ليلة مضحكة
في ليلة عاصفة ومخيفة وحارة وخانقة وطويلة ، وجدت في غرفتي على فراشي شيء ما ، لا استطيع ان اقول ما هو ذلك الشيء الا وتخنقنني الضحكة ، ولكوني ضحكت كثيرا في حياتي ، فقد قررت ان اشرككم معي حتى لا اختنق من الضحك وحدي .
حينما اشعلت مصباح الغرفة وقعت عيناي على كتلة بشرية تتلفع ببطانيتي وتنتعل جواربي وتجلس على سريري وتلبس ( طرطور ) نومي .
خرج صوت قوي وآمر من ذلك المستعمر .
_ تعال ياولد ، قبل يد عمك ؟
كنت على الدوام احتفظ بهراوة خلف الباب ، لكي اكون صادقا ، فهما هراوتان واحدة قرب سرير النوم استخدمها احيانا لمقاتلة كوابيسي واشباحي واحياناً لمطاردة حيوانات المزرعة التي تتسلل الى غرفتي وتأكل كتبي واروراقي ومسودات رواياتي التي ناهزت العشر ( الهراوة التي خلف الباب ) لمواجهة موقف كهذا ، تناولت الهراوة واشبعت عمي ضرباً ، لم اضربه على رأسه بالطبع ستكون كارثة ، سيموت عمي واذهب انا الى السجن او الاعدام ، بل ضربته على رجليه وذراعيه ومؤخرته ، حتى استسلم وقال بصوت ضارع .
_ هاي شبيك انت ليش تضربني ؟
قلت وانا استعيد انفاسي _ منو انت ؟
_ انا عمك .
_ عمي ( سعيد ) ؟
_ لا مو عمك سعيد ، من اين تأتي السعادة ؟
_ عمي رشيد ؟
_ لا مو عمك رشيد ، لو كنت رشيداً حقا لما تبهذلت بهذا الشكل .
_ العفو يا عم لم اقصد ، انت اذا العم الجليل مرزوق ؟
_ لا مو عمك مرزوق لو كنت مرزوق لذهبت الى الفندق ولكفيتك شري .
رفعت الهراوة بوجهه وصرخت _ انت عمي الهندي ؟ ملك العمبة والبهارات والطرشي والبخور وسيد البحار وقاهر الرجال .
تلعثم قليلا وقال وهو يزدرد بلعومه .
في الحقيقة والواقع انا لست عمك الهندي ، لو كنت ....
لم اتركه يكمل فضربته على كتفه مهدداً .
_ منو انت ؟
رمى البطانية بعيداً عن جسده واخذ يتمشى بالغرفة .
كان رغم قصره الواضح ونحول جسده الا انه يمتلك شخصية فريدة . كان يشبه شاعر قدم من العصور الغابرة ، ملابسه عريضة وهفافة ومزركشة وذقنه اسود وشارباه حمراوان كشاربي طاغية تركي ، عنقه غرنوقي وعيناه صافيتان كعيني الديك . كما انه يمتلك ذيلاً وقرنان عظيمان يصلحان للنطح والبقر والنقر .
قلت _ عرفتك ايها الملعون ، انت العم ( كبشي ) . لطالما حدثني ابي عنك وعن معاركك الرهيبة ومصارعتك الابطال وفتحك الامصار ومناكفة الاقدار ، مرحبا بك يا ( كبشي ) .
قال وهو يتمشى كأنه ممثل قديم نسي دوره _ انا لست كبشي الذي تظن ( لا تفهمني غلطاً ) ، حياة الشطارة والعيارة واخذ الاتاوة من التاجر والكاسب والافندي والمعقل ، حياة المغامرة وصعود الجبال ونزول الوديان والاختباء في الكهوف والمغاور والعيش في الحر والقر والضيم ، الخوف من الكوابيس ومخلوقات الظلمة وظلال الحيوات التي تحيط بنا وهي تقفز في القدور والطاوات والمنكاسات والطوس والطناجر والمحابر ( لا تفهمني غلطاً ) . مثل تلك الحياة تستحق ان تعاش ، لكنها بالمقابل لا تعطيك شيئاً سوى ذيل وقرنان .
لم استطع ان اكتم ضحكة ( العفو ) . كانت قهقهة مدوية جعلته ينكمش على نفسه كالضفدع كالبهلوان كالطرطور ، ربما كانت ضحكة سخيفة او مقيتة او حقيقة تشبه ليلتي هذه ، ليلة التجوال بين قرني كبش .
كنت اعيش في مزرعة لتربية العجول والابقار والكباش والنعاج والثيران القوية ( واحدها يجر مئة محراث ) في الحقل ارانب وثعالب جميلة ذيولها طويلة ورمادية وجلودها تنتظر من يسلخها من يدبغها ، من يصنع من لحومها مرقة وتشريب وسوب ، من يمص عظامها وهو يسبح بسبحان الحلاق مسير الافلاك ومخير الاخيار ، في المزرعة خيول وجمال وتنانين وديناصورات ( واحدها يزن الف رطل وثلاثة عشر قيراطاً ) .
عملي كان بسيطاً للغاية ، ان اعني بتلك الكائنات اربت على بطن الحوت وامسد شعر الجنيات وأنتف عانة السعلوات وأرضع اثداء الحوريات وانا اعوي تحت ضوء القمر ، ، من احب الاشياء بالنسبة لي هو شم رائحة الحقل ، رائحة الزهور ورائحة الحقل والغربان والسرجين والمطال وموقد الفحم ورائحة القهوة والبيض الطازج ، رائحة العشب حين يبلله المطر ، رائحة الجيران وهم ينسجون شبكة معقدة من الخيوط ، خيوط ( السيتلو ) خيوط القنب وسعف النخيل ، خيوط متينة ومتشابكة تشبه من فقد سفينة بالبحر ، ابرة في كومة قش .
كنت في منزلي حيث حديقة صغيرة تضم مجوعة كبيرة من الزهور ( جوري ورازقي وليلكي ودموع الشيطان وكبسة الهميان وغلبة من فاته الزمان ) . كنت اسقي تلك الحديقة المليئة بأنواع الوحوش والسباع والهوام والضباع وافكر بيني وبين نفسي . ماذا لو ان الاقدار شاءت ان يمد احدهم خرطومه ويعبث بكل هذا السلام من حولي .
في الحياة كما في الخيال تحدث اشياء غريبة ، كأن يدخل احدهم غرفتك ويرتدي ملابسك ويعتمر طرطورك ويجلس على سريرك ويدعي انه عمك المفقود ( كبشي )
قال العم وكأنه يقرأ افكاري _ اسمع يا ابن اخي ، قد تظن اني عجوز بغير فائدة ( لا تفهمني غلطا) انا استطيع ان افعل الاعاجيب .
التقت عيناي بعينيه ، عيناه مدورتان وواسعتان ، فيهما بحور وعجاج ومراكب تمخر الاقاليم السبعة ، فيهما غابات ووحوش كاسرة تكشر عن انيابها بوجهي وتنظر الى عروق بدني ، فيهما سيوف ورماح وبنادق يخرج منها البندق وينتثر في الحقل كحبات الذرة .
أكمل بثقة _ أستطيع مساعدتك .
قلت _ بماذا ؟
اخرج العم ( كبشي ) من تحت ردائه بندقية رشاشة وناولني اياها وكأنه يناولني لعبة اطفال ، ثم اخرج كتيبة جنود مدججة بالسلاح وبضعة دبابات ومدافع وطائرات وغواصات ورادارات وضفادع بشرية وحيتان بحرية وتنانين نارية وديناصورات وحشية وكوابيس ليلية .
صرخ بصوت مبحوح _ هجوووووم .
اشتعلت الغرفة بالنار ، اشتعل العالم والمجرة والكون بالنار .
كنت احمل بندقيتي كجندي مخلص وأصوبها ناحية اهدافي وانا اختنق من الضحك .
اضافة تعليق