احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

الجوهرة الملعونة


لزاماً علينا نحن الاخوة الثلاثة أن نأتي ب ( جوهر ) ، وهو كائن كثير الوجوم والهموم ، يعيش في جزيرة خالية وحيداً وحزيناً ، ويعتاش على حيتان ( العنبر ) ، يآكل مخاخها فقط ويرمي بقاياها للحيوانات والهوام ، ولكثرة ما التهم من تلك المخاخ العطرية نشأت في جبهته حقة أشبه بالكيس المشع الذي يخرج منه ضياء وهاج ينير الجهات الاربع كلما حرك رأسه ذات اليمين والشمال ، لذلك آحبه البحارة وعبده القراصنة وسجد له الوثنيون دون الله .
ولمثل تلك الرحلة الخطرة ، أخترت أن يرافقني أخوتي ( أحمد الرطب وأحمد اليابس ) ، وهما من أبرع الفتيان وأسرعهم وأشجعهم وأصلبهم عوداً ، فأمتطينا جيادنا وتوجهنا الى جزيرة نائية من ضمن جزر الهند القديمة يقال لها ( مدغشقر ) ، ذكرها البحارة في حكاياتهم ورسمها الرحالة على الورق وأصابعهم ترتعش من هول وشدة وصعق مخلوقها الكئيب والوحيد ( جوهر ) .
بفضل الله واتتنا ريح طيبة وأمواجاً لطيفة ورافقتنا دلافين بيضاء مبقعة بالازرق أبعدت الوحشة عن قلوبنا بقفزاتها البهلوانية وحركاتها الرشيقة ، وحينما وصلنا الجزيرة ، خيمنا على الساحل وأشعلنا النار وطبخنا سمكاً ورزاً أكلنا ثم نمنا .. رائحة الطبيخ جذبت فرس البحر ، وهو حيوان ضخم الجثة عدواني وشبق جداً يركب أي مخلوق يصادفه ، حينما رأى فرس البحر جيادنا العربية الاصيلة والرشيقة ذات الاعراف المنسدلة الطويلة ، نزا عليها بينما كنا نيام ولقحها جميعاً فحبلت الجياد في الليلة نفسها ، وكل ذلك من شدة شهوته وقوة دفعه .
في الصباح أيقظني ( أحمد الرطب وأحمد اليابس ) وأشارا الى بطون الجياد المنتفخة ، فتعجبت أشد العجب ودخت وتهت وأحترت ، فكيف لنا البحث عن ( جوهر ) وبطون الجياد منتفخة وأرجلها واهنة ورؤوسها دائخة ومعدتها متقلبة ، كيف لنا بحمل أثقالنا وامتعتنا ؟
جلست علي صخرة أفكر وأتأمل ، فاذا بفرس البحر يخرج من الماء ثانية وهو يشمم أثر جيادنا الحبلى ويتجه ناحيتها ويتعلق بواحدة منها ، ثم الثانية والثالثة وكأنه أوتي قوة الف رجل من آكلي ( السماق ) وشافطي ( البرقوق ) ، فتعجبت أشد العجب وتلفت من حولي بحثاً عن شيء أهش به الدابة عن جيادي المنهكة ، فلم أجد غير عظمة تالفة قرب الصخرة ، رميتها ناحيته فسقطت على رأسه ، في الحال تراخى فرس النهر وذهبت قوته وماعت شهوته وأصبح كالجرو وأقترب مني وأخذ يلحس أقدامي .
جاء أحمد الرطب وأحمد اليابس يتراكضان وفي كل ظنهما أن البهيمة ستأكلني .
هدأت من روعهما وأريتهما العظمة التي فعلت تلك الاعجوبة ، قلبها أحمد الرطب وقال .
- سبحان الله يضع سره في أضعف خلقه .
ثم قمنا من ساعتنا وربطنا حوائجنا على ظهر فرس البحر ومشينا في تلك الجزيرة المخيفة ، وكان كلما صادفنا وحش مفترس أو طائر لاحم هددته بالعظمة أو ضربته بها ، فيخنع ويموء كالقطة ويصبح من رفاقنا حتى أصبحت قافلتنا لها أول وليس لها آخر ، تبعتنا الاسود والفيلة والدببة والخنازير والخراتيت والاراقط والبراقط والسمندرات والرخاخ والغيلان والديوات ، وكلها تسبح بأسم الواحد القهار ، فضجت الجزيرة بالتكبير والتهليل ، وكل ذلك بفضل العظمة .
فأنشرحت صدورنا وطابت نفوسنا ، فمهمتنا أصبحت أسهل ما يكون ، بمجرد أن نرى الوحش جوهر ، نرميه بالعظمة فيقر ويخنع ويصبح مسلماً .
مشينا لاسابيع وشهور حتى وصلنا الى جبل الدخان ، وهو جبل عظيم يطاول عنان السماء ، وتظهر من قمته شعلة نور وهاجة تتحرك في كل الاتجاهات ، فعرفنا أننا وصلنا الى مقصودنا وما علينا سوى ايجاد حيلة أو تسلق الجبل للوصول الى مصدر الشعلة .
خيمنا عند سفح الجبل بانتظار الصباح ، وكنت أسمع في إناء الليل صراخاً مؤلما وآهات وأنات ، فتتبعت مصدر الصوت ووجدت جيادنا الحبلى الثلاثة في حالة طلق ، ساعدتها واشعلت لها النار فولدت ثلاثة أفراس مجنحة ، جميلة ورشيقة وخفيفة وقوية ، جربت واحداً منها وركبت ظهره فطار بي ، حلق في الفضاء حتى وصل عنان السماء وأقترب من قمة الجبل ، فرأيت ( جوهر ) .
أخذتني الرجفة من هول منظره وضخامة هامته ، فهو بين الطائر والحيوان ، جسده بحجم طاق كسرى وأرجله بطول ملوية سامرا وركبته بضخامة قبة جامع الخلاني وفخذه بعرض ( عگد الهوى ) ومؤخرته أكبر قليلا من ساحة الاحتفالات وعنقه بطول جسر السنك ومنقاره كطخماخ حجي هادي وجبهته بعرض عرش النبي سليمان ، ووسط تلك الجبهة زبرجدة متلئلئة تشع في أرجاء الدنيا ، كان في ذلك الحين نائماً فلم يرني ، قذفت ناحيته العظمة فتنبه ورأيت الحزن العميق بعينيه والوجوم باد على ملامحه ، لكن العظمة لم تفعل فعلها به .
قال وهو يتثاءب - ماذا تريد مني ، لماذا تعكر علي وحدتي ؟
قلت - أنت أصبحت فتنة فعبدك الناس من دون الله ، فأما أن تعطيني الجوهرة ، أو تكف عن أكل الحيتان فتخبو جوهرتك وتموت .
قال - لم أختر أن تظهر في جبهتي جوهرة ، ولا أريد أن أموت .
قلت - اذن أعطني الجوهرة ؟
قال - خذها ان استطعت .
فرش جناحاه العظيمان وطار في السماء وغطى القمر فأظلمت الارض من جهتي ، وأنيرت من جهته .
فأقتربت منه وقفزت على ظهره وطوقت عنقه بالمستحيلات الاربعة ( ريق الزرزور وعرق الكلب وجلد السمندر ومخالب الديوات ) .. ناخ المخلوق الرهيب واستسلم لي وأعطاني جوهرته العظيمة فوضعتها على ظهر فرس النهر وأيقظت أخوتي وسرنا باتجاه مدينتنا تتبعنا الاف المخلوقات وفوقنا يرفرف بسعادة ( جوهر ) بعد أن تخلص من جوهرته الملعونة .

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق