احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

شياطين نيويورك واشباحها



بلا شك انها مفارقة مؤلمة ، حينما كنت أعيش في الناصرية وهي مدينة متخلفة بكل المقاييس ، كنت أتوق للعيش بمدينة كبيرة ومتحضرة ، أحلم بباريس وأتنهد ، أحلم بروما ونيويورك ومدريد ، دون أن أعرف أو أفكر للحظة كيف سأعيش هناك ، كيف أتفاهم مع الناس ؟ أين أسكن ومن أين لي المال لانام مع الشقراوات وأتبادل معهن اقداح النبيذ الغالي ؟
وحينما دار الزمن دورته وجدت نفسي صدفة أعيش في نيويورك ، أصابني الرعب فأخذت أحلم بالعودة الى الرحم القديم ، أحلم بكوخ في قرية نائية من قرى الناصرية ، أرعى الاغنام وأقتات على التمر واشرب من الابار ، على ان أعيش هنا.
بحثت طويلا عن منزل رخيص بعيد عن المدينة ، حتى وجدت ضالتي في اعلان بجريدة ، اتصلت بالرقم فوصلني صوت واهن تبينت ان صاحبه رجل كبير بالسن .
بمجرد ان سألته عن البيت قال - من أي بلد أنت ؟
قلت - من العراق .
صمت الرجل لدقيقة ثم قال - المنزل قديم ومتهالك ويحتاج الى ترميم .
قلت - سأحاول اصلاح ما أقدر عليه .
- انا أعرف أنكم شعب كسول ، لكني سأجرب ، تعال لرؤيتي غداً .
استأجرت سيارة تاكسي للوصول الى المكان الذي بدا لي خارج امريكا حيث استقبلني الرجل العجوز ذاته الذي كلمته في الهاتف .
قال بمجرد ان رآني - هذا انت ايها الجرذ ؟
كان بديناً ومرحاً ، لم تكن تبدو عليه اية علامات كراهية رغم لسانه البذيء .
قال - تعال معي ايها النغل العراقي ، هذا المنزل ابن القحبة يحتاج الى عمل كثير ، لن اطالبك بايجار اذا عملت جهدك ونكته جيداً .
كان المنزل مخيفاً ، بناء قديم مخلع الابواب والشبابيك ومغطى بأكمله بالنباتات المتسلقة والاحراش والادغال ، شعرت بالخوف واردت العودة ادراجي .
قال وكأنه حدس ما افكر به - لوكنت مكانك لما رفضت العرض ، انا عجوز فاسق ولا استطيع نيك كل هذه الاحراش النغولة ، هناك في المستودع كل ما تحتاج من ادوات وعدد كما ان هناك بندقية صيد قحبة ، لا تخطيء اي طيز في هذا الكون الخايس ، يمكنك صيد الغزلان ذوات المؤخرات السمينة في أوقات فراغك ، واذا لم تجد ما تطلق عليه النار اقتل نفسك ونكون بذلك قد خلصناً العالم من عراقي نغل .
ثم صافحني بحرارة وهو يقول - نيك روحك زين في هذا حفرة الخراء هذه .
ادار محرك سيارته وقبل ان يغادر قال - ما أسمك ؟
قلت - سعيد .
قال - ما معنى سعيد ؟
- فرحان .
- ابن القحبة ، لا يبدو عليك اية علامة من علامات السعادة ، انا يدعوني الناس العم ( دوفوس ) ، اسم شرير ولامع ، احبه كقحابي ، الان وداعاً يا سعيد ، سأعود بعد شهر لارى طيزك .
بعد ان غادر انتابتني نوبة شريرة من الضحك ، دخلت الى المستودع وانا اقهقه ، كنت اريد ان ارى البندقية واطلق النار على الهواء والاشجار أو على آي شيء يتحرك .
كان المستودع مليئاً بالاطعمة المعلبة والفواكه واللحوم المجففة وادوات الشغل والاخشاب والمسامير والمناشير ، وبداخل صندرق وجدت البندقية تستقر هناك مع عدد وفير من الخراطيش .
قلبتها وانا اشعر بسعادة غامرة ، انها قديمة ربما تعود لجد العجوز دوفوس ، ربما قتلت هذه البندقية العديد من الهنود الحمر ، لكنها كانت بحالة جيدة ، ثقيلة وأخممصها صنع من خشب ( الاوك ) وفيه زخارف جميلة تصور قروداً يطاردها صقر ، الصقر في هذه البلاد مقدس ، اياك ان تطلق النار علي الصقور ، سيأخذونك الى السجن ويعاملونك دون رحمة ، في السابق كانوا يعلقون من يقتل صقراً على الشجرة مع الزنوج الفارين ، اما اليوم فلا احد يقتل صقراً ، ان رأيت صقراً سأقتله نكاية بالسافل البذيء دوفوس .
القمت البندقية خرطوشين وملئت جيوبي بالعتاد واخذت اتجول بالجوار .
المنزل بعيد جداً عن المدينة والاسواق ، لا أحد بالقرب مني ، تسكعت بالمكان الموحش ، مشيت لما يقرب من الخمسة كيلو مترات حول المكان ، فلم ار اي شيء سوي الاشجار والاحراش ونهر صغير يجري به الماء بسرعة ، عدت ادراجي الى المنزل وتطلعت به جيداً ، انه يحتاج الي جوقة عمال مهرة ، وانا مجرد عراقي كسول كما يظن دوفوس .
رتبت غرفتي ونظفتها من الغبار وبيوت العناكب وفرشتها واصلحت الباب والنوافذ ثم جلست في الشرفة والى جانبي بندقيتي العزيزة كواحد من احفاد الكاوبوي بانتظار هندي أحمر .
كنت اشعر بسعادة غامرة ، انا حر اخيراً ، وهل هناك شيء أجمل من الحرية ، سأقضي حياتي هنا وان شعرت بالملل سأطلق النار على رأسي وأخلص العالم من فم يحتاج الى طعام ، سأوفر لقمات لطفل جائع في افريقيا .
عند المساء اشعلت ناراً وطبخت عليها عشائي كأجدادي القدماء اصحاب الهور والمشاحيف والجواميس حينما يعودون من يوم عمل شاق ، أخذت أغني مثلهم ( أون ) ، أنين يأتي حتى وانا في قمة السعادة والنشوة ، أنين موجع ايقظ حيواة المنزل القديم ، أعاد الروح لساكنيه القدامى ، أجداد النذل دوفوس ، رعاة البقر العنيفين ، فرأيت أو هكذا بدا لي راعي بقر مع كلبين يرافقانه يتجه نحوي في الظلمة .
كان أول درس تعلمته في غربتي هو أن لا أثق بالغرباء ، لا آكل من طعامهم ولا اريهم ما بجيبي ولا ابوح لهم بشخصيتي ، وضعت اصبعي على الزناد وزعقت .
- من هناك ؟
- لا تخف ، انا دوفوس الصغير ، جئت لاطعم الجد .
كان شاباً في العشرين من عمره ، طويلا ووسيماً وازرق العينين يشبه دوفوس الاب حينما كان شاباً ، تحدث الولد مع الكلبين الضخمين .
- انه صديقنا الجديد .
اقترب الكلبان مني وأخذا يلعقان أصابع قدمي .
قال وهو يبتسم - انهما يرحبان بك ، اعجبتهما ملوحة قدميك .
ثم دخل الى المنزل .
هل هناك من يشاركني السكن ، لماذا لم يخبرني دوفوس البذيء؟
انتظرت طويلا حتى يغادر وعندما يئست دخلت الى المنزل فوجدته في المطبخ يجلس مع رجل عجوز أكل عليه الدهر وشرب .
قال العجوز الهرم - لافرق بينه وبين الهنود الحمر .
- كلا يا جدي ، انه عراقي .
- لا افهم ، انه زنجي أذن ؟ اسمع غداً سنذهب لصيد الهنود سأعطيك دولارات مقابل كل رأس .
ابتسم الشاب وقال - ان جدي مخرّف ، لا عليك منه .
قال العجوز - صدقني ان لم نقتلهم سيقتلوننا .
- اسكت ايها العجوز ؟
- سترى ما يحدث الليلة ، ربما سيهاجموننا عند الفجر ، كن يقظاً يا كاوبوي .
دخلت الى غرفتي واستلقيت على الفراش .
عند الفجر سمعت اطلاق نار كثيف ينطلق من المنزل .
رفعت رأسي بحذر والقيت نظرة الى الخارج ، رأيت العجوز الهرم وقد أعتمر قبعة ووضع سيكارا بزاوية فمه وهو يركض بخفة في كل الاتجاهات ويطلق النار ، وحينما رآني قال بهمس .
- كاوبوي ، كاوبوي ، تعال هنا وساعدني بقتل هؤلاء المتوحشين .
ثم مد يده بجيب بنطاله وأخرج دولاراً فضياً وقذفه ناحيتي .
- سأعطيك مثل هذا على كل رأس .
قلبت الدولار الفضي بأصابعي ، انه يعادل مئة دولار في زمننا هذا .
قلت - نعم يا كولونيل ، انا من يحمي ظهرك .
أشهرت بندقيتي على صقر يحوم حول المكان واطلقت عليه النار نكاية بدوفوس السافل . هوى الصقر وسقط بين الاشجار ، قفزت وانا أهلهل وأصرخ - قتلت زعيم الهنود ايها الكولونيل .
- عظيم عظيم ، قتلت الزعيم ابو ريشة ، خذ هذه خمسة دولارات .
اطلقت النار بكل الاتجاهات وعلى أي شيء يتحرك ، والكولونيل يهبني المزيد من قطعه الثمينة .
وبين لحظة وأخرى يلتفت الي ويقول .
- هل حقاً قتلت كل هذا العدد من الهنود ؟
- بالطبع يا سيدي فأنا عراقي لا أجيد شيئاً سوى القتل .

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق