احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

حفلة من اجل المرحوم



دخل الى شارع المدينة الرئيس حيث يتجمع الناس عادة ويتبضعون ، موكب غريب ، أربعة شبان يحملون نعشاً ، كانوا يسيرون بصعوبة نتيجة ثقل ما يحملون ، وجوهههم شديدة السمرة ، لوحتها الشمس والغبار ، أعمارهم متقاربة وكذلك ملامحهم ، فهم يبدون كأنهم أشقاء أو توائم .

لاحقهم بعض الصبية في بداية الأمر ، ثم رافقهم بعض الشيوخ والنساء اللواتي لا يجدن عملاً سوى البكاء وذرف الدموع على أي عابر مسكين .

تضخم الموكب بمرور الوقت ، فالمدينة الغارقة بالرتابة والملل ، لا تعرف أحداثاً كبرى مثل ذلك الحدث ، كما أنها لا تعرف الموتى كثيراً ، لم تكن هناك حروب ولا نزاعات ولا مقابر حتى .

موتى المدينة يذهبون الى النجف عادة حيث يرحب بهم الموتى الآخرون .

حاول بعض الناس مساعدة الشبان الأربعة بحمل النعش ، لكنهم رفضوا عروضهم بأدب وواصلوا سيرهم يتبعهم الحشد المتضخم الصامت .

تجرأ واحد من الشيوخ وسأل .

- الى أين تأخذون المرحوم ؟

- الى المقبرة . أجاب كبيرهم .

- ربما أنتم مخطأون ، ليس بمدينتنا مقبرة .

وضع الشبان التابوت على الأرض .

قال كبيرهم - اليست هذه الناصرية ؟

غمغم الجمع - انها الناصرية .

- المرحوم قبل أن يموت ، أخبرنا أنه يريد أن يدفن بمدينته .

- ليس بمدينتنا مقبرة ، إذهبوا الى النجف ؟

تحير الشبان وتملموا ثم جلسوا على الأرض قرب النعش لا يدرون ما يفعلون .

مع مضي الوقت تفرق الناس عنهم وأصبح الشارع خالياً الا من رجل سكران إقترب منهم بحذر ، نظر الى الشبان المتشابهين والى التابوت وقال .

- مرحباً شباب ؟

لم يجبه أحد ، التعب والحزن والخيبة من عدم وجود مقبرة جعلت منهم غير راغبين بالحديث مع سكران ، إقترب منهم أكثر ثم جلس بقربهم .

- كيف مات المرحوم ؟

أخرج من تحت ثوبه ربعية عرق وشرب منها .

- هل دهسته سيارة مثلاً ، أم أنه موت طبيعي ؟

ناول ربعيته الى أكبرهم وغمز له ، فتناولها الرجل وأخذ منها رشفة وأعطاها لأخيه .

دارت الربعية عليهم جميعاً حتى وصلت فارغة للسكران .

قال - هلو ، هلو .. الجماعة يبدو عطشانين ؟

- جداً . قالوا بصوت واحد .

وقف السكران ونظر الى المدينة الفارغة وقال .

- ملعونة هذه المدينة تنام مع غروب الشمس ، ولا يبقى مكان مستيقظ فيها سوى ( البار ) . اتبعوني ؟ 

قام الأخوة وحملوا التابوت وساروا خلف السكران ناحية البار .

كان البار فارغاً تلك الليلة بإستثناء صاحبه وهو رجل طويل ونحيف بارز الفكين

دخل الأخوة بضجة وطرحوا التابوت وسط البار ووقفوا ينظرون له بحزن .

تحرك صاحب البار بسرعة وجلب لهم الكراسي ووزعها حول التابوت ، ثم جلب لهم بطل عرق وأقداح وثلج ثم وضعها على التابوت .

فتح السكران البطل وملأ الأقداح وزعق - بصحتكم اخوان .

شربوا كؤوسهم الأولى بصمت وحزن ، عند القدح الثالث لعبت الخمرة برؤوسهم فذهب عنهم الحزن والخجل وأخذوا يتحدثون ويتضاحكون ويتبادلون الأنخاب .

قال السكران وهو يمسح بقايا ( الجاجيك ) من على شاربيه .

- وماذا عن المرحوم ؟

- ماذا عنه ؟

- المسكين محصور بالتابوت .

فتح صاحب البار قنينة عرق أخرى وجلس قربهم .

قال - على حسابي .

شربوا القنينة الثانية والثالثة .

قال السكران - ماذا عن المرحوم ؟

قالوا - ماذا عنه ؟

- لا يجوز تركه مخنوقاً بالتابوت .

- نعم ، لا يجوز ، انه صاحبنا وصديقنا ، لا يجوز تركه وحيداً .

تعاونوا على فتح التابوب ورفع غطائه فبان داخله رجل متيبس وعلى شفتيه ابتسامة رضا .

قال السكران - سبحان الله ، أنه فرحان بموته .

أمسكه من تحت إبطيه وأخرجه من مكانه ووضعه على الكرسي وأخذ يتأمله .

- صاحبنا يحتاج الى ربعية عرق حتى يذهب لربه وهو مرتاح ؟

وافقه الباقون على رأيه وسقوا صاحبهم الميت بضعة أقداح قوية .

للعرق فعل عجيب بالناس ، فهو يقرب البعيد ، ويبعد القريب ويخلط أشكال الناس ببعضها ويربك من يشرب منه كثيراً . كما أنه يحفظ أجساد الموتى من التحلل .

كميات العرق الكثيرة التي أغرقت المرحوم ، جعلت منه أشبه بالحي . وما عاد يحتاج شيئاً سوى النطق .

قال السكران - صاحبنا المرحوم يحتاج الى هواء نقي ، لنأخذه بنزهة ؟

ردد خلفه جمع السكارى - طبعاً ، طبعاً .

وضعوا المرحوم وسطهم وخرجوا من البار .

في الطريق الخالي والمظلم أخذوا يغنون ويرقصون ، الغريب هو أن المرحوم أفلت من أيديهم وأخذ يتمرجح ، يأتي بحركات كالرقص ويصدر أصواتاً كالغناء ويكرع من البطل مباشرة كما يفعلون .

توجهوا ناحية گراج السيارات .

ودع الأخوة مضيفهم السكران ، الكريم والشهم وصعدوا إحدى السيارات الذاهبة الى البصرة دون أن يتذكروا المرحوم .

بعد أن غادروا تلفت السكران من حوله وغمغم - أين ذهب المرحوم ؟

بحث من حوله وهز رأسه .

- ربما ذهب لبيتهم فهو أصلاً إبن هذه المدينة ويعرف الطريق جيداً .

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق