بسمة
بسمة
ذات عام حينما كنت صغيرا ، في السابعة او العاشرة او الرابعة عشر ، لا اذكر تماما ، ذاكرة الاطفال تشبه تفاحة غير ناضجة نتركها في الاماكن المظلمة والدافئة حتى تصبح طرية ، كذلك ذاكرة الشيوخ امثالي ، ذاكرة ملونة تشبه تفاحات ملونة اخفيها في الثلاجة ، انساها تحت الشمس ، امسح قشرتها بقطعة حرير واشحذ ما تبقى لدي من اسنان لكي آكلها .
كنت العب في الزقاق مع رفاقي ، ماذا كنا نلعب ؟ لا ادري لا اتذكر لكني اتذكر صوت المؤذن وهو يدعو للصلاة .
يصرخ بصوت اتعبه التبغ - حية على خير العمل .
لم افهم كثيرا ما يقول ولم اكن معني بما يقول ، لكن امي تحدثني دوما عن افاع تتسلل الى قبور الموتى الذين تركوا صلاتهم وتلدغهم تأكل مخاخهم وذكرياتهم .
الكثيرون كانوا يموتون ، الحروب اخذت اخوتي الكبار وجيراني كذلك اخذت صديق طفولتي ( تومان ) .
كان تومان يكبرني بعدد لا ادريه من السنين ، ربما يكبرني بخمس سنوات او عشرين سنة ، لا اتذكر ، كان بالنسبة لجسدي الصغير ذو السبع سنوات او العشر او الثلاث ، كان عملاقا هكذا كنت اراه ، يمسكني من ابطي ويقذفني في الهواء فأطير ، اطير ناحية السماء احلق تنبت لي اجنحة فلا ارغب بالعودة ثانية الى الارض .
كان جسدي صغيرا لا يزن اكثر من عدة كيلوغرامات ، كانت امي تضعني في سلة الغسيل حينما يشتد البرد ، وتتركني مع الطيور التقط رزقي حينما يغيب ابي عن المنزل ، وفي الظهيرة اتسلل من بين الاثواب والدشاديش والسراويل والجوارب واذهب الى بيت صديقي .
ما اتذكره عن بيت تومان هو غرفة واحدة وطفلة جائعة تزحف على الارض ، بسمة اسمها بسمة ، لم ار اية بسمة على شفتيها الخاليتن من الحليب ، كانت بلا أم ولا أب كان هناك اخوة صغار يملأون الحجرة ، لكنهم بدون ام او أب .
نظر تومان بعيني وقال ـ نحن جائعون ، بسمة لم تشرب حليبا منذ يومين او ثلاثة او اسبوع . ابي طرد امي من المنزل ثم غادر .
اتذكر اذا لم تخني الذاكرة واحد من الاطفال اسمه قاسم ، كان مشرقا وقويا اسنانه حادة ، قال قاسم .
- جارنا جلب لنا خبزا ، اكلت الكثير من تلك الارغفة اللذيذة وحينما شبعت جعلت من المتبقي منها مداساً .
وحينما رأى دهشتي انتعل خبزة واخذ يدوسها ـ هكذا .
اقذفني عاليا ، كنت اطير بين الغيوم والنجوم والكواكب لا اريد ان اعود ثانية لكي لا ارى اسنان بسمة وهي تأكل جص الجدران .
كالصدفة كحجارة في ظلمة كعشبة برية نمت بسمة وكبرت ، ثار نهداها كحقل ارز كينبوع حياة ، كنت اهرب معها الى سطح البيت نمثل مسرحية الام والابن ، كانت هي الام ، تخرج ثديها المليء بالحب والعطاء وتلقمني حلمتها ، ترتعش حينما ارضعها ، اشعر بارتجافة صدرها وفخذيها وحلمتيها ، لكني أمص وأمص وأمص وأمص وأمص ، لا ادري كم كان عمري آنذاك ربما كان عشرون ربما كان اربعون .
مات تومان في الحرب ، مات اخوتي الكبار وكنت في الليالي مكتملة القمر ارضع ثدي بسمة ، ارضع جص الجدران والارغفة المدافة بالاقدام واصرخ .
- اقذفني عالياً .
اضافة تعليق