احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

صائد الخنازير


مالت الشمس الى المغيب ، اهتز القصب بفعل الريح العذبة التي بدأت تهب على المكان ، وانساب المشحوف بطراوة على صفحة الماء باتجاه چباشة منفردة .
كان يجلس بداخل المشحوف فتى يافع أسمر الوجه دقيق الملامح ، يرتدي دشداشة ويشماغ ويحمل بيده بندقية ( برنو ) وحول رقبته قلادة مكونة من آذان الخنازير والخنانيص ، كانت هناك آثار دماء على ثيابه وجسده ، لكنه لم يكن يبدو مهتما لتلك الدماء ، انها مصدر عيشه ومهنته التي يحبها ويجيدها واشتهر بها . 
ما من قرية في الهور الا وارسلت بطلبه ليخلصها من تلك الخنازير الوحشية التي تهاجم البشر والجواميس ، وها هو الان في طريقه الى مضيف السيد سروط ، من أجل قتل المزيد من الخنازير . جذف الفتي بقوة ناحية الضوء الخافت المنبعث من الجباشة المنفردة ، انه يعرف من يعيش هناك ، يعرف تماماً .
اقترب من الجباشة وصاح - يا أهل الدار .
خرجت عجوز محدودبة الظهر تتوكأ على عصا وقالت - منو ، صابر ؟
- اي جده آني صابر .
خلف العجوز أطل وجه ملائكي لفتاة في الخامسة عشر من عمرها ، عينان خضراوان وبشرة حليبية لوحتها الشمس ومنحتها لون البرونز ، ومن تحت ثوبها الملون بالازهار واوراق الشجر بزغ نهدان صغيران و ضفيرة شعر شقراء غليظة .
ابتسمت الفتاة فأشرق وجهها الجميل .
ارتبك الفتي وراح يبحث في قعر الزورق ثم أخرج سمكة گطان كبيرة الحجم وقدمها للعجوز .
قالت العجوز - وين متوجه جده ؟
- رايح لمضيف السيد سروط .
- الدنيا ليل ، تعال حول عدنه ، تعشه ونام والصبح توكل جده .
هزت الفتاة رأسها وهي تبتسم ثم ركضت ناحية الصريفة واختبأت هناك تنظر له من بين شقوق القصب .
اكملت العجوز - ما عدنه أحد ، بس آني وأخيتك زنوبه بقينا . الخنازير أكلت الوادم كلها .
ربط الفتى مشحوفه بالچباشة وقال - ما عاش اليوصل يمكم جده .
اشعلت العجوز كومة مطّال ارتفع منها الدخان مطارداً اسراب البق ، فأقتربت الجاموسة من الدخان وجلست بالقرب من الفتى ثم جاء الكلب واقعى بجنبه وجاءت الدجاجات والبطات مع أفراخها وتحلقوا جميعا حول الدخان هرباً من لسعات البق .
انشغلت العجوز بتنظيف السمكة وتجهيزها ، وانشغل الفتى بتنظف بندقيته وتزييتها .
قالت العجوز - قبل يومين وصلت الخنازير يم جباشتنه . بس ربك ستر ، زنوبة السباعيّة رمت عليهم وشردتهم .
- زنوبه تعرف ترمي ؟
جاءت الفتاة وهي تحمل بيدها الفانوس وجلست قبالته والابتسامة لاتفارق شفتيها .
- طبعاً أعرف ، أصلا اني مو بس شردتهم ، كتلت واحد منهم ، حجمه كلش جبير بگد المطي ، الصبح اراويك وين مات .
قالت العجوز - زنوبة تعرف تقره وتكتب .
حدقت الفتاة للحظات بالفتى ثم انفجرت ضاحكة - شنو هذا ؟
- شنو ؟
- هدومك كلها دم ، وشنو هاي الگلاده برگبتك ؟
- هاذي اذانات الخنازير ، كل اثنين بدينار .
قالت العجوز - اي جده ، صابر يشتغل صياد ، يجيس الابره عالگصبه .
قال الفتى - وهذا دم الخنازير .
- ما يصير تتعشى وهدومك كلها دم .
قالت العجوز - الزلم ما يهمها الدم .
- بس جده ما يصير الولد ينام وهدومه كلها دم .
التفتت ناحية صابر وأكملت - ما عندك غير هاي الدشداشه ؟
- ما عندي غيرها .
نظرت الفتاة ناحية جدتها ، فنهضت العجوز ودخلت الى الصريفة وعادت وهي تحمل صرة ملابس ووضعتها أمامه - هاي هدوم المرحوم جدك ، البسها ؟
نزع صابر قلادة الخنازير من رقبته ووضعها الى جانبه ثم نزع حزام الخراطيش وافرغ جيوبه مما تحويه ونظر ناحية الفتاة التي لم ترفع عيناها منه .
قال - راح أنزع ؟
قالت الفتاة - اخذلك غطه بالماي قبل ما تبدل هدومك .
قالت العجوز - زنوبه روحي للصريفة ؟
- جده مو أخاف تهجم عليه الخنازير وهو يسبح ، لازم واحد يحرسه .
- لا ، ماكو خنازير الليله .
- والله أكو ، والله أكو .
- صابر تخاف منه الخنازير ، صابر چتالهم .
- الخنازير تطلبه بثار .
- الخنازير دواب والدواب ما يفهم .
تناولت الفتاة بندقيته البرنو والقمتها الخرطوش .
- انزل للماي وآني احرسك .
لمعت عينا الفتاة الجميلتان ببريق التحدي .
- انزل يا صابر وآني أحميك .
خلع الفتى ثوبه المدمى ، بان جسده الفتي الاسمر تحت ضوء القمر ، شمت الفتاة رائحته القوية ، رائحة دم وعرق وسمك وخنازير ، رائحة لايحملها أحد غيره في الكون كله ، رائحة فتى شجاع .
قفز صابر الى الماء وأخذ يسبح كالسمكة ، قفز خلقه الكلب وهو ينبح ثم لحقته البطات مع فراخها ، بينما اخذت الفتاة تراقبهم وهي تمسك البندقية الثقيلة .
وضعت العجوز السمكة على الجمر ففاحت رائحة شواء لذيذة ، قرقرت بطن صابر من الجوع ، رفع الكلب خطمه يشمم المكان بحذر وتوقف عن النباح ، سكتت البطات وأخذت تنظر من حولها بحذر .
تحرك القصب بعنف ، جفل صابر ، انه يعرف جيداً ما معنى ذلك ، يعرفه بحدس صياد قتل مئات الخنازير وعلّق آذانها برقبته ، يعرف ان هناك من يراقبه ، ربما تكون خنزيرة أم تكمن مع صغارها بين القصب . أو خنزير مرعوب .
رأى بوضوح عينا الخنزير الضيقتان الشريرتان ، رأى أنيابه المفترسه تلمعان من بين القصب وسمع صوته البشع ، التفت ناحية الفتاة ، كانت بعيدة عنه ، أبعد من مرمى بندقيتها ، أراد أن يقول لها انه يحلم ان يتزوجها وينجب منها صيادين كثار ، اراد ان يقول لها ان عينيها الخضراوان ملكتا قلبه وروحه ، أراد ان يقول لها ....
دوّت في أرجاء المكان طلقة ، طلقتان ، ثلاث ثم سكن كل شيء .

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق