احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

الحكاية الشعبية

الحكاية الشعبية هي حكاية شفوية مجهولة المؤلف ، نسميها في العراق ( السالفة ) أو السالوفة ، في مصر يسمونها ( الحدوتة ) ، وفي البلدان الاخرى ( خرافة ) ، ولكل شعب من الشعوب له حكاويه الخاصة التي تتعدد أغراضها وتوجهاتها ، كأن يكون الغرض منها تعليمي أو ترفيهي ، أكثر ما يجذبني منها هو الحكايات التي رويت بغرض التسلية فقط ، لكونها تضم حشداً من الخيالات المبهرة وغير المنطقية ، كالساحرات والجان والغيلان والديوات والابطال الخيريين والاشرار .
في طفولتي سمعت الكثير من تلك الحكايات وأحببتها ، لم أحب الحكايات التي يتعهد روايتها الرجال ، فهم في الغالب يحكون عن عنترة وأبو زيد الهلالي وسيف بن ذي يزن ، وتلك الحكايات كنت أعرفها مسبقاً من خلال الكتب ، أحب الحكايات التي ترويها النساء ، فهي بالاضافة لمتعتها ورقتها وحبكتها ، هناك هدية لك بعد سماعها ، كأن تكون برتقالة أو تفاحة أو رمانة .
أتذكر أني ذهبت مع والدي الى ريف الناصرية ، فهو قد حدثني عن راوي حكايات اسمه العم حسين في مضيف ( آل ذرب ) .
كان العم حسين رجل مربوع القامة ، متين الجسد طيب القلب والسريرة ، وكعادة الفلاحين يلبس يشماغ ودشداشة عادية ، لاحظت أن جيب دشداشته متسخ بالدهون ، الاولاد بمثل سني أخبروني أن من يمسك الابريق ويصب الماء على أيدي الضيوف ، سيحصل على الكثير من اللحوم ، أكثر مما لو شاركهم الطعام ، بالفعل أمسكت الابريق وأخذت أساعد الرجال بغسل أيديهم بانتظار اللحوم الموعودة ، لم أحصل على شيء سوى السؤال الدائم .
- بويه بنيمن أنت ؟
جاء العم حسين صاحب أجمل ابتسامة رأيتها بحياتي ، ابتسامة تفيض بالحب والخجل والفضول والاعجاب ، مد يده الى جيبه وأخرج منه قطعة لحم كبيرة وأعطاها لي .
نصحني الاولاد أن لا أجلس في منتصف المضيف أو على السجاد ، فسيأتي من هو أكبر مني ويزيحني عن مكاني ، نصحوني أن أجلس قرب ( النعول ) .
بعد أن شربوا القهوة ، طلبوا من العم أن يسولف لهم ، ارتسمت على شفتيه تلك الابتسامة الساحرة وأخذ يتحدث عن مغامرة شخص ما ورحلته الى بلاد اليمن وما لاقاه من مصاعب في طريقه ، أعجبتني حكايته جداً ، لكنني كنت قد قرأت حكايات أخرى أكثر جاذبية من حكايته ، فقلت - اني عندي سالفة ؟
رويت لهم قصة ( الضفدع الفارس ) ، وهي كما أعتقد واحدة من قصص ( الاخوة جريم ) لست متأكداً ، لم يكن أسم المؤلف مطبوعاً على الكتاب الملون الذي قرأته ، وهي حكاية عن فارس وسيم يتحول بفعل السحر الي ضفدع ، ولا ينجو ويعود الى شكله السابق الا اذا حصل على قبلة من الاميرة ، كنت في ذلك الوقت لا أتجاوز الثانية عشرة من عمري ، كنت أسولف لهم وأنا غير واثق من نفسي ، أسولف وأضحك ، لكن ما بقي في ذهني من تلك الليلة ، هو الصمت المطبق الذي ساد المكان واللهفة للحكاية الغريبة التي جلبها لهم أبن المدينة الصغير ، والابتسامات العريضة المدهوشة التي ارتسمت على وجوههم فهم لم يعتادوا على سماع حكايات الشعوب الاخرى المجاورة لهم .
الرواة مثل العم حسين ، عادة لا يؤلفون تلك الحكايات ، بل هم يبحثون عنها في القرى المجاورة والمضائف ، وهم في الغالب ملتزمون جداً بسياقها الحكائي ، لا يضيفون لبنيتها شيئاً ما عدا الحوارات ، فهي تتغير حسب الفئة العمرية التي تستمع لهم .
كانت واحدة من عماتي تروي لنا الحكايات ، أتذكر حكايتها عن سلطان يصاب بوجع الرأس فينصحه الطبيب أن يتخذ له وسادة من ريش عصافير صغيرة الحجم جداً ونادرة الوجود تعيش في الغابة ، أعتقد أنها تقصد طير ( الرفراف ) ، يخرج السلطان بموكبه بحثاً عن تلك العصافير الصغيرة ، الغريب أني قرأت حكاية تشبه تلك تعود الى أحدى الشعوب الاوربية ، اسمها ( طائر الهوى ) ، ولها نفس السياق والاحداث ، الملك يعجز عن صيد العصافير لصعوبة رؤيتها ، فينصحه الحكيم أن يقف وسط الغابة ويصرخ .
- أحزني يا طيور ، ابكي يا طيور ، فقد مات طائر الهوى .
حينما تسمع الطيور النداء ، تحزن ويتساقط ريشها ، فيجمعه الملك ليصنع منه وسادة .
بالنسبة أحب كتابة الحكاية ، انها تمثل لي نوعاً من الهروب من الواقع ، أكتبها حينما أكون خائفاً ويائساً ومفلساً وكئيباً ومحاصراً بمتطلبات حياتنا العصرية ، أهرب من تلك الضغوطات الى عالم الحكاية ، فهو يوفر لي مساحة هائلة أختبيء بها بعيداً عن الواقع ، مع الحوريات والجنيات والبطولات الخارقة ، فترتسم على شفتي ابتسامة تشبه ابتسامة العم حسين ، فأهرول الى الثلاجة بحثاً عن نصف رمانة أهديها لنفسي .

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق