احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

عباس الصدر


كانت مدينة الناصرية وسوق الشيوخ والشطرة، من المدن والحواضن المهمة للحزب الشيوعي في بداية السبعينيات حتى نهايتها، وكانت المدارس والأعداديات والثانويات تعج بالطلبة الشيوعيين المتحمسين للتغيير والثورة.. الحياة جميلة وواعدة والوطن ثري، المدرسون يلهبون حماس طلبتهم ويطالبونهم ببذل المزيد من العمل، الناس تردد ( وطن حر وشعب سعيد ) وتتغنى بالرفيق فهد وسلام عادل وتتحدث عنهم كرموز يجب الاقتداء بها، الأهل والأصدقاء والجيران كلهم شيوعيون، لا تجد في المدينة أية مظاهر للدين، هناك جامع كبير في الناصرية يرفع الآذان في أوقاته وهناك حسينية السيد راضي لا يرتادها أحد سوى السيد وصحبه، هناك جامع الست ( لنده )، تلطم به النسوان في أيام عاشوراء، لكن في المقابل هناك أربع سينمات ومقراً للحزب وقاعة البهو وكازينوهات وأماكن لهو ومكتبة عامة وهناك الكثير الذي يبشر بحياة واعدة.
عند بداية الحرب وفي أوج قوة البعثيين بدأنا نسمع بحزب الدعوة، حزب غامض خرج من السراديب وبطون كتب الشيعة، حزب مليء برائحة البخور والتعاويذ والأدعية والخيرة وسور القرآن ، حزب مليء بالغيبيات، فلم يجد له أية أرضية يستند عليها في الناصرية.
أتذكر أنني في أول أيام الانتفاضة كنت أخرج مع صديقي ( معين ) في مظاهرات بمنطقتنا مع الأهل والجيران وبقية الأصدقاء ل ( نهوس ) ضد الظلم والهزائم، فلم يكن لدينا أية هوسة نهوس بها سوى ( هههووو هههووو هاها ) . ( هههييي هههييي هههووو ). فجأة خرج صوت من الجمع يردد كما سمعت آنذاك ( وينه الصگر وينه ، ضيعوا گبره علينه )! 
وأخذ يلطم والناس تلطم معه.
سألت معين - منو الصگر؟
- والله ما أدري منو الصگر!
لا شرقية ولا غربية، جمهورية اسلامية.
المعسكر كله خيام، ولكل خيمة اسم تمتاز به، لكن أغربها هي خيمة المعجزات حيث يعيش عباس ابن العالم الديني محمد باقر الصدر. في خيمته يصرخ الجن برؤوس المؤمنين وتتقافز المعجزات بأرجاء المعسكر ككرات ملونة، نلتقطها ونحن في طريقنا الى الحمامات أو المطبخ وكان عباس يوزع بركاته وصلواته على أتباعه ومريديه وهو جالس قرب سجادة الصلاة.
مع مرور الوقت أخذ الناس يسمعون بظهور أبن للسيد الصدر يعيش بين ظهرانينا، فامتلأ الشبك بالوافدين من كل المعسكرات، رجال بلحى مشذبة، رجال بجباه مختومة بختم الايمان يتقاطرون على تلك الخيمة ، يأكلون فضلة طعام ابن الصدر ويستحمون بوسخ غسيله ويقبلون الأرض التي يمشي عليها ويجلبون له الهدايا والنذور ويلطخون خيمته بالحناء حتى أصبح عباس كالامام الرضا خليفة المسلمين.
عباس لا يخرج من الخيمة، لا يجلب قصعة مثلنا، لا يذهب الى الحمامات ولا الى الجامع، نسمع به ولا نراه، نلتقط معجزاته من أفواه المؤمنين فلا ندري ان كانت حقيقة أم وهم، بصاقه مقدس يشفي من به برص، أصابعه تورق بالبرتقال والليمون والبركه، ريحه كريح الجنة، نوره كمشكاة خدوده كخدود الولدان المخلدون، فرعه في الأرض وأصله في السماء.
معجزات، معجزات لا حصر لها.
ذات يوم أصيبت عيني بالرمد، ألم مزعج وخوف من أن أصبح أعوراً، فيلقبوني برياض الأعور انتظرت ليومين عسى أن تشفى، لكنها ازدادت سوءا،نصحني الأصدقاء أن اداويها بالرماد وماء القصيم، داويتها ولم تشفى، لم يكن هناك طبيب لأستشيره، أو حتى مضمد فقررت الذهاب الى خيمة عباس عسى أن يشفيها.
كانت خيمته واسعة تغص بحشود المصلين والمؤمنين وتدوي بالصلاة على محمد وال محمد، رجال من كل الأشكال والألوان يحيطون بعباس ويتمسحون به.
كان عباس جالساً على سجادة الصلاة وقد وضع قدامه قرآن صغير الحجم وتربة حسينية ومسبحة سوداء ويحدق بالفراغ دون أن ينطق، وهناك رجل يحمل صورة السيد الصدر يقف خلف عباس ويضعها قريبا من أذنه ليبين الناس أوجه الشبه بينهما، ثم يهز رأسه بعلامة التعجب ويردد سبحان الله سبحان الله.
كل من في الخيمة لا يتحدثون الا عن شبه عباس بوالده المفترض ويتطلعون بوجهه وبالصورة المعروضة ثم يعودون الى أماكنهم ويرددون سبحان الله.
مثل الجميع أقتربت من عباس بعيني الوحيدة ونظرت الى صورة الرجل الخمسيني بوجهه الممتليء وذقنه وعمامته، ثم نظرت الى صاحبي عباس ذو الوجه المستطيل والعينان الفارغتان من أي تعبير فلم أجد أي تشابه بينهما.
قلت:- سيدنا ما تطيب عيني؟
مد السيد عباس يده خلف ظهره وأخرج نعال لاستيك وضربني على عيني.
صرخ الجمع - اللهم صلي على محمد وال محمد.
آلمتني الضربة كثيرا حتى كدت أبكي.
- ليش هيج أبو خضير؟
لوح عباس بنعاله اللاستيكي ثانية وهزه بوجهي فتراجعت الى الخلف محاولا الهرب.
قال عباس - الزموه ، ما تطيب عينه الا بسبع نعل.
ركضت بكل ما أوتيت من قوة وأنا أمسك عيني المتورمة، لكن الكثير من الأيدي أعترضت طريقي وأجلستني قدامه ثانية.
كنت ألمح ابتسامة ماكرة على شفتيه، لا تشبه ابتسامة الرجل الخمسيني.
قال وهو يضربني ثانية وثالثة وخامسة وسابعة.
: - الله، محمد، علي، حسن، حسين، فاطمة.
قلت: - سيدنا أصحاب الكساء خمسة مو سبعة، كافي لا تضربني طابت عيني!


اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق