احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

اللمبجي



كان ( داود اللمبجي ) طويل القامة بافراط ، أطول بكثير من ( كرجي ) ، أطول من أي رجل سكن بغداد في الأربعينيات من القرن الفائت ، وكان كرجي يبحث عن رجل طويل من أجل إيقاد اللمبات في الليل ، فبغداد في ذلك العهد لم تكن تعرف الكهرباء ، كانت شوارعها تضاء بالفوانيس ، ومثل تلك المهمة تحتاج رجل طويل بافراط بحيث لا يحتاج سلماً .
أثناء دوران كرجي في الأسواق والمقاهي باحثاً عن بغيته ، لفت نظره شاب بهي الطلعة فارع الطول ، يرتدي ثوباً ويلف رأسه بعصفورية ويضع سترته على كتفه ممسكاً بها بأصبعه ، فعرف أنه بغيته ، تعرف عليه وعرض عليه أن يشتغل ( لمبجياً ) فهو قد خلق لمثل تلك المهنة التي ستمنحه راتباً ثابتاً بالاضافة الى سيل إكراميات ستأتيه من حيث لا يعلم .
وافق داود على العمل في محلة ( الصابونجية ) .
سار داود الي جانب رفيقة اليهودي المرح كرجي .. أدخله كرجي الى أزقة المحلة وهو يريه ما يجب عليه فعله ويعرفه على جيرانه الجدد وأين سيسكن .. عرفه على أشهر وأغنى بيوتها .
قال - هذا بيت ريمة أم العظام . وهذا بيت بدرية السودة ، وهذا بيت بدرية السواس ، وهذا بيت نزهة الحلوة .
رفع داود حاجبيه متعجباً ، فهو لم يسمع من قبل ببيوت تنسب للنساء ، لكن كرجي طمأنه بأنه سيرتاح كثيراً بعمله وسيحصل على مال كثير .
إتجها ناحية بيت جميل المنظر واسع الحديقة .
قال كرجي - هذا بيت بنات مراد ؟
فتح الباب وزعق بصوته الرخو - ريجينا ، مسعودة ، روزة ، سليمة ؟
أطلت أربع بنات حسناوات ، غارقات بالكسل والنعاس .. فغر داود فمه متعجباً ، فمنظر البنات نصف العاريات أخرسه ، فهو طيلة حياته لم ير شعر امرأة غريبة .
قال كرجي - لگيته .. أطول واحد ببغداد . راح يضوي الصابونجية كلها !
قالت ريجينا وهي تمط شفتيها - شايفه أطول منه هواي .
قهقهت البنات وأخذن يخمن طوله ، فهو يقارب المترين ، بحيث لو وقفت ريجينا على أكتاف مسعودة ، ستكونان بطوله .
قالت سليمة وهي تغمز أخواتها - يفيد ؟
- كلش يفيد .
رفعت صوتها - فطوم .. فطوم ؟
جاءت بنت كرجية اسمها فطوم بنت الصمنجي ، شعرها أشقر وعيونها زرق كزرقة السماء ، جميلة ورقيقة كنسمة هواء .
شهقت حالما وقع بصرها على دواد ، ضربت بكفها على صدرها وصرخت .
- يمه .. شنو هذا ؟
- هذا داود اللمبجي .
تبسم داود للبنت الجميلة وعدّل وضع ( عصفورتيه ) ، وضعها بشكل مائل .
قالت سليمة - إعتني به وعلميه الشغل ؟ 
قالت فطوم - تعال وراي ؟
أخذته للمطبخ وأطعمته وهي تثرثر - دير بالك زين من أثنين ، حسين فخري كاتب العدل ، هذا يفتر وراي صارله سنة ، كلش غيار ، ودير بالك من ناظم الغزالي .
ردد داود - ناظم الغزالي !
- اي هذا يحب سليمة .. الباقين مو مهمين ، بس خنزر عليهم راح يخافون .
ثم أرته كيف يرفع صدره ويحدق بعيون الزبائن مباشرة ، وكيف يطوح بعصفوريته عند الحاجة .
- بس عفية ، لا تبسطهم ؟
تبسم داود وفتل شاربه وقال - واللمبات ؟
- ما راح تاخذ منك أكثر من ساعة ، ساعتين .. شغلك هنا بالبيت .
عند حلول الظلام بدأت ( الربلات ) تقف أما البيت ، نزل منها رجال يبدو عليهم الثراء والأهمية .
جاء ( حمدي بك ) موظف السفارة التركية مع شلته من الأفندية ، وجاء حسين فخري كانب العدل ، فهربت فطوم واختبأت في واحدة من الغرف ، كما حضر المطرب ناظم الغزالي والشاعر الملا عبود الكرخي وبعض الأعيان من موظفي الدولة .
جلست سليمة باشا الى جانب ناظم الغزالي وأخذا يغنيان كالبلابل سوية ، هز حسين فخري رأسه طرباً وعيناه تبحثان عن فتاة أحلامه فطوم ، دارت الكؤوس وداخت الرؤوس .
قام حسين فخري كاتب العدل ورفع كأسه وقال - فطوم .. فطوم ؟
صاح الجمع خلفه - فطوم ، فطوم ؟
ظهرت فطوم بملابس الرقص ، حدق بها داود طويلاً ، فشعر بحب جارف نحوها ، حب لجسدها الوردي وصدرها الواسع وشعرها الأشقر ، ففتل شاربه ووقف بالمرصاد لتحرشات كاتب العدل .
رقصت فطوم طويلاً ، شع جسدها ولمعت حبات العرق على أثدائها ، فقفز كاتب العدل عليها وأمسك خصرها ثم أخذ يراقصها .
كانت فطوم قلقة وخائفة منه ، وكانت عيناها الجميلتان تتضرعان لداود .
جذبها كاتب العدل من ذراعها وأراد أن يأخذها لأحدى الغرف .
قالت فطوم - داود .. داود ؟
كما علمته فطوم ، خلع عصفوريته وصفع بها الهواء مهدداً ، لكن طرفها الحاد كالشفرة أصاب وجه كاتب العدل ، فسال منه الدم .
جن جنون الرجل فأمسك بتلابيب داود وأخذ يضربه ، توقفت الموسيقى ، كفت سليمة باشا عن الغناء ، صمت ناظم الغزالي ، وساد البيت سكون قاتل .
إرتجفت شوارب داود ، فحمل كاتب العدل الى ما فوق رأسه ، دار به عدة دورات ورماه على الفرقة الموسيقية ، حيث يجلس الملا عبود الكرخي ، سقط كاتب العدل فوق الملا عبود وسبب كسراً بأنفه .
ذلك الكسر المؤلم هو الذي جعل الملا يحقد كثيراً على داود ويشمت به حينما مات .
حيث قال .
مات اللمبجي داود وعلومه .... قوموا اليوم دنعزي فطومة .

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق