احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

رائحة الريف١


كان الريف وطبيعته الخلابة يوفران لي ما كنت أتوق اليه "الحرية" وهذا ما لم أكن أجده في مدينتي التي هي أشبه بالقرية العصرية منها بالمدينة، بضعة شوارع مبلطة تغرق بالوحل مع أول مطرة وتعاني من ملوحة مياه الشرب ونقص في إمدادات الكهرباء، لذلك لم يكن صعباً بالنسبة لي أن أهاجر الى الريف غير أسف على المباهج التي من المفترض أن أحصل عليها كفرد مديني، لكنما أن تعيش في ربض الأرض غير أن تعيش في كنف العائلة. إذ تعين علي أن أحصل على قوتي بمفردي فليس هناك من شيء يسمى "ثلاث وجبات" منتظمة تطبخها لي أمي وتضعها بحب أمامي لألتهمها كالفرس. بل عليّ إستخراجها أو صيدها أو أربط معدتي بيشماغي بانتظار فرصة حظ طيبة أو مناسبة غير متوقعة كمأتم أو حفلة عرس.
كان أعمامي يتوزعون على عدة قرى تبعد عن بعضها البعض الآخر عدة أميال، بعضهم بقي متمسكاً بزراعة القمح والشعير فقط وهذا طريق الفقر والعوز، وآخرون إقتطعوا بخجل قطعة أرض خصبة تركوا نساءهم يزرعنها بالخضروات من أجل إحتياجات البيت ومنعوا أنفسهم من العمل بها حتى لاتلتصق بهم شتيمة (الحساوية)، لكنهم كانوا بالطبع يأكلون من قطعة الأرض تلك أكثر مما يأكلون من حقول قمحهم.
- طعام لاحتياجات البيت فقط.. هكذا كانوا يقولون.
عمي الأصغر كان أكثر شطارة منهم جميعاً، أرضه كانت مرصعة بكروم العنب ومصائد الثعالب وصناديق العرق والويسكي المهيأة للتهريب الى الكويت، لذلك كدت أقتل حينما أقتربت من بستانه المظلم الذي تكاد لاتجد له مدخلاً الا إذا كنت تعرف من أين تلجه بالضبط.
كنت في ذلك الحين في بداية مراهقتي، مبروم الجسد كأبن عرس، أشتمل على خنجر و (مكوار) وأضع يشماغي على كتفي كمن يبحث عن فريسة، وبمجرد أن أزحت سعف النخيل عن طريقي رأيت إحدى عشرة بندقية متوجهة نحوي.
كانت تلك البنادق تعود لأبناء عمي الذين لم يسبق لهم إن رأوني.
لا أريد أن أشغل نفسي بالحديث عن تعارفنا، لكن ما رأيته وخبرته عن حياتهم يجعلني أشعر بالخجل من حياتي التي عشتها قبل أن ألتقي بهم، فهم رغم تقاربهم في العمر متزوجون بأكثر من واحدة ولديهم أطفال وخيول وأسلحة وعشيقات ونقود ورحلات تهريب الى الكويت.
إما أنا فلم يكن لدي شيء سوى أني ذهبت للمدرسة وقرأت كتباً، إن ذلك لايساوي خردلة في عرفهم حتى أني فشلت في لعبة البول أبعد منهم عندما أخرج كل منهم عضوه الضخم وأخذ يطرطش الى مسافة غير معقولة.
طريق الرجولة لايبدأ في الجري بحقول الكروم ومطاردة الثعالب ومحاولة صيدها بالمكوار، إن ذلك من عبث الطفولة، وأنا قد عبرت تلك المرحلة ببضع سنوات لذلك رفضت أن أمسك الأبريق وأصب على أيدي الضيوف مقابل قطعة لحم يحملها لي ضيف رقيق القلب بل كنت أجلس مثل أبناء عمي الشاكي السلاح وهم بكامل زينتهم الحربية وأحزمتهم المليئة بالخراطيش وبنادقهم المزيتة التي يضعونها قدامهم ويجلسون متربعين في المضيف كأنصاف الهة.. لذلك كنت مستعداً لفعل أي شيء للحصول على بندقية بدلاً من الخنجر و (صخرية) بدلاً من المكوار، لكنما رقة كفي وأصابعي التي كانت مثار سخرية وإستهجان، فتلك الكف الرقيقة التي لاتعرف مسك المنجل وتكريب النخيل غير جديرة بعد بمسك بندقية، بل أمامها طريق طويل لتخشوشن وتغلظ وتنبت بها جروح وتغضنات وتقرحات وآلام.
جوبهت رغبتي بامتلاك سلاح بالرفض من عمي، فعلي أولاً أن أحصل على سلاحي بنقودي الخاصة وأنا خلو منها تماماً حيث ظننت أني لن أحتاجها بعد الآن مادمت أعيش على الطبيعة وهذا وهم قديم، وعمي لن يعطيني سلاحاً فقلع ضرس دون مخدر من أضراسه أهون عليه من التفريط ببندقية.


اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق