟

_ لا شيء لا شيء ... اريد ان اسكر هذه الليلة قررت ان اسكر واكف عن القتل وشرب الدماء  لقد تعبت واريد ان ارتاح هذه الليلة  اخرج من جلد الوحش وانعم بليلة هادئة  انعم برفقة ناعمة ...

سنسكر هذه الليلة ...

فتح الباب على مهل واطل منه مخلوق سمين ، نصفه ثور ونصفه الاخر انسان ، كشر عن اسنانه واخذ يتمعن بالحضور 

قال مرحبا _ اهلا بالضيوف الكرام  اهلا اهلا ...

توجه ناحية خزانة الخرائط واخرج اكواب وقنينة شراب ...

_ سنحتفل هذه الليلة  سنحتفل بكم  تعالوا يا اخوتي  تحلقوا حولي . لنتسامر ونقرأ الشعر ... تعالوا يا اخوتي ...

التفت الى لوسي  وقال _ ما اسمك يا جلوتي ؟

_ لوسي  ..

_ لوسي   ها ها  يا للاسم الجميل تعالي اشربي معي ؟

وضع الكؤوس والشراب على المنضدة ..

_ وانت ما اسمك ايها الاخ ؟

قال خمبابا _ انا خمبابا  وذلك الفارس سيما اما الطائر ..

_ يا للعصابة اللطيفة الظريفة  تعالوا اشربوا ...

انا متأكد انكم تبحثون عن مخرج من هذه المغارة الكريهة ...

لا احد يستطيع اخراجكم من هنا سواي ...

قالت لوسي  _ من يضمن لنا ؟

_ انا  انا ، اظمن لكم الخروج من هنا ..

قال سيما _ نريد ان نخرج الان ..

_ بالطبع ... بالطبع ، لكن بعد ان تشربوا معي ..

قال الببغاء_ هل انت مجنون ... تريدني ان اشرب من شرابك الذي لا ادري ماذا وضعت فيه ، ربما سم ، او منوم ..

_ كلا  كلا ... انظر الي سنشرب من قنينة واحدة  انظر الي ...

شرب الوحش من القنينة مباشرة حتى كاد ينهيها ..

تلمض خمبابا وقال _ انا عطشان ..

قال سيما _ انا ايضا  يا للرحلة الطويلة اريد ان اشرب ارتاح قليلا ..

قال الوحش _ با لطبع ... تستطيعون ان تشربوا كما يحلوا لكم  هناك ما يكفي من النبيذ .. اشربوا يا اخوتي استمتعوا ...

_ اشربوا ... اسكروا يا ضيوف ...

لا غدر . لا خيانة ... انها كلمة شرف ...

قال الببغاء _ هذا المحتال لا يعرف ما هو الشرف ؟

تناول خمبابا واحد من الاقداح وشربه ..

_ تعال يا سيما ايها المحارب العنيف  تعال اشرب  سمعت باسطورتك العظيمة وانا بمغارتي هذه .. تعال ..

تقدم سيما وشرب من قدحه ..

_ هذا هو النبيذ الحقيقي .. هل عندك المزيد ؟

_ لا يهمك .. عندي الكثير... لوسي تعالي ايتها الجميلة الفاتنة ..

تعالي اشربي ..

_ كلا  كلا ...






                                                       ******      






كان طويل باشا   ينحدر من سلالة غامضة كشقيقته  السندان الحديدي  ، يجمع ما بين الانسان والجني ، فهو طويل مثل اسمه ، طويل جداً ، أذناه طويلتان وانفه طويل وخصيتاه طويلتان ايضاً ... حينما يمر  طويل  وهو في طريقه الى  الخرابة  أو السوق ، تتضاحك النسوة المجربات ويتهامسن فيما بينهن .

( كم يبلغ طوله ) ؟ ..

طويل وعصبي المزاج ، لكنه يمزج كل ذلك بالطرفة واللطيفة والحكمة ايضاً ، فهو جامع اعشاب بمرتبة الاستاذية ، وعالم باسرار السموم وعلاجاتها ولديه القدرة على التحول الى اي شيء يريده ، دب ، فهد ، صقر ، اسد ، او طويل ذاته بما فيه من حس انساني ورثه عن اجداده الحالدين في ارض العاصفة  .

بعد رحلة طويلة وصل خمبابا الى منزل العم طويل ، طرق الباب ..

قال طويل من خلف الباب .

_ من هناك ؟

أجاب خمبابا _ يا عم طويل ... السندان الحديدي تقول

 ( لا ابواب في ارض الاقزام ولا ضيوف في ارض البهبهان ) ...

قال طويل _ لا وقت لدي لسماع حكم شقيقتي ، ولا مكان لدي لضيوف آخرين ، الليلة جاءني خمسة دبب قطبية من الشمال ، لتعليمي فن البقاء في الثلج لمدة شهر دون طعام ..

ولتعليمي فن التطريزايضاً ...

_ يا عم  طويل يا عم  طويل ، احترامي لشخصكم الكريم والشجاع صاحب النكتة البارعة والطلعة اللطيفة ، انا يا سيدي رسول فقط ، ليس قصدي التطفل على حياتك وحياة ضيوفك الكرام ، لكن  السندان الحديدي  قالت لي اذهب الى عمك طويل ، فهو من سيرسم خطوانك القادمة ويقودك الى النجاح .

فتح العم طويل الباب ..

كان  يرتدي ثوب طويل ويشماغ ويتحزم بخنجر مرصع بجوهرة نقية  ، والى جانبه يقف ديك زاهي اللون منتصب القامة ، مستعد للعراك والنقر وتمزيق اللحم .

قال الديك بغضب _ في بابنا قزم هذه المرة ... قبل لحظات دخل خمسة  دبب قطبية ، دبب ضخمة لا ادري ما ذا اطعمهم لابقى حياً ؟ والان اجد امامي قزم خبيث يبحث عن عشاء ...

قال طويل _ ما اسمك يا ولد ؟

_ خمبابا  من ارض الزنكرية ..

_ كيف عرفت سقيقتي السندان الحديدي ؟

_ انها مربيتي وامي ومصدر معرفتي ، ارسلتني الى بلاد البهبهان لمقابلتك والتعلم منك ، فهي ومنذ بلوغها سن الحكمة لم تعد ترسلني بمهمات خطرة ، اكتفت بتعليمي الحياكة وصناعة الدروع ، وهذا لم يعد يكفيني فانا اريد ان اعيش حياتي في المغامرة وطلب المجد والذهب .

ضحك طويل فبانت اسنانه الصفراء الطويلة وقال .

_ وماذا تتوقع منا ان نعلمك ايها الرفيق الشاب ؟

قال خمبابا _ ان وجودي الى جانبك هو ابلغ درس اتعلمه .

_ تعني اسمع يا ولد انا لا ...

قال الديك _ أسمع ايها القزم ، قبل ان تدخل اربط فرسك واحبس نمرتك ونظف نعليك قبل الدخول . لا يداخلك الشك باني السيد هنا ، الامر الناهي  طويل افندي مجرد طربوش أو طرطور  انا الاستاذ ..

قال طويل _ اخرس يا قرد   يا ملعون يا سليل ارض لا احد  ؟

_ اخرس انت يا من ضيعت اصلك وفصلك ، لا انت انسان ولا جني ، لا انت دب ولا اسد ولا ضبع ، كرهت الحياة معك واريدك ان تطلق سراحي ..

_ ساشويك على العشاء ...

_ سأفقأ عينك عندما تنام  يا اعور .. يا دميم ..

نزع طويل نعله وقذف به الديك الذي اخذ يزعق بصوت مزعج ..

_ كس امك  كس امك ...

تافف طويل ونظر الى خمبابا وقال

 _  انظر الى هذا ( العون ) السخيف  لا تعرف كم تعبت وخسرت عليه حتى حولته الى ديك حقيقي . كان فيما مضى قرد قبيح ، بائع جوال ، يتاجر بالامشاط ومشابك الشعر ، والان انظر اليه أصبح زعيم الجهات الاربع ، القابض على ارواح الديكة ، مرمل الدجاج .. وكل هذا بفضلي بفضل تعليمي .. يا جاحد  يا ناكر الجميل ..

قال الديك _ انا اخدمك منذ عشرين سنة ، انقر راسك حينما يتحجر ، اوقظك في الصباح واسرق من اجلك البيض والخبز لاطعمك انت وضيوفك العديمي الفائدة والذوق ، لم اتعلم منك شيء سوى ضرب الجلق والبحلقة في القوارير ، عدمك خير من وجودك يا طويل بلا فائدة وحكيم بلا معرفة ..

قال طويل _ من علملك تضميد الجروح وصناعة الضمادات ، من علمك الهندسة والحدادة وجمع الزهور والحياكة ، من صنع منك  مجوهراتي  وطباخ ماهر ، من ارشدك الى مواطن القتل ودهاليز الحكم ؟ من علمك فن التحول من قرد قبيح الى ديك ذهبي .. اذهب الان اجلب لنا العشاء ؟

ذرق الديك على وجه طويل وهرول الى المطبخ ليعد الطعام .

قال طويل _ اسم هذا الديك  مسرور  ، جلبته من ارض  القردة   ليساعدني باشغالي الكثيرة ، لكنه في هذه الايام تنمر علي ويريد ان يغادر الى ارض القردة ، لا ادري ماذا يفعل ديك مع قرود وكيف سيعيش هناك ؟

قال خمبابا _ سيأكلونه على العشاء ؟

رفع طويل صوته ليسمعه الديك _ نعم سيشوونه ويقلونه ويعملون منه  مرق  ومن ريشه يصنعون وسائد وفرش ومن عظامه سحر وتعاويذ ..

قال خمبابا _ سيعملون منه شوربة ، القرود تحب الشوربة ..

_ شوربة بعظام الديك الذهبي ..

لذيذة ..

اخذ طويل يد ضيفه وادخله الى الغرفة مليئة بالدخان  ... كان هناك خمسة  دببه يلبسون فراء ثعالب ، يجلسون على الارض بتراتبية من الاصغر الى الاكبر  ، وامامهم كيس تبغ كبير ، يلفون منه لفافات ويدخنون .

قال طويل _ مرحباً بسادة الشمال وقاهري الثلوج ، دببة القطب الابيض ...

قال كبيرهم _ مرحباً بسيد الحكمة وفنان التحول ، طويل باشا ، مرحبا بنصير الضعفاء الذي لا يعرف كلمة لا ، ما نريده منك هو ان تحولنا الى فئران تعيش في الارض الحارة تحت امرة ملك الضفادع  البهبهان الازرق   ، فقد سئمنا الصيد واكل السمك النيء والعيش وسط الثلج .. زوجتي  صبوحة  .. أشار الدب الى دبة عجوز تتلفع بعصابة سوداء وتحمل بيدها ( فالة ) ... صبوحة تشكو من شحة الاسماك في المحيط والاولاد تكاثروا كما ترى ، ولدان وبنت  حنونة و صالح ومهدي  اشار الدب الى اولاده  ، دبب ضخمة وقويه ، افواه كبيرة  لكنهم  بلا عمل كما ترى ....  

قال طويل _ يا سيد الثلج ، احترامي وتقديري لشخصكم الجليل والكريم ، طلبكم على العين والراس ، لكن كما ترى ليس سهلا علي تحويلكم الى فئران ، ان مثل هذا العمل يحتاج الى اسابيع طويل ، اجسادكم الضخمة وعضلاتكم المتينة ستكون عقبة امام تحويلكم ، لو كنتم خراف او ضباء او حمير ، لاستطعت تحويلكم بسهولة ..

قال الدب _ سندفع لك ثمناً مجزياً ..

في تلك الاثناء دخل الديك يحمل صينية عشاء وضعها امام الضيوف ..

قال الديك _ ماذا ستدفعون ؟

قال الدب _ سندفع لك فراء ثعالب قطبية ، وجلود اسود وعظام دعالج وعرف هدهد وخصاوي جاموس وعنبر حوت وزيوت قنديل تستطيع بها ان تكتب مذكراتك ..

قالت الدبة _ سندفع لك انياب فيلة ..

قالت حنونة _ سنعلمك العيش دون طعام ..

قال صالح _ سنعلمك كيفية البقاء حياً وسط الثلج ..

صرخ الديك _ هذا لا يكفي  لا يكفي .. ذهب هل عندكم ذهب ؟

قال الدب _ نحن لا نعرب ما هو الذهب ؟

قالت صبوحة _ سمعت انه يشع في الظلام ..

_ الذهب ثمين ..

_ غال ..

قال الديك _ ادفعوا ذهبا ، وهو سيحولكم الى ذباب ..

_ ذباب  كلا  كلا نحن نريد ان نصبح فئران ، الفئران لها القدرة على العيش في القرى والبيوت بسهولة  ذباب .. كلا ..

قال العم طويل _ عملية التحول ليست سهلة ، فهي تحتاج الى اعشاب كثيرة وقوارير وطاقة وتدريب . انظروا الى هذا الديك الوقح ، انظروا الى عرفه الجميل وريشه الذهبي ، كلفني الكثير من الوقت والمال حتى استطعت تحويله من قرد قبيح الى ..

قاطعه الديك _ اخرس يا طويل ، بلا طول ، اخرس يا دجال ، انا لم اسألك ان تحولني الى ديك ، كنت في زماني سيد القردة ، ما من قردة الا واردت الاقتران بي ، ما من شمبازية الا وركضت ورائي تتوسل وصالي ...

 انظر الي الان لا اجد غير دجاجات عجفاوات قبيحات يتعززن علي ، لا يدعنني اركبهن بدعوى اني كنت قردا ، اذا كنت رجلا حقا ارجعني الى قرد  يا طنطل يا سليت ..

استدار الديك وذرق على صينية العشاء ..

قال طويل _ ما اقصده  اني احتاج الى بعض المواد ..

قال الدب _ قل لي ماذا تحتاج ؟

_ احتاج الى طحين خاص ، لا يمتلكه احد سوى جدتنا العجوز  السعلوة  ، فهي مشهورة بجودة طحينها ونقاوته ، واحتاج الى بعض من ذرات الذهب ، لا يمتلكها احد سوى جدنا الصابئي  مندي افندي  ، واحتاج الى ثلج كثير ، جبل من الثلج ليقيكم  حرارة الصيف وقيضه ..

بكت صبوحة وبكت حبوبة _ سا عدنا ياطويل  ساعدنا يا كريم ..

قال الدب الاب _ بالنسبة للثلج  سنجلب لك جبل من الثلج ..

اما عن الطحين ، فنحن دببة لا نستطيع ان نقطع الصحراء والفيافي ، جلودنا لا تتحمل الشمس .. سنموت .

اذا كنت تريد اسماكا او حيتان او فقمات  سنجلبها لك ..

لكننا لا نستطيع ان ان نجلب الطحين من الجدة المباركة السعلوة ..

سمعنا انها تعيش في الصحراء ..

نحن دببة ..

الدببة تعيش في الماء ...

ارجوك يا طويل باشا افندي .. ساعدنا ..

_ ماذا تريدون مني ان افعل ؟ 

استطيع تحويلكم بالجهد والصبر وبعض المواد الصغيرة ...

اجلبوا لي ما احتاج ولن ابخل بتحويلكم الى فئران  رغم اني لا احب تلك القوارض الكريهة ... الفئران اكلت كل مؤنة الشتاء .. هل هذا صحيح يا مسرور ؟

قال الديك _ نعم  نعم .. لم يتبق لدينا شيء من الطعام لهذا الشتاء الطويل  نحن نعيش على بقايا العدس والتمن  الفئران اكلت كل شيء  اتت على مؤونة الشتاء ، وطويل باشا افندي كما تعرفون لا يفعل شيئاً سوى كتابة القصائد وضرب الجلق .. لا اريد المزيد من الفئران حولي  اذهبوا الى البحر ثانية  هناك رزقكم وعيشكم لا اريد المزيد من الفئران ؟

قال صبوحة _ تحدثت طويلا مع زوجي عن هذا الامر ، واستقر رأينا على ان نتحول الى فئران ، الفئران لا تجيد شيئا غير السرقة من مطابخ الناس ، مهنة سهلة وحياة رخية ، نسرق ونأكل وننجب وننام ، انها الجنة بالنسبة لي .. افضل من حياة الشقاء التي نحياها . انظر الى اولادي الصغار  انهم دببة ، لكن من ينظر لهم يظن انهم مجرد فئران بسبب سوء التغذية ارحمنا يا باشا حولنا الى فئران ؟ 

قال الدب _ تشاورت كثيرا مع صبوحة قبل القدوم اليكم .. ظننت في البداية اننا يجب ان نتحول الى تيوس ، تيوس قوية وعنيفة ، لكن من اين لنا القدرة على مقاومة سكين الجزار ، وفكرنا ان نتحول الى طيور ، لكن من اين لنا القدرة على مقاومة الصقور ، فكرنا بالتحول الى ذباب لكن من اين لنا القدرة على مقاومة ( البف باف ) ، فكرنا بالتحول الى ارانب لكن من اين لنا القدرة على مقاومة  الملوخية  ..

قالت صبوحة _ لا خلاص لنا الا بالتحول الى فئران  لا احد يرغب بأكل الفئران ..

قال الاولاد بصوت واحد _ نحن نريد ان تحولنا الى بشر  نذهب الى المدرسة ونتعلم القراءة والكتابة والرسم ...

_ نتعلم الاكل بالشوكة والسكين ...

_ نتعلم الطبخ ...

قال الدب الاب _ هراء هراء  سنتحول الى فئران ..

هذا هو قراري الاخير ..

الفئران صغيرة وماكرة وحكيمة ...

لا تقضي عليها المصائد ولا السموم . لها القدرة على العيش في كل الظروف ...

نحن حقا دببة ، لكننا نعرف كيف نعيش كالفئران ...

سنصبح فئران ..هذا قراري الاخير ، انا الاب وانا المسؤول عنكم .. حينما تكبرون قرروا ماذا تريدون وماذا ترغبون ؟ اما الان يجب ان تفكروا كالفئران ، بالطبع بعد مساعدة الباشا لنا ...

قالت صبوحة _ ماذا لو اننا تحولنا الى غزلان ؟

_ الغزلان رشيقة وسريعة ولا تأكل سوى العشب ، العشب متوفر في كل مكان ولا يحتاج الى عناء .. حولنا يا باشا الى غزلان ؟

دخل الديك الى الغرفة وهو يحمل اواني الشاي وقال ..

_ ماذا لو ان الباشا حولكم الى ملائكة ؟

ذرق في وجه طويل وخرج وهو يردد ...

_ غزلان  فئران  اسود  كلام فارغ .. عمل دون طائل ، عمل دون مقابل ... طويل افندي لو كان حقا يمتلك القدرة لحول نفسه الى امير او ملك او امبراطور او حتى محافظ في مجلس البلدية ، لكنه  اووففففففف .. اووف ..

عض الديك على جناحه وخرج وهو يوزع ذرقه على الجميع ..

كان خمبابا ينصت للحديث فاخذته الشفقة على الدببة ..

قال _ اسمح لي يا عم انا اريد ان اساعد الدببة ، وكل ما اريد هو ان ترشدني الى مكان الجدة  السعلوة  والعم  مندي  ، وسأجلب لهم ما يريدون ..

قالت صبوحة _ باركتك الهة الدببة ، باركك اله الثلج ..

قال الدب _ مبارك انت ياولدي الشجاع ولتكن الالهة  دبدوبة  الى جانبك ، تحميك من مخاطر الطريق  آمين ..

_ آمين ..

_ آمين ..

نهض الدببة بصعوبة وخرجوا وهم يجرون اجسادهم الثقيلة ..

قال الديك _ الى الجحيم ..

نظرالديك  الى خمبابا _ وانت ايضاً ...

قال العم طويل مخاطبا خمبابا _ هل حقا .. تريد ان تقوم بمثل هذه المغامرة ؟

_ نعم يا عم ، سأعتبرها اول عمل اقوم به من اجلك ومن اجل الدببة ...

_ تعال معي ..

اخذه الى مختبره العجيب ، الغرفة التي يطمح للدخول اليها ، عظماء عصرنا ، غرفة الاسرار والتحول ، فتح باب الغرفة فأنبعثت منها رائحة قدم وعفن وادوية ، رائحة يود واملاح واسبرين وبخار سام ...

في الغرفة قوارير تتصاعد منها ابخرة وجلود حيوانات مشوية ورؤس طيور ووحوش وفئران وديكة وصراصر وخنافس وديكة وارجل اسود وضباع وريش دعالج وبلابل وبط ، وعظام هداهد وبنات آوى ونسور ، وجلود ذئاب وفراء دببة ، وهناك شموع من زيت الخروع وزيوت الحيتان والجواميس والكركدن والفيلة وزيوت شحوم الخنازير ..

قال طويل _ كما ترى  في هذه الغرفة كل شيء  لكن كالعادة هنالك شيء ناقص .. دوما  هنالك نقص ما ومن اجل تحويل اولئك الدببة الى فئران ، احتاج الى مغامر شجاع ، يعبر الارض المحروقة الى بلاد العاصفة ، حيث يلتقي بالجدة العجوز السعلوة ويأخذ منها الطحين السحري ...

قال خمبابا _ سأذهب  انا مغامر ابحث عن الشهرة والمجد ، لا يهمني احد  سأقاتل الجميع من اجل الوصول الى هدفي ..

_ اسمع يا خمبابا  قد تلقى حتفك بمثل هذه المغامرة التافهة ولن يسمع باسمك احد ، لكن اذا نجوت ، ستصبح رقما صعبا وربما يسمع بك الملك البهبان ويستدعيك الى قصره لتصبح من فرسانه ..

_ لهذا السبب  اريد ان اخوض هذه المغامرة ..

من بين زحام العظام والجلود اخرج طويل باشا قطعة جلد فريدة من نوعها ، لونها احمر غامق وعليها رسم دقيق نقش للطريق الى بلاد العاصفة ، يمتد من بلاد البهبهان ويمر بأرض الناغ وارض البدو ونزل سيدوري وارض لا احد حتى يصل الى ارض العاصفة حيث تقطن الجدة السعلوة ..

ناوله الخارطة بيد مرتجفة وقال ..

_ اسمع يا خمبابا  لا تخيب ظني بك  ستكون هذه الرحلة او عمل جاد لك ، ستتعلم منها الكثير وستكسب الكثير  وحينما تعود سالما  ستحصل على جوهرة كبيرة بحجم قبضة اليد او تحصل على سيف البطل  صميدع  او على رمح  كيكي  الجبار ...

تجول العم طويل في ارجاء مختبره ، ثم التفت الى خمبابا وقال ..

_ في مثل هذه الرحلة تحتاج الى اسلحة وطعام ..

قال خمبابا _ انا صياد يا عم ، لن تعجزني الطرائد ولن يهرب من سهامي طير ، كما اني امتلك فأسي ودرعي الذي صنعته جدتي السندان الحديدي ...

قال العم _ دعني ارى درعك ؟

ناوله الدرع ، فأخذ العم يتمعنه طويلا وارتسمت على وجهه ابتسامة ...

وقال كمن يتذكر _ كنت احمل مثل هذا الدرع ، في سنوات شبابي ، لكني لم اعد احتاجه الان فانا كما ترى ، لست محاربا ولا صياداً  اصبحت حكيما بمرور السنوات ما عدت احتاج الى مثل هذه الالاعيب ..

اقترب منه خمبابا وقال _ جدتي تقول

 ( ان هذا الدرع لا يكتمل الا اذا اضيفت اليه بعض التمائم والتعاويذ ليصبح عصيا على نار ولعنات السحرة ) ..

_ انه درع متين ..

_ يمكنك ان تجعله اكثر متانة ..

_ درع مثل هذا لا يحتاج الى شيء  انه قوي بما فيه الكفاية لمثل هذه الرحلة ..

لمثل هذا العمل  اذهب الى فراشك الان غدا امامك عمل كثير ...

قال خمبابا _ لكن جدتي قالت ...

_ اسمع يا ولد ، درعك لا يحتاج الى تطوير . تصبح على خير ..

_ انت ايضا يا عم ...

خرج خمبابا من المختبر ، قاصدا فراشه حين سمع صوت الدببة يتحدثون فيما بينهم .

قالت الدبة العجوز _ هل تظن ان القزم خمبابا ، يستطيع ان يعبر كل تلك الاراضي المجهولة ويجلب الطحين السحري ؟

قال الدب _ انه شاب وقوي ومندفع يبحث عن الشهرة وذيوع الصيت ..

_ لا اظن انه يستطيع ؟

_ نامي الان  احلمي كفأرة ...

_ اه يا الهي متى اصبح فأرة واتخلص من هذا العذاب ...

تضاحك الدببة الصغار واصدروا اصواتا تشبه الفئران ( وصوص ... وصوص ) ..

_ احلموا كالفئران ؟

لم يستطع خمبابا ان ينام تلك الليلة ، كان ينظر الى السقف طيلة الوقت الى حين انبلاج اولى خيوط الفجر ....






                                    *****






صرخت سيدوري _ ما اطول هذا الليل ... 

يا لليلة الباردة ..

ساشعل النار ...

عسى ان تجذب زائر جديد ...






                                *****




كانت الريح تضرب الكوخ بقسوة ، رياح السموم تلفح الكوخ القصبي وتكاد تحرقه ، كنت اجلس هناك عاريا اتصبب عرقاً واحاول تحريك الهواء ب ( مهفة ) ، لا شيء ينفع ... الحرارة في الداخل اقسى منها في الخارج ، اردت ان اتنفس ففتحت باب الكوخ ، صفرت الريح بقوة بوجهي فحاولت اتقائها بذراعي ، سمعت حفيف ورقة ، ورقة صفراء ترتعش بعنف . كانت الورقة مدسوسة بعناية بين ثنيات القصب ، كانت رسمة جميلة وبدائية ، خطوط مرتبكة مرسومة بالفحم تمثل امرأة طويلة العنق قوية العضل ينساب العرق بغزارة على صدرها وعنقها ، انها تشبه عياشة ... 

 تناولت الرسمة وحدقت بها طويلا ، انها حقاً عياشة ، فتاتي السوداء والطويلة كالغرنوق ...

من رسم تلك الرسمة ومن وضعها بباب كوخي ؟

يا كوخ يا كوخ

يا ايها الكوخ القصبي

من علق هذه الرسمة بين قصبك 

يا قصب من دس اصابعه بين ضلوعك ؟

كانت ريح السموم تصفر بغضب وتضرب الكوخ كأنها تريد احراقه ...

 انها رسالة 

رسالة حب ..

نحن ننسى ، مشاغل الحياة وقسوتها وتعاليمها تجعل منا ننسى ، نسيت عياشة ، اقصد اني انشغلت عنها ، خفت من البدو الطوال ، خفت عليها من الاخوة الاشداء واولاد العم ذوي الشوارب المفتولة ومن الجيران ومن رفيقاتها الثرثارت ، نعم خفت لم اعد اكمن بين عرائش العاقول ارقب سرب الغرانيق ، الفتيات السوداوات المحروقات باشعة الشمس وحرارة ريح السموم ، انشغلت بالزراعة ، زراعة القمح والشعير والعدس والشلغم ، كنت استيقظ مبكرا ، اشرب قهوتي وادخن لفافة التبغ  ثم اتناول ( مسحاتي ) واغرزها بالتربة الرملية انشغل بحراثة الارض وبذراها وسقيها  انظر بفرح الى سيقان الشعير وهي ترتعش مع لفح ريح السموم وبين فينة واخرى القي نظرة الى الافق عسى ان ارى سرب الغرانيق وهو يطفو على تلك الارض القاحلة  .

 كنت احن الى عياشة ...

عياشة ؟

تمعنت طويلا بالرسمة  ، امرأة تحمل حطبا قرب عريشة عاقول ، المكان ذاته الذي تحدثت به معها  ودخلت بين فخذيها القويتين ...

لا بد ان تكون هي من ترك لي تلك الرسمة ..

موعد ، لقاء ؟

اخفيت الرسمة بجيبي وتسللت بين اغصان الشعير ، تسللت على امل ان لا يراني واحد من البدو الطوال . كانت سيقان الشعير تغطيني وتحميني كالالهة ، كمنت في واحدة منها انتظر طلت البنات الجميلات ، بقيت انتظر لساعات حتى غربت الشمس مالت بجنحيها ونزلت كقرص خبز هائل الحجم ، ابتلعتها الارض مع ارتعاشة جسدي وانخطاف لوني ..

كمنت هناك انتظر سرب الغرانيق ...

جاء السرب ، سبع فتيات قويات يحملن على رؤسهن الحطب والعلف ، انتظرت حتى مر السرب الجميل ...

كانت عياشة في آخر السرب ، تحمل على جمجمتها القوية حملا ثقيلا من الحطب .

اخرجت رأسي من بين السنابل وهمست ...

_ عياشة ، عياشة ...

التفتت الفتاة ، عرفت صوتي ، ميزت همسي ، ابتسمت بخجل وارتباك ثم وضعت كومة الحطب على الارض وجلست على الارض تحاول رفع ( سلاية ) انغرزت بقدمها ..

لا ادري ان كانت الفتيات الاخريات يعرفن السر ، يعرفن ما بيني وبينها ، واصلن سيرهن وهن يتضاحكن كسرب من البط ...

زحفت ناحية عياشة كالوليد ، وضعت رأسي بحضنها  ، شعرت باصابعها تخلل شعري الدبق ، اردت ان انام ولو قليلا ، او اغفو الى الابد على الفخذين الصلبين 

قالت وهي تبتسم _ لقد تأخرت كثيرا ً ؟

قلت _ اخاف عليك ..

_ ممن ؟

_ من الفتيات من الناس ؟

_ انتظرتك طويلا ، كل يوم انتظرك على احر من الجمر ، لم لم تأت ؟

_ أخاف عليك ، لا اريد لسرنا ان يفتضح ..

_ كل البنات يعرفن ..

_ يعرفن ماذا ؟

 يعرفن عنا ، عن ما حدث بيننا ..

 _ حقا ؟

_ البنات يعرفن حكايتنا ، يعرفن اني لا اعير اهمية للاشواك ، يعرفن ان قدمي قوية وصلبة لا تخترقها ( سلاية ) ، يعرفن انك تختبيء بين السنابل تنتظرني ..

 امسكت بقدمها الخشنة ، مسدتها  ابحث عن موضع الالم ..

قالت _ كنت انتظرك بعد كل رحلة حطب ، لماذا لم تأت ؟

_ اخاف عليك ..

_ اذا كنت تخاف علي حقا تزوجني ؟

_ هل سيقبلون بي زوجا لك ؟

_ سيقبلون ، تحدثت مع امي عنك ... ضحكت عياشة ... 

امي تظن انك قزم ، قالت لي كيف احببت قزماً ، كيف ستنامين معه ، كيف ستقبلينه هل ستضعينه على ربوة حتى تصلي لفمه ؟

قهقهت عياشة واكملت _ امي لا تدري اني قبلتك ونمت معك ، لم استطع ان اقول لها ان الفارس بفعله لا بطوله ..

قلت _ هل كنت فارس حقاً ؟

_ انت رجلي الذي منحته قلبي وجسدي ، انت من عرفت ولن اعرف غيرك الى الابد ، لن يدخل بي رجل سواك ...

تمددت عياشة على الارض ..

كان الوقت عصرا ، الشمس تريد ان تغادر ، نسائم العصر لطيفة واثداء عياشة ترتعش مع خفق النسيم ...

صرخت وسط الحقل عياشة ..

اجابت الريح واجاب الحقل والقصب وهو يرتعش ..

عياشة ، عياشة ...

 غرزت اسناني بالقدم السوداء ، ابحث عن الشوكة لاخرجها ،لم يكن هناك ما يفصل بيننا ، رفعت فخذيها السوداويين الى كتفي وغرقت بتلك الظلمة اللذيذة ...

مخلص افندي لا ترفس كالبغل ...







                                  ******


اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق