من اناخمسة كمائن من اجل القمر
في الطريق الى كوخ العم ( مندي ) ، أبرقت السماء وأرعدت وأظلمت ، غاب نصف القمر وكأن وحشاً التهمه فأسودت الاشجار والاكواخ وأنثال المطر بغزارة حتى وصل الى ركبتي ، تبللت أجنحة الجنية ( وصال ) فحطت على كتفي ، كاد ( قرندح ) أن يغرق فتمسك بحزامي وأخذ يشخر كأنه معلق بأرجوحة .
رأيت الكوخ من بعيد يخرج منه ضوء ضعيف ، أنه كوخ العم مندي ، وحيد دهره وفريد عصره ، العلامة الفهامة الذي يستطيع تحويل المعادن الخسيسة الى ذهب ، يجعلها تلمع كسيفي كدرعي كأسنان الجنية ( وصال ) .
رأيته من النافذة يجلس قربياً من ( فانوس ) يبعث ضوء ضئيل ، انه عجوز يمسك بيده كتاباً ، صحت بأعلى صوتي - ايها العم الطيب ، أدركتنا العاصفة وبللنا المطر والقمر أفل فلم نعد نرى الطريق .
نهض العم بتثاقل وفتح لنا الباب ، ابتسم بوجوهنا مرحباً ودعانا للدخول .
قال - من أنتم يا أولاد ؟
تقدم قرندح خطوتين وقال - أنا ( قرندح )قاتل الابطال ومرمل الحسناوات ومبيد من لبس الحديد .
قالت الجنية وصال وهي تنشف أجنحتها - وصال ابنت الملك ( حلبو ) زعيم الجن .
قلت - أنا مخلص باشا أفندي من بلاد البهبهان .
رد العم مندي - بلاد البهبهان ، سمعت انها بلاد طيبة وفيرة الرزق ، ماالذي اتى بكم الى كوخي البعيد في أرض ( الناغ ) ؟ .. أخشي أنكم تبحثون عن الذهب ؟
قال قرندح - أنا أبحث عن المغامرة والاثارة والقتال ، لا يهمني الذهب ؟
قلت - يا سيدي .. الملك البهبهان هو من أرسلني بطلب الذهب ، يريد تحويل التراب الى ذهب ليصبح ملك الجهات الاربع ، وما أنا الا خادم مطيع ؟
تبسم العم وقال - انظر الى كوخي ؟
جالت عيناي بكوخه الفقير ، لم يكن يملك سوى فراش ومنضدة تتراكم فوقها الكتب .
أكمل - هل هذا منزل ساحر يحول التراب الى ذهب ؟
قالت وصال - سمعنا أنك تعرف الخلطة ، تراب ونحاس وخلطة سرية ؟
قال قرندح - أعطنا الخلطة ؟
قلت - خلطتك ستنقذ رأسي ، الملك البهبهان سيقطع رأسي أن لم آتيه بالخلطة ؟
جثوت عند قدميه وقبلتهما .
قال - اسمع يا ولدي ، أنا لا أمتلك خلطة تحول التراب الى ذهب ، لكن هناك طريقة لانقاذ رأسك .
تقافزنا من الفرح ، حمل قرندح العم مندي وأخذ يدور به في الكوخ ويهتف له .
- انزلني ايها المحارب القوي ، عمك عجوز لا يحتمل قوة ذراعيك ؟
أنزله قرندح ووضعه على فراشه وجلسنا قبالته ننصت اليه .
قال - في مثل هذه الليلة من كل عام ، يهجم وحش مفترس اسمه ( الاعور ) وحش وحيد وكئيب وجائع يطارد القمر ويحاول ابتلاعه ، القمر يهرب منه مذعوراً ويستنجد بنا ، لكن الوحش يمسك بذيله ثم يسحبه ببطء ويتلذذ بألمه وهو يلوكه ، ذلك الوحش الاعور يمتلك سناً واحدة في مقدمة فمه وعيناً واحدة في جبهته .. اذا استطعت قتل الوحش وانقاذ القمر ، أقلع عينه الوحيدة وسنه الوحيد واجلبهما لي لاصنع لك منهما خلطة سحرية تحول التراب الى ذهب .
قال قرندح - أنا لا أعرف كيف أطير ، ربما ( وصال ) تستطيع ؟
قالت وصال - استطيع أن أصل الى القمر ، لكن لا أظن انني أستطيع قتل الاعور وحدي .
التفت الجميع ناحيتي .
كنت أحتفظ بجيبي ريشة من جناح ( الكوكو ) ، أشعلتها فشم الطائر العظيم رائحتها وما هي الا اغفاءة حتى حط الطائر قرب الكوخ .
صعدنا على ظهره فقال العم مودعاً - إياكم والاستهانة ب ( الاعور ) ؟
- زعقت بالطائر - الى القمر يا صاحبي ؟
- الى القمر .. الى القمر ؟
أخترق الطائر السماء بسرعة جنونية ، فرأينا النجوم الساحرات والشهب وبعضاً من الالهة الصغار ينظرون لنا بعجب ، رأينا ( البكو والمكو ) ، رأينا ( ننسو وبنسو وتوتو ) بحثت ونقبت طويلا عن الهتي العظيمة ( قيق وبيق ومن لا يستفيق ) عسى أن أراهم وأسألهم مساعدتي على قتل الوحش الاعور وتخليص القمر .
تجاوزنا السماء الاولى والثانية والثالثة حتى وصلنا الى السابعة ، فرأينا الوحش المخيف الاسود الكئيب وهو يبتلع نصف القمر .
قال القمر حينما رآنا - هنا يا أصديقائي ، انزلوا علي ظهري وانقذوني من هذا الوحش الكريه ؟
قبل أن يحط الطائر على ظهر القمر ، قفز ( قرندح ) الشجاع والمتهور على الوحش وغرز رمحه بظهره وبقي معلقاً بالهواء ، رفرفت ( وصال ) قرب عينه الوحيدة وأخذت تضربها بأجنحتها حتى أربكته .. أخرجت حبالي ونصبت كمائني ، وضعت في طريقه خمس كمائن حديدية ، كمين الغفلة وكمين الغفوة ، كمين النعاس ، كمين الشخير وكمين ( آه يا قلبي ) .. رميت حبلي ناحية سنه الوحيدة والعظيمة وأخذت أجر وأجر وأجر ، حتى أجبرته على فتح فمه الكريه ، فهرب القمر خلص نفسه من نابه ، طار بعيدا ينظر لنا ويصفق بيديه .
سحبته بقوة ساعدي وببركات الهتي ناحية كمين الغفلة فأمسك بخاصرته ، التف كمين الغفوة حول رأسه وضغطه بشده ، خرج دخان من كمين النعاس ودخل منخريه ، أجبره كمين الشخير على النوم ، أنقض عليه كمين آه يا قلبي واستقر بقلبه فأسلم الوحش روحه .
وقفنا نتأمل ذلك الوحش الجبار المنفلت من قوانين الالهة ، المستهتر بأرواح المخلوقات وبقمرنا الوديع الجميل .
قال القمر وقد احمرت وجنتاه - شكراً لكم يا أصدقائي ؟
قال قرندح - انه لاشيء بالنسبة لي .. قل لي هل عندك أعداء آخرون لاخلصك منهم ؟
أجاب القمر - لا أعداء .. لا أعداء بعد الان .
وداعاً .. وداعاً .
عمدت الى قلع عين الوحش وسنه الوحيد ، ثم ركبنا ظهر الطائر العظيم وعدنا الى كوخ العم مندي فرحين مبتهجين ، بنجاتنا ونجاة قمرنا الحبيب .
( الليل طويل وبارد .. سأذهب لاحتطب وحينما أعود سأكمل الحكاية ) ..
اضافة تعليق