احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

الكاتب


رغم أ ن المسافة بين شقتي ومقبرة المدينة لا تعدو سوى خطوات قليلة ، الا انني لم أفكر بزيارة ذلك المكان الكئيب والبارد ، فما حاجتي لزيارته وأنا أطل عليه من نافذتي عند الصباح والمساء ، عندما آكل وأنام ، أنه مجرد حديقة جميلة ، نظيفة ومرتبة ينام بها الموتى ، ما حاجتي لزيارة الموتى ، فأنا غريب تماماً عن هذه المدينة ، غريب عن هذا العالم ووحيد قطعاً ، لم أتزوج ولم انجب أحداً ، ليس لدي مغامرات أدت لموت أحد لكي أزوره وأرى المقبرة من الداخل .
كان جميع العاملين في تلك المقبرة ،يسكنون في العمارة التي أعيش فيها ، الدفانين والحدقجية وصانعي الرخام ( ومدون السيّر ) أقصد سيّر الموتى ، حيثيات حياتهم ، منذ الولادة حتى نزولهم الى تلك الحفرة . ( المدوّن ) يعيش في الشقة الملاصقة لشقتي ، وهو شاب أشقر طويل القامة مليح القسمات ، كثير الوجوم ، كعادة الكتّاب ، فهو كاتب أيضاً مثله مثل كاتب العرائض وكاتب الرسائل وكاتب القصص ، كثير التوهان والسرحان في مشاكل الموتي وكيفية صياغة سيرهم وحياتهم الافلة .
كنت في بعض الاحيان أتبادل معه أطراف الحديث عن الادب والحياة ، عن حياتي هناك ، أحدثه بمرارة عما عشته ورأيته ، أحدثه عن الكتاب الذين أحببتهم أمثال ، بوتزاتي ، سالنجر ، حسن ناصر ، فيرفع المدون حاجبيه بدهشة وينقر بأصابعه على المنضدة ويقول - إسمع ، مع احترامي لمؤلفيك المبدعين ، لكن يبدو أنك لم تطلع على الاداب الاخرى ، 
قلت - بالطبع لا أستطيع ملاحقة كل ما يكتب .
قال - يبدو أنك لم تفهم ما أقصد .
- ماذا تقصد ؟
- أقصد أدب الموتى .
- هل الموتى يكتبون ؟
ضحك ( المدوّن ) ونقر بأصابعه على المنضدة بعصبية - لا تتذاكي يا صديقي ، الموتى لا يكتبون ، أنا من يكتب .. نهض من مكانه وأشعل سيجارته ويداه ترتعشان .. حياة الناس هنا تافهة وبليدة ، لا حروب ولاجوع ولاخوف ولافقر ، الواحد منا يولد ويتزوج وينجب ثم يموت دون أن يطرأ علي حياته اي تغيير ، ليست هناك أحداث كبيرة ، لذلك يلجأ الناس لي لاكتب لهم سيرة مختصرة ، أكاذيب ومغامرات صغيرة وحروب لم يشاركوا بها ، أكاذيب منمقة يجملون بها قبورهم ويخدعون بها ورثتهم واحفادهم ، صمت لفترة طويلة وسحب نفساً عميقاً من سيجارته - ليس مثلكم ، ليس مثلكم .
قلت وانا ابتسم - نحن نولد ونموت مباشرة .
- أحسدكم كثيراً على تجاربكم العظيمة ، كل الموتى في تلك المقبرة يحسدونكم .. أنا تعلمت الكثير من الحديث معك ، سمعت منك الكثير من القصص المرعبة ، مدين لك بالكثير عن قصص الحرب والجوع والسجون ، يجب أن أدفع لك مقابلها ، قصص مروعة لكنها جديرة بأن تخلد ، يا الهي لكم أود لو ولدت في بلدكم .
- وماذا ستنتفع من ذلك ؟
- سأكون أعظم كاتب ، أعظم مدوّن سير موتى . سأتخلص من تلك المرويات البائسة عن ، عن رحلة السفاري ومطاردة الاسود ، كلهم يريدون أن يموتوا وهم يقاتلون الاسد ، ليس تماماً ، لا يريدون ان يموتوا مباشرة تحت أسنانه ، يريدون الموت في المشفى بسبب عضات الاسد .. ضحك بصوت عال .. أو يموتون على يد غريمهم ، أو يموتون أثناء التزلج على الجليد ، يا للوقاحة ، موت رومانتيكي ، مللت من الكذب وصناعة حياة متخيلة للموتى ، لكنك تستطيع ان تكتب عن موتاك بطريقة بطولية ، خارقة واسطورية تجعل الموت يرتعش منهم ، هكذا هو مدون سير الموتى العظيم .
ليس مثلي ، ليس مثلي .
قبل أن يخرج انحنى لي باحترام ووضع رزمة نقود على المنضدة وخرج باحتفالية .

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق