احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

لا يفل الحديد الا الحديد



لم تكن ( الناصرية ) مدينة كبيرة كالتي نراها الان ونحن في غدونا ورواحنا ، كانت صغيرة وحميمة وجميلة ومليئة بالاشجار والنخيل ، لم تكن مغبرة وسبخة ، مثلها مثل أحلامي القديمة وانا أقلب وجوهها وقلوب ساكنيها وأنظر من البعيد الى ذلك المكان الذي أدعوه البيت .
الذكريات البعيدة جميلة ، كلها جميلة دون استثناء ، حتى الذكريات المؤلمة تضحي بمرور الزمن سعيدة ومبهجة ومرحة ، كأني في يومي هذا في ساعتي هذه أطلب المزيد منها ، كأني أريدها أن تحدث مرات ومرات لتعيد لروحي ما فقدته من مسرات ومن أحزان .
انعطف شخص يترنح الى دربونة تؤدي الي بيتين متجاورين وزعق .
- ولكم آني صبري حديد .
كان منهكاً وغارقاً بالدم .
سقط الى جانب بيته ، تمدد على الارض وضغط على جرحه عله يوقف نزيف الدم منه .
لم تكن هناك حروب كثيرة كعهدنا هذا ، كانت الحروب صغيرة ومحدودة ، لا موتى ولا شهداء ولا قديسين يضحون بدمائهم من أجل الوطن ، بل هناك شجعان ترتجف شواربهم حين يرون غريب يدلف الى حارتهم أو يقترب من حائط جاراتهم .
كان صبري حديد ، هكذا كنا نلقبه نحن الاولاد الصغار ابناء محلة الشرقية ، شاباً متين البنية فارع الطول ، عيناه سوداوان واسعتان ومخيفتان ، فيهما الكثير من الشجاعة والجرأة ، وفيهما أيضا الكثير من الحب ، الحب لناسه وجيرانه ومحلته فقط ، أما الآخرين ، الغرباء فليس لهم سوى بطش قبضتيه وقوة ساعديه .
في داخل البيتين المتجاورين الذين لم يكن يفصل ما بينهما سوى حائط واطيء ، انشغلت فتاتان بالحديث .
قالت الاولى والقلق باد علي قسمات وجهها الجميل .
- ما رجع صبري ؟
- لا ، ما رجع بعد ، راح يدوّر عليه .
- گلبي يوجعني .
- لا تخافين ماكو واحد يگدر على صبري .
قبل يومين فقط ، مر بشارعنا شاب يلفت النظر بنحافته وسمرته النقية ، كان يضع تحت ابطه كتاباً ، مر سريعاً بنا وحينما وصل الى حيث البيتين المتجاورين تسمرت عيناه ناحية الشباك الذي كانت تقف خلفه ( سميرة ) أخت صبري حديد . ابتسم لها فجاوبته البنت بقبلة هوائية .
كانت سميرة من أكثر فتيات محلتنا طيشاً وخفة ورغبة بأقامة علاقة غرامية مع أي شاب بعمرها ، لكن احداً ما لم يجروء على التقرب منها خشية من أخيها الشقي ، لذلك كانت تقضي يومها بالتنقل بين غرفتها والنافذة وسطح المنزل والدربونة الضيقة وهي تردد بغضب .
- شنو ماكو زلم بالشرقية بس صبري حديد !
عند العصر عاد الشاب ذاته الى محلتنا ووقف بجرأة عند رأس الدربونة ، رأته سميرة فركضت الى الحمام ، تزينت ولبست أجمل ثيابها ولونت شفتيها وخديها بالاحمر فبدت كحورية من حوريات عگد الصبة ، توجهت نحو الشاب وهي تبتسم بثقة ووقفت الى جانبه وأخذا يتجاذبان اطراف الحديث .
ما حًدث بعد ذلك ، لم اشهده بنفسي ، لكني سمعت عن المطاردة المثيرة التي جرت بين الشاب الاسمر وصبري حديد .
ركض صبري خلفه محاولا قتله من محلة الشرقية الى شط أبو الخيس ، لكن الفتي كان أسرع منه فزاغ منه واتجه الى صفاة سيد سعد وحاول ان يختلط بالمتسوقين ، فسمع لهاث صبري خلفه فعاود الركض الى ان وصل شارع النيل وانعطف حيث سينما البطحاء حتى وصل الى الكشك الذي يجلس بداخله عباس چولان قرب نادي الموظفين ، وصبري يلاحقه بعناد بغل ، وصل الى سينما الاندلس الصيفيه وتجنب المرور بدائرة الامن المخيفة ، قفز الي الشارع المؤدي الى بهو البلدية واتجه ناحية گراج السيارات ، التفت فوجد الرجل يلاحقه بأصرار قاتل ، دلف الى شارع عشرين وسمع صوت آذان العشاء يرتفع من جامع ست لنده ، فأسرع خطوه علي أمل ان يتعب صبري ويكف عن المطاردة ، ركض ناحية شارع ١٩ وقطعه حتي وصل الى عگد الهوى الذي بدا له خالياً من المارة باستثناء عدوه العنيد ، قاده حيث فلكة سيد هادي وانتظره هناك .
وصل صبري وهو منهك تماماً ، لكن عينيه كانتا تقدحان شراراً .
ابتسم الشاب بثقة وهو ينظر الي خصمه الذي أخذ يتنفس بصعوبة ويحاول جاهدا ان يبقي قامته منتصبه واعصابه هادئة ، دار من حوله عدة دورات وكأنه يلاعبه ، جرحه بزنده وببطنه وحاول ان يطعنه بمؤخرته حتى يسكته الى الابد ، لكن صبري حديد الغول والشقي العتيد كان يفضل ان يصاب بقلبه لا بمؤخرته . فهو قد عرف ان خصمه قد غلبه بمكره لابشجاعته ، انهكه قبل بدء المعركة ثم اثخنه بالجراح وهرب .
قالت سميرة - ربي خلصني من صبري حديد .
قالت الاخرى - ليش داده ، ليش مو أخوچ هذا ؟
- الليلة يكتلني ويكتل صاحبي .
حاول صبري ان ينهض لكن الالم شل جسده فصرخ بصوت مبحوح .
ولكم آني صبري حديد .

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق