احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

حرب التونة

كان جاري في الخيمة المجاورة ، محمد حلاوة لايدخن الا اذا أكل حلاوة ، لذلك فهو يجمع ما يحصل عليه من جكاير الى حين يرأف بنا السعوديون ويعطوننا حلاوة ، فتجمعت لديه أعداداً كبيرة من أنواع واشكال الجكاير العزيزة على قلوبنا جميعا ، ومحمد لا يدخنها ولا يعطيها لأحد بانتظار وصول الحلاوة . وكنت كلما ضاقت بي السبل للحصول الدخان أذهب اليه راجيا ان يعطيني مما أعطاه الله ، لكنه بقي مصرا على عناده ، يهز رأسه نافيا ويقول .
- انت عزيز علي رياض ، بس انت ما شايفني من أحصل حلاوة ، معمل جكاير سومر كله ما يكفيني .
- ولو أبو جاسم ؟ 
- وداعتك ما أقدر ، موبس معمل سومر ، حتى معمل روثمن ما يكفيني ، 
في ظهيرة حارة وخانقة وساخنة تخشى فيها أخراج اصبعك من الخيمة خوفا عليه من الأنصهار ، جاء تحسين ابن الملاية الى خيمتي وهو يتصبب عرقا ، رفع غطاء بابها ومد خشمه الطويل ثم قال .
- تبيع تونة ؟ 
- طبعا أبيع .
أنا لا أحب التونة ولا آكل التونة في مثل ذلك الحر الجهنمي ، ولا أظن ان أحداً غيري يفعل . كما أني لا امتلك فتاحة علب ، فتكدست في خيمتي علب التونة وقد أخذت تضايقني بوجودها غير المرحب به .
قال وهو يمسح العرق بكم قميصه .
- كل عشر قواطي تونه بجكارة .
كعادتي دائما حينما يتعلق الأمر بالدخان ، أحاول أن أساوم ، عادة سيئة أكتسبتها بعد معاناة وطول حرمان . 
قلت وأنا في شك من نجاح المقاولة الجديدة - كل خمس قواطي بجكارة ؟
- مو مشكلة .
دخل الى خيمتي وأخذت أعد معه القواطي وأحاول ان أغالطه في العد ، فهو كما يبدو لا يعرف كيفية العد أو لا يهتم ، وحينما انتهينا ناولني علبة دخان كاملة . وزعق .
- توني .. توني ؟ 
دخل ( توني ) وهو شاب طويل يضع على رأسه قبعة مكسيكية مصنوعة من المطاط ، ويحمل على ظهره كيس مليء بعلب التونة ، طرحه على الأرض وأضاف اليه ما أشتراه مني وخرج وهو ينوء بحمله الثقيل ، ثم دخلا الى الخيمة المجاورة .
قلت بسري - خرب عرضك توني ، شكد تحب التونه ؟
لا غرابة بذلك ، الرجل أسمه توني ، ويبدو أنهم أسموه بذلك لشدة تعلقه بأسماك التونة . وبالعافية عليه ما دمت قد حصلت على كفايتي من الدخان ، ولو ليوم واحد .
عند العصر ، حينما أعتدل الجو قليلا خرجت من الخيمة وفي جيبي علبة السجائر ، وبفمي واحدة وعلى أذني واحدة ، وجدت محمد حلاوة جالسا يرقب طريق مرور الشاحنات ، عسى ولعل احداها تحمل لنا حلاوة ، حتى يستطيع التدخين .
قذفت ناحيته واحدة ، فتناولها بغير اهتمام ووضعها بجيبه .
قلت - ما وصلت الحلاوة ؟
- لا ، ما وصلت بعد .
تجولت حول الخيمة ، رفعت نظري الى السماء ، نحو الشمس ، لاجديد تحتها ، مجرد تجمعات من خمسة أفراد أو أكثر ، يلبسون أحذية رياضية ويلفون رؤوسهم باليشاميغ ويؤدون حركات رياضية عنيفة لا تتناسب مع الهدوء الحذر الذي يغلف المكان .
اتجهت ناحية الجامع فوجدت الأنبياء الأربعة قد أحاطوا الجامع بالحبال والحفر والأسلاك الشائكة وربما بالالغام ، ذهبت الى مقر الحزب الشيوعي فاذا هو فارغ تماما من الرفاق ، حتى شهاب المعلم أخذ اجازة اجبارية وترك الحزب وممتلكات الحزب .
رجعت الى الخيمة فوجدت أبو زمان واقفا يدخن وعلى وجهه ابتسامة .
قلت - شكو ماكو أبو زمان ؟
قال - ماكو شي ، الجماعة راح يتعاركون .
قلت بلهفة - منو وي منو . سولفلي ؟
- جماعة البصرة ، وجماعة الناصرية .
أشعلت جكارة ثانية بحماس وقلت - منو راح يكتل ؟
- بعدين تبين .. علي كراوي الله ما يحمله ، وجواد أبو راسين بعد أضرب .
كان كراوي هو من يقود حملة أهالي الناصرية ، وجواد أبو راسين زعيم أهالي البصرة ، وهو شاب قوي البنية من صبخة العرب ، يحمل على كتفيه رأسا ضخماً جداً ، يناطح به الأعمدة والخيام والصخور والناس وكل ما يصادفه من أشياء صلبة تحتاج الى التحطيم .
ككل المعارك البدائية تبدأ بمناوشات خفيفة وسباب وتهديد ووعيد وخطب .
وكان على الزعيمين أن يقولا شيئا قبل بدأ المعركة .
خرج جواد أبو راسين يتقلب وينظر عن يمينه وشماله بحذر ، وقف وسط الشبك وزعق .
- ولك كراوي ، أذا انت زلمة وتدعي المرجلة اطلع من خيمتك ولا تظل لابد مثل النسوان .
أستدارت جميع الرؤوس والعيون ناحية خيمة كراوي بانتظار خروجه الميمون .
مرت دقائق ثقيلة وبطيئة ، لكن كراوي لم يحرك ساكنا ولم يخرج من خيمته .
استدارت الرؤوس والعيون ناحية أبو راسين بانتظار ما سيقوله .
قال - الجبان جبان ولو قلدته مدفعا .
تعالت ضحكات جماعة البصرة ، وتصاعدت أصوات الاستنكار ومشتقاته ، ثم خرج شاعر البصرة ومهوالها ( احمد الخصيبي ) وهو شاب نحيف يرتدي غترة بيضاء ودشداشة رمادية وقال .
- ها ها ها ؟.
أجابه الجمع - ها .
قال - ( احنه عكارب 
احنه حيايه 
احنه سباع .
احنه ولد الملحة ، احنه الما تلمنه الكاع 
احنه الكسرنه خشم صدام ، احنه سباع ) 
الى آخر القصيدة التي عدد بها كافة أنواع الزواحف المؤذية والقاتلة والسامة والمخيفة والتي يرتعش منها البدن . ثم ختمها بهوسة. 
( يمه البصرة إبنج بايع روحه ، يمه البصرة إبنج بايع روحه )
حصلت حركة مريبة ، جعلت من جميع الرؤوس والعيون تذهب ناحية خيمة كراوي التي خرج منها قدر ضخم يحمله تحسين ابن الملاية وعلي قزموز ويجلس بداخله علي كراوي وهو يدخن بغير اهتمام وخلفه جماعته ومريديه . ووضعوه على مسافة من العصابة الهائجة .
قال كراوي من قعر قدره مخاطبا جواد أبو راسين .
- تأبى الصقور أكل الجيفا ، ويأبى البطل مصارعة النغلا !
انتظمت العصابتان على شكل صفوف ، وأخذوا يتقدمون ويتأخرون ويتناوشون ، بينما علي كراوي بقي جالسا بقدره يدخن ويوجه سير المعركة البطيئة . لكن لا أحد يجروء على الهجوم والالتحام ، مجرد سباب وتهديد ووعيد .
فجأة زعق كراوي بكلمة السر ( الناصرية أم الولايات ) .
جاء ( توني ) يركض وهو يحمل كيس التونة الضخم على ظهره ، وحينما توسط جماعته طرحه على الأرض وفتحه كاشفا عن السلاح السري ( قواطي التونة ) ، تناولها جماعته بسرعة وانهالوا بها ضربا على جواد أبو راسين وجماعته .
تقافزت القواطي في كل مكان وانتشرت كالقنابل العنقودية ، على الرؤوس وعلى الصدور والبطون والأكتاف فهرب جماعة البصرة وهم مخضبون بدماء المعركة .
معركة التونة الشهيرة التي توج بها كراوي كزعيم أوحد للمخيم بأكلمه .
بقي جواد أبو راسين واقفا وهو يحاول ان يحمي جسده من من قواطي التونة يصرخ .
- كراوي .. ولك كراوي ، هيه عركة نسوان ، لو عركة خوش ولد ؟
أجابه كرواوي من قعر قدره وهو يقهقه .
- الحرب خدعة يا حيوان !

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق