احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

ريشة في مهب الريح


لا أعرف كيف تحدث الاشياء من حولي ، كأن القدر هو من يختارها ويضعها بطريقي ، وما علي سوى تقبلها بصدر رحب سواء كانت خيرة أو شريرة ، سواء كانت نافعة أو ضارة ، معظمها كانت غير مناسبة لي ، لكن ماذا عليّ أن أفعل ؟
انه قدري وعلي أن أتطامن معه وأتقبله بروح من لا يجيد خياراته ولا يتحكم بحياته ، هكذا ولدت وهكذا عشت وسأعيش ، إن كان حسناً فقد تمتعت به وإن كان سيئاً فقد تحملت تبعاته .
كريشة في مهب الريح تنقلت من بيتنا الصغير الى خيمة في الصحراء كلاجيء ، ثم الى مدن كبيرة وصغيرة ، مدن ملونة بالناس والشجر والانهار ، لكن يبقى المكان الاثير لنفسي هو المنزل حيث أعيش وأمارس حياتي الطبيعية ، أقرأ أو أكتب ، أستمع للموسيقى أو أشاهد فيلماً أو أتطلع للجيران أو أفكر بسرقة البنك المجاور لشقتي .
لم أفكر أن أصبح غنياً لولا وجود ذلك البنك اللعين بالقرب مني ، أراه كل يوم وكل ساعة ولحظة ، ناس مهندمين بالغي النظافة والاناقة ، يدخلون ويخرجون محملين بالمال ، وأرى مديرة البنك وهي ترمقني من خلال نافذتها بشزر كلما وجدتني أحدق ببنايتها المحصنة .
ابتسم لها كأي جار من جيراني وأمني نفسي بالحصول على المفتاح الضخم الذي تعلقه برقبتها وتخفيه بين نهديها الوافرين .
لا أخفيكم سراً ، أنا آحب الحياة الرخية وتدخين السيگار الغالي والنبيذ الجيد والسيارات الفارهة ، مثلكم تماماً ، من منا لايحب أن يكون غنياً حتى لو سرق بنكاً ؟
ككل الاشياء ابتدأت كلعبة ، مجرد تمضية وقت ، أحصيت عدد النوافذ والكاميرات ومواقعها والحراس الذين يبقون بالداخل ، انه مجرد حارس واحد ، وقت دخول المال وخروجه ، ما أحتاجه من وقت للهرب قبل وصول الشرطة ، عملية نظيفة هكذا كنت أردد مع نفسي . ثم أعيش حياتي بالطول والعرض ، أذهب الى كاليفورنيا وأشتري سفينة عظيمة مع ملاحيها وابحر حول العالم ، الى افريقيا واسيا وكل أصقاع الارض ، انفث دخان سيگاري بوجه العالم واقهقه .
ربما تعرفون أو لا تعرفون أن مركز المدينة وقاعها ، يمتليء بناس مثلي ، عرب وسود ومهيكو وبعض من البيض ، خليط غريب من المهاجرين حيث تنتشر تجارة المخدرات والبغاء والسلع المسروقة التي تباع بثمن بخس وتنشر الجريمة المنظمة ، هناك عصابة ( إريان بروذرز ) القذرة ، وجماعة ( ويست سايد ) التي يديرها السود ، ثم جماعة ( مهيكو ) المكسيكية المتوحشة ، وسط ذلك المكان ينتصب ذلك البنك اللعين متحدياً فقر الجميع وعوزهم ، يحرسه العم سام وهو يبتسم متحدياً ، وبالقرب منه .. أعيش أنا حيث لاقيمة لاي شيء باستثناء تلك الاوراق الخضراء .
كنت في أغلب الاحيان التقي بجماعة الويست سايد ، فهم سود طيبو القلب ومعظمهم من المسلمين ، لدي منهم أصدقاء جيدين أذهب معهم الى البار حيث نقضي معظم الوقت بالحديث عن العنصرية وما نلاقيه من صعوبات مع الشرطة نتيجة لون بشرتنا .
هناك تعرفت على صديقي العزيز ( شورتي ) ، وهو شاب في منتصف العشرينات من عمره ، قصير القامة ، مليح القسمات ، هاديء الطباع ويفكر بسرقة البنك أيضاً .
بعد أن تبادلنا عدة كؤوس من البيرة السوداء وأكلنا عدة أطباق من أجنحة الدجاج ، أسر لي أنه يحتاج الي رفيق يساعده بسرقة البنك ، شخص كتوم وذكي وجريء وسريع وشجاع وقوي ، وانه وجد كل هذه الصفات تتوفر بي .
لم أرد أن أقول له ، أني ربما أكون ذكياً وكتوماً وشجاعاً ، لكن جريئاً وسريعاً وقوياً فتلك صفات لا امتلكها ، فأنا على أقل من مهلي في أي شيء أعمله ، لذلك لم أنجز شيء بحياتي ، وبنيتي تبدو قوية لكنها في الحقيقة مجرد وهم ، أما عن الجرأة فأنا خلو منها تماماً .
كان يتحدث بجدية قاتلة واصرار غريب على تنفيذ الخطة في أقرب وقت ، والخطة عبقرية في بعض نواحيها وهي أن ندخل الى البنك وقت افتتاحه ، نلبس بذلات أنيقة ونظارات غامقة وقبعات ونحمل حقائب رسمية وشارات تشي بأننا مفتشين من شرطة الخزينة . 
عملية نظيفة ودون دماء .
خرجنا من البار ونحن نترنح قليلاً ، وذهبنا الى محل العم ( براوني ) للملابس المستعملة ، أختار شورتي ملابس صارخة الالوان وباروكة حمراء ونظارة غامقة أطارها مزركش وقبعة واسعة وحقيبة محاسب من القرن الفائت ، فبدا لي كأنه مهرج في طريقه الى الاستعراض .
أما أنا فأرتديت بذلة سوداء ومعطف رمادي وباروكة رمادية وقبعة ايرلندية ومظلة شمسية وحقيبة كبيرة ، وقفنا أمام العم براوني ونحن بكامل تخفينا لندفع الحساب .
قهقه العم بصوت مجلجل وقال .
- نگرز ، هل أنتم ذاهبون لسرقة البنك المجاور ؟
تنحنح شورتي وقال - كلا ، نحن لسنا لصوصاً .
- نگرز ، أنتم لصوص وأن أي شرطي سيوقفكم وإنتم بهذه الهيأة .
- لماذا يوقفنا ، نحن نلبس ما يعجبنا ؟
- نگرز ، أنا أقسم ، أنتم ذاهبون لسرقة البنك .
بمجرد أن خرجنا من محل الملابس ، أغلق الرجل متجره وأخذ بملاحقتنا وهو يتحدث بتلفونه .
قال شورتي - انظر الى هذا العجوز سيخبر المدينة كلها عن وجهتنا .
واصلنا سيرنا ونحن نتلفت . 
أنظم الى العم براوني بضعة أشخاص ، ثم أخذ العدد بالتزايد ، كل يهاتف أصدقاءه ويحدثهم عن سرقة البنك المحتملة ، وكل منهم يريد حصته من تلك السرقة .
حينما اقتربنا من البنك حيث تقع شقتي ، وجدنا الشارع غاصاً بالناس والشرطة ومحطات التلفزيون .
اقترب منا رئيس الشرطة وهو يشير لنا بعصاه .
- هؤلاء هم اللصوص ، هل أنتم اللصوص ؟
اقتربت مني مذيعة التلفزيون وقالت - ما الذي ستفعله بكل هذه الاموال التي سرقتها ؟
- كم هي حجم الاموال المسروقة ؟
- ما هي مشاريعكم ؟
قال رئيس الشرطة - أروني كيف ستسرقون البنك ؟
قال شورتي - أصبحنا مشهورين .
قلت. - لنذهب الي شقتي ونكمل شربنا ونواصل حديثنا .
كان التلفاز يعرض صور أشهر لصين في أمريكا .

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق

05:49م | 29 حزيران، 2013
استمتعت جداً بقراءة تلك السطور , دمت سحراً للحروف .