احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

عراقيون افغان


لم اكن أعرف أن هناك عراقيون أفغان، سمعت بالنبط والزنج والزط والبلوش، لكنني لم أصادف عراقياً من أصل أفغاني..
التقيته يجر حماراً محملاً بالأعشاب، طبيب جوال يبادل أعشابه السحرية بريالات قليلة أو بلا ثمن شاب مليح أبيض البشرة أزرق العينين يبتسم لك بحب كأنه يعشقك، يجس موضع الألم بأصابع خبير وينفحك قبضة أعشاب جمعها من الصحراء المجاورة أو زرعها بحديقته الصغيرة.
اسمه (جمشير) مازلت أتذكر ابتسامته الجميلة وعينيه الجميلتين وحماره (عجيب) الذي يستجيب لحركات جمشير ويفهم كلامه: قف يا عجيب؟
يتوقف الحمار..استدر يا عجيب، تحرك يا عجيب، لاتحرن يا عجيب؟
كنت أعاني من صداع مزمن نتيجة القلق والخوف، الخوف من الترحيل كما حدث للعديد من الرفاق، كانوا يحملون رفاقنا ويضعونهم في شاحنات ويرمونهم على الحدود بين أسنان الضباع المنتظرة،، الضباع الجائعة التي تشتهي لحومنا ودمائنا.
عرفت أنهم رحلوا شبكاً كاملاً بمن فيه، في ذلك الشبك أصدقاء أعرفهم وأحبهم، أكلت وشربت معهم، جميعاً انتهوا في قبر واحد، قبر يضم مئتي جثة أو أكثر، قبر يضم أجساداً لشباب كان حلمهم الوحيد هو الحرية.
صداع لايتركني، مطارق تصعد وتهبط مع الأخبار السيئة التي لاتنقطع، لم تنفع محاولات الاسترخاء الكاذبة ولا التفسح بين الأشباك وحيداً والنظر الى أشباح نور المدن البعيدة.
كان الوقت مساءاً حين برز أمامي رجل يجر حماراً خلفه ويتحادث معه.
- سنرحل يا عجيب عن هذا المكان سنعود للجبال، سآخذك معي الى بيتنا حيث تنبت الأعشاب كما الرمل هنا، سنعيش في قريتنا وسنتزوج سوية صدقني يا عجيب.. ثق بي يا ولد؟
هز عجيب رأسه وأظهر أسنانه.
قلت - من أين الأخوة؟ 
قال - من أفغانستان.. اسمي جمشير وهذا أخي عجيب.
أحنى الحمار رأسه بالتحية.
قلت - أفغانستان!
ابتسم جمشير وكشف عن أسنانه الجميلة المنتظمة وقال.
- أصلا من افغانستان، لكنني ولدت في النجف والدي رجل دين وطالب علم، جاء الى العراق قبل أن أنولد وتزوج وعاش ومات هناك.
قلت - هل هنا الكثير منكم؟
قال - نعم، نحن نعيش في شبك منفصل بعيد عنكم شاركنا جميعاً بالقتال الى جانبكم.
أشار بيده الى البعيد وأكمل - هناك خيامنا ومعسكرنا يسموننا الأشباك المثالية.
ضحك بسخرية - ليست لدينا مشاكل مع السعوديين، لسنا مثلكم لانبحث عن المتاعب أنا وعجيب نساعد الناس، نساعد المرضى..
قلت - هل أنت طبيب؟
- انا عشاب.. طبيب أعشاب تعلمت هذه المهنة من والدي..اليس كذلك يا عجيب؟
أطلق الحمار صوتاً وكأنه يقول نعم.
قلت وانا أمسك رأسي - عندي صداع قاتل ومزمن.
- بسبب القلق.. كلنا قلقون؟
مد كفه بخرج الحمار وأخرج صندوقاً وفتحه بحذر.
- لا أريد ان تختلط الروائح ببعضها سأعطيك عشبة نعناع، عليك أن تغليها وتستنشق بخارها.
قلت - هل ستنفعني؟
- لوقت قصير، لكن اذا أردت علاجا دائمياً تعال معي الي شبكنا؟
كانت الشمس قد غابت منذ وقت طويل وأخذ الظلام يزحف على الأرض الصفراء.
- لسنا بعيدين عنكم مسيرة ساعتين.
حث عجيب على المشي..
مشيت الى جانبه، كان أقصر قامة مني وأكثر أمتلاءاً.
- انها فرصة تتعرف فيها على أخوتك الأفغان تأكل الرز البخاري واللحم البخاري وتلتقي بالشيخ (ظفار)أسد الله الغالب.
كنا نصادف بالطريق الصحراوي أشخاصاً ملثمون باليشاميغ أو حاسري الرؤوس ونصادف دوريات الجيش السعودي، لانلقي عليهم التحية في الغالب بل نتجب طريقهم ولاننظر بوجوهم. 
سمعت همهمة خفيضة وشتائم تخرج من حفرة، دفعني الفضول للتقرب منها مددت رأسي فوجدت خمسة رجال جالسين وسط تلك الحفرة يتشاتمون أو يشتمون أحداً ما، لم أستطع أن أميز وجوههم بسبب الظلمة نظروا ناحيتي ورأيت الشرر يتطاير من أعينهم.
صرخ جمشير - تعال.. ماذا تفعل هناك؟ 
قلت - هناك ناس في الحفرة.
- مو شغلك.. تعال؟
ركض عجيب حينما رأى أضوية المعسكر وركضنا وراءه.
شممت رائحة طبيخ فواحة ورائحة ناس مختلفين وسمعت أصواتاً ترتل القرآن و (المقتل) بلغة غريبة، لكنني أستطعت فهم بعض منها، أعرف القصة الأزلية التي لاتنتهي، قصة البطل الذي خرج على الظلم، البطل الذي نشبهه جميعا ونقتل بسببه كل يوم.
كان بعض الأفغان يلبسون ملابسهم التقليدية، العمة المهيبة والسروال والحزام وينظرون بحذر واستغراب ناحيتي.. كنت أتمسك بخرج (عجيب) وأحاول أن أكون ودودا وأبتسم بالوجوه العابسة غير المرحبة.
كانوا يختلفون عنا كثيراً.. أكثر قوة وبأساً، عيونهم أكثر شراسة ويمتثلون لرأي رجل واحد الشيخ ( ظفار) أسد الله الغالب. 
كان الشيخ ظفار: رجلا قوياً مهيباً يجلس وسط أتباعه ويلبس ملابس الأفغان التقليدية ويضع على رأسه العمامة البيضاء ويتحدث بخفوت وثقة.
نظر ناحية جمشير ثم ناحيتي.
جلسنا في الخيمة الكبيرة، كنت كالأبله لاأفهم شيئاً من اللغط الدائر حولي، أبتسم فقط وأتطلع بالوجوه الصارمة.. تحادث معهم جمشير.. ابتسم الشيخ ظفار وأحنى رأسه مرحباً، ابتسم لي الآخرون.
بعد العشاء طلب مني جمشير أن أتمدد على ظهري وأسترخي من أجل إجراء العلاج ووضع على جبهتي قطعة شاش غليظة.
قام الشيخ من مكانه وقرب فمه من جبهتي وعضها بقوة بحثاً عن عرق يعلمه.
سمعت صوت طقة خفيفية اختفى على أثرها الصداع المزمن الى يومنا هذا.
كثيراً ما أفكر لو لم ألتق بجمشير وعجيب وظفار وغيرهم من الناس لو لم أكن في ذلك المكان الغريب..
لو بقيت بمدينتي القديمة هل سأكون الشخص نفسه الذي لم يغادر مدينته، أم أكون الشخص الجالس في هذه الغرفة في هذه اللحظة الحميمة!

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق