احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

حانوت الارواح العابرة



رأيتها من بعيد ، جنية طويلة الاهداب تقود امرأة عجوز ، ربما جدتها أو جارتها ، مرتا من أمام المقهى حيث كنت أبحث في وجوه العابرين عن وجه اليف ، اتجهتا ناحية المخبز حيث يعمل الولد الخبّاز الجميل ، ثم ذهبتا الى دكانة البقال والقصاب ، تتبعهما الولد الخبّاز .
لملمت أوراقي وخرجت .
كان الثلج يهمي ، كان الجو دافئاً .
انعطفتا ناحية زقاق يقطنه يونانيون فطنون ، يصنعون الحلو والاجبان وسلطة الخضار ، وقف الولد الخبّاز قرب واحد من تلك الحوانيت ، اشترى علبة حلو ذات غلاف زهري ولاحق المرأتين ، التفتت البنت الجنية ذات العينين النيليتين والاهداب الطويلة ، قطبت حاجبيها وهمست بشيء في أذن العجوز .
أسرعتا خطوهما ودخلتا في حانوت غريب ، لم الحظه من قبل ، لم أره شاخصاً في ذلك المكان ، كأنه إنبثق في تلك اللحظة ، كأنه لم يكن هناك .. توقف الولد قبالة الحانوت ، تبسم ووضع علبة الحلو على دكة الباب وغادر بخفوت .
أزحت العلبة بطرف حذائي ودخلت الحانوت .
كان كبيراً وواسعاً وغريباً ، يحوي أشياء ظريفة لم تقع عليها عيناي من قبل ، بضاعة سحر وتعاويذ وخرز ومسبحات ومحابس رسمت عليها وجوه شياطين ، وأساور نقشت عليها قرون ثعابين ، وقفت البنت خلف منضدة تعلوها كتب صفراء ، نفضت عنها الغبار وهي تنظر لي بزاوية عينيها وتتمتم ( بئر ، أفاع وسموم ) .
في زاوية غير مرئية من الحانوت ، خلف أكداس الكتب والمخطوطات الغريبة ، جلست العجوز على كرسي تنظر لي بعينين منطفئتين وخلف ظهرها وقدامها رأيت أكداساً من شدات أوراق ( التارو ) المستخدمة .
من يدري .. أصابع من مرت على تلك الاوراق المحكوكة ؟
ربما أصابع ساحرة ذات كبد تالف ، ربما ساحرة هجرتها الشياطين ؟
درت في الحانوت أبحث عن مقبض سيف .. تجولت قرب البنت وكتبها المغبرة ، شعرت بصدرها يعلو ويهبط وهي تتمتم ( سرداب ، نمور وترياق ) .
همست العجوز .
ريح خفيفة مرت بالقرب من أذني وحملت همسها .
- تعال .. تعال لترى أيامك ؟
قهقهت البنت وقالت بصوت شرير - أيام بطعم الحنظل . ساعات كالذبول .
جاوبتها العجوز وهي تقلب أوراقها المحكوكة من كثرة التقليب .
ليست كل الايام سواء .. الطالح منها لا يدوم ، الصالح منها يعود .
قلت - أبحث عن مقبض سيف أثري ، سيف قصير كهذا ؟
أخرجت من تحت ملابسي السيف الملعون .. ارتعدت فرائص الجنية ذات العينين النيليتين ورددت 
- ابعده عني .. أبعد الشر عن العيون ؟ 
قلت - اعطاني اياه عارف كان يقف عند باب قبو أو سرداب .
قال لي العارف - خذه مقابل قبلة على الكتف الايسر لا حاجة بي له ، 
قبلني على كتفي فنمت عليه رمانة بحجم قبضة اليد .
فتحت أزرار قميصي وأريتها الرمانة .
قالت - اسأل ( اريانا ) فهي سيدة التعاويذ ؟
قلت - لو قبلتيني على كتفي الايسر ربما يذهب السحر ويختفي .
قالت - شفتاي لم تخلقا للتقبيل .
قالت العجوز - اسأل ( اريانا ) عندما تظهر في الاوراق ؟
قلت - أين أجدها ؟
قالت العجوز - في أوراق التاروت .
وقفت أمام شدات التاروت القديمة ، أخترت واحدة باهتة الالوان رقيقة الاوراق من كثرة التقليب .. فتحتها فرأيت الرجل المشنوق والفارس الميت والكؤوس الستة والعصا السحرية ، ورأيت قارباً قرب مغارة في الجبل ينيرها بدر منير .
قالت العجوز وهي تصف الاوراق على شكل صليب .
- الرجل المشنوق ، هو أوقاتنا العصيبة وهو الطريق المؤدي للموت ، الفارس الميت يتكرر مرتين في الشدة الواحدة .. لا أحبه حينما يحضر ، لكنه يتملل حينما يراك ، يتتبع خطاك . الكؤوس والعصا هما عطايا الزمان كالحكمة والتجربة والخيال والحب والبغض ، انهما الحياة .
قلت - وماذا عن الاميرة الراجلة التي تجري في الغابة ؟
قالت - انها ( اريانا ) المشعبذة !
قالت البنت ذات العينين النيليتين - اسألها عن العارف الملعون ؟
قلت - بحق الحجر والشجر ، بحق النور خبريني عن العارف الملعون ، لماذا زرع فاكهته فوق كتفي ؟
نثرت العجوز الاوراق وصفتها على شكل هلال .
رأيت المشنوق والفارس الميت يتجولان في ساحة معركة ، وسط غابة من الرماح والسيوف ، رأيت السيف ذاته الذي أخفيه تحت ثيابي قرب جثة قتيل .
قالت العجوز والثلج يهمي في الخارج .
- اطعن القتيل بسيفك القصير وأخرج قبل أن ينقطع الثلج ؟
أفردت ورقة المشنوق والفارس الميت ، طعنته بكتفه الايسر .
ارتجفت يداي حينما رأيت السيف ينغرز في الورقة .
قبل أن ينقطع الثلج ، قبل أن تتجمد الاشجار والاحجار ، خرجت من الحانوت الغريب ، أعدت علبة الحلوى لمكانها وابتسمت للفتاة ذات الاهداب الطويلة ، لم أرها ، لم أر العجوز ذات العينين المنطفئتين ، لم أر الحانوت ، كأنه لم يكن هناك .

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق