احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

حفلة تنكرية


لفت نظري اعلان عن شقق سكنية رخيصة ، مبالغ برخصها ، فسارعت بالتعاقد مع مالكها على عقد مدته سنة كاملة ، وفي حالة اخلالي بالعقد ستترتب على ذلك غرامة باهضة ، في اليوم التالي نقلت أغراضي وفراشي الى الشقة الفارهة التي تقع في عمارة ضخمة تطل على مركز المدينة .
كنت فرحاً ومبتهجاً بالمكان الجديد وأردت أن أكون اجتماعياً وصديقاً للجميع ، فأخذت أسلم وأتحادث مع كل من يصادفني من سكان العمارة ، أداعب الصغار وأدخل البهجة على قلوب العجائز وأتغزل بالفتيات وأتحدث بالصيد والويسكي مع الرجال ، لكن ما لا حظته كان غريباً بعض الشيء ، اذ أن كل ساكني العمارة كانوا متعبين وعيونهم حمر وشعرهم منكوش كأنهم لم يناموا منذ أيام ، ربما هناك الكثير من اللهو والمرح والحفلات التي تتطلب منهم السهر الى الصباح ، عسى ولعل أن يصيبني شيء من ذلك فألهو معهم وأمرح لازيل عن وجهي بعض من بقايا الكآبة اللعينة .
ذهبت الى السوق ، أشتريت نبيذاً وفاكهة ودخاناً وعدت فرحاً مستبشراً ضاحك الاسارير ، أمني نفسي بليلة أو ليال صاخبة .
تركت باب الشقة موارباً ورحت أعد المائدة والمزة والعشاء ، وحينما حلّ المساء سمعت جلبة وصراخ وناس يركضون ، قلت لنفسي ، لابد أن الحفلة قد بدأت وها أنا أسمع صرخات المراهقات الشبقات وتنهدات النساء وبكاء العجائز على أيامهن الافلة .
أمسكت قنينة النبيذ وفتحتها بضجة لاعلن لسكان العمارة بأن الرجل الفحل العراقي مستعد للنزال ، فلتتهيأ النساء المخذولات والعاشقات الخائبات لخير أنيس ، تصاعدت الضجة في المكان ، ناس يهرولون ، ناس يمشون سريعاً ويتلفتون بقلق .
وقفت في الممر وبيدي النبيذ ومفتاح القناني والسيجارة عالقة بزاوية فمي .
رأيت عائلة بيضاء متلفعة بشراشف بيضاء يتقدمون نحوي ، رجل وزوجته وبنته وابنه ، هكذا حدست ، تقدموا ناحيتي ببطء وهم يدمدمون ، أخذت جرعة من النبيذ ، تحلقت العائلة حولي وأخذوا يدورون حولي ويدمدمون .
قلت - أها ، انها حفلة تنكرية اذاً .
لحسن الحظ كنت أمتلك عمامة أشتريها قبل فترة من محل هندي وثوب باكستاني وحذاء طنبوري ، طلبت من العائلة بكل أدب أن ينتظروني حتى أبدل ثيابي وأذهب معهم الى مكان الحفلة ، لكنهم كانوا يدمدمون ويزأرون ويشخرون دون أن يقولوا شيئاً مفيداً .
بدلت ملابسي على عجل ، نظرت لنفسي بالمرآة وضحكت بثقة من سيسلب لب المحتفلات والمحتفلين ، بعمامتي هذه وذقني وشارباي وهيئتي التي تشبه هيئة أمير شرقي مفلس ، سوف تتساقط تحت قدمي كل مباهج ومفاتن الحفلة وسوف لن أرحم لا صغيرة ولاكبيرة ولاقل وداعاً لايام الحرمان .
كانت العائلة المدمدمة تتحرك بشقتي بخفة ، تخترق الجدران وتدخل في القدور وتخرج منها ، تتزحلق على المواعين ، البنت الشيطانة أكلت عشائي والولد الشفاف أكل مزتي ، الاب شرب نبيذي وحطم أقداحي الكريستالية الثمينة ، الام قلبت خزانة ثيابي كأنها تبحث عن شيء ، كل هذا لايهم فأنا لم أشارك بحياتي ولا مرة واحدة بحفلة تنكرية .
قلت للعائلة - أنا جاهز يا أولاد .
خرجت من الشقة أتبختر بملابسي الهندية والعائلة المشاغبة تدوي حول رأسي ، بعضهم يطير وبعضهم يرفرف وبعضهم يرتجف . عزوت كل ذلك للحفلة التنكرية ومستلزماتها ، فهؤلاء الناس يفعلون أي شيء من أجل اللهو والضحك ، تمشينا في ممر العمارة ناحية المصعد .
- الى الطابق السفلي .
انفتح باب المصعد فوجدت جمع من الناس يختبأون هناك وقد تكوموا حول بعضهم البعض الاخر ، حالما رأوني صرخوا بذعر وهربوا بكل الاتجاهات .
- شبح هندي ، شبح هندي .
قلت وانا أضحك - نحن ذاهبون للحفلة التنكرية .
التفت الى العائلة التي ترافقني وقلت - اسألوا هذه العائلة الكريمة اذا لم تصدقوني .
تصاعد لغط الهاربين .
- شبح هندي ، هذا ما نحتاجه الان ، يا الهي كأن لم تكفنا أربعة أشباح ، كيف سنتفاهم مع الهندي ربما لا يتحدث الانكليزية ؟ سآخذ دروساً بالهندي يا سيدي دعني أنام .
قلت وانا أقهقه - ستنامين يا عزيزتي في شقتي اذا رغبت .
- لاداعي للدروس الهندية فأنا أتكلم مثلكم ، يا لها من حفلة تنكرية ها ها ها .
- خمسة أشباح ، كلا كلا ، ليست هناك أشباح ، انها مجرد أوهام وخزعبلات .
تقدم ناحيتي كبير العائلة الشرشفية ووضع أنفه بأنفي وقال 
- ماذا تقصد بالخمسة ، نحن أربعة أشباح فقط ؟
قلت - أربعة أم خمسة متنكرين ، لايهم فالحفلة تحتاج الى الكثير من الابتكار والابداع .
- لكنك لست شبحاً ؟
- بالطبع يا سيدي ، لو كنت شبحاً لما لبست ملابس هندي ، للبست شرشفاً أبيض .
- لكننا أشباح العمارة ، أشباح حقيقيون !
رفعت العمامة من على رأسي ، حككت شعري ، وضعت العمامة من جديد .
ركضت كأني لم أركض بحياتي وانا أصرخ .
طناطلة ، طناطلة .

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق