احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

عفاوي



كنت أراه يقطع الطريق بصعوبة ، فهو يعرج قليلاً ويتوكأ على عصا ، في بعض الاحيان أراه بدون عصاه ولا يعرج ، يذهب الى عمله في الجريدة أو يجلس في المقهى المجاور قرب النافذة الزجاجية ينظر بعينين قلقتين الى المارة .
لم أره يتحدث لاحد أو يبتسم بوجه أحد ، انه ينتظر شخصاً ما .
وجهه مدّور وشفتيه غليظتين ، ملابسه رثة وقديمة ، أطرافها وسخة ومتخشبة ، ينظر بعينين فاترتين الى المارة ويدون شيئاً بدفتره ، ثم يمسد ساقيه ، يعصرهما والالم باد على وجهه .
همس بأذني عامل المقهى - الا تعرفه ؟
قلت - كلا .. من يكون ؟
- انه شاعر !
لمعت عينا صبي المقهى ببريق غير مفهوم .
- شاعر !
توقفت سيارة فخمة بداخلها سيدة جميلة ومتأنقة ( كأنني رأيتها في مكان ما ) . ابتسمت للشاعر وأشارت له بأصبعها ، فهرول ناحيتها وهو يبتسم ، نسي أوراقه على المنضدة الدبقة ، فتح باب السيارة وجلس الى جانبها . انطلقت بهما السيارة الى مكان ما .
قال صبي المقهى - الم أقل لك انه شاعر ؟
ناولني رزمة الاوراق التي تركها الشاعر على المنضدة .
أكمل - انه مصاب بداء النقرس .
قلبت أوراق الشاعر ، وجدت بداخلها صورة مقطوعة بعناية من مجلة ملونة ، صورة مطربة مشهورة ، انها المرأة ذاتها التي كانت في السيارة .
قلت - ما اسمها ؟
تبسم صبي المقهى ولوى فمه - الا تعرفها حقاً ؟
قلت - رأيتها في التلفاز ، لكنني لا أتذكر اسمها ؟
- انها ( عفيفة اسكندر ) .
في اليوم التالي جلست بمكانه المعتاد قرب النافذة ، رأيته من بعيد يخطو برشاقة ، كأنه شفي من النقرس ، ملابسه نظيفة وجديدة ، حليق الذقن خفيف الشعر .. جلس على الكرسي المجاور والابتسامة لم تغادر شفتيه .
نظر لي بزاوية عينيه .. كنت أمسك أوراقه بيدي وأقلبها .
قلت - مقالاتك تشبه شعرك ، صريحة وجريئة وحقيقية .
قال - نعم ، هذا ما تقوله ( عفاوي ) .. انها سيدة مثقفة وفنانة من طراز خاص .
التفت الي بكامل جسده ووضع عيناه بعيني - هل رأيتها ليلة أمس ؟
قلت - نعم ، رأيتها .
- أخذتني الى منزلها ، قضيت الليل كله في منزلها .
- هل تحدثتما بالشعر ؟
- كلا .. اقصد اننا تحدثنا بشكل عابر عن الادب ، ( عفاوي ) تحب المطالعة في الحمام ، اقصد في حوض الاستحمام ، بين رغوة الصابون والبخار .. هل جربت ذلك ؟
لم أكن أمتلك حوض استحمام في بيتي .
أكمل - عفاوي تحبني كثيراً .
- تحب شعرك ؟
- أنا وشعري ، الا تصدق ؟
قلبت صورتها بين أصابعي ، انها جميلة بشكل مؤذي ، جميلة ومشهورة وغنية .
- عفاوي طلبت مني أن أقرأ لها قصائدي في الحمام ، تمددت في حوض الاستحمام والشموع تحيط بها وطلبت مني أن أقرأ لها وأنا عار .
تخيلته وهو عار يقرأ قصائده والبخار يتصاعد منه .
- قرأت لها الكثير من الشعر ، ثم دخلت معها الى حوض الاستحمام .
اصبحنا أصدقاء بسرعة ، لكوني استمع برحابة صدر لقصصه عن ( عفاوي ) ومغامراته معها ، مغامرات لا تنتهي ، وأوضاع جنسية مبتكرة وقبلات حارقة .
أصبحت مثله أنتظر قدوم عفاوي بسيارتها لتأخذه لمنزلها . أو لتأخذنا معاً .
قال - اذا لم تصدقني سأطلب منها ان تأخذك معنا حينما تأتي .
جلست معه لشهور طويلة بانتظارها . عاودته الالام النقرس مرة ثانية وانتفخت قدماه فانقطع عن المجيء للمقهى .
ذهبت لزيارته في بيته ، رأيت السيارة الفخمة ذاتها تقف بالقرب من بيته .
انها ( عفاوي ) اذاً !
كان جالساً على حافة السرير ، يرتدي بيجامة مقلمة وذقنه غير حليق وشعره غير مرتب وقدميه متورمتين بشكل غير طبيعي ، وعفاوي جالسة على كرسي بالقرب منه .
انها جميلة بشكل مؤذي .
عرفني عليها بفخر .
دست تحت وسادته شيئاً وخرجت والدموع في عينيها .
- انها تحبك حقاً .
اتسعت أساريره وأشرق وجهه الشاحب .
- نعم ( عفاوي ) تحبني .
قلت - هل دعتك لزيارتها ؟
قال - لا أستطيع أن أقف على قدمي ، كيف سأقرأ لها قصائدي ؟
قدمت له مجلة نشرت عدة صور لها التقطت في حفلة ، كان يحيط بها عدد غفير من الناس الاثرياء والنافذين ، كانت جميلة جداً ، تلبس ثوباً أسود يكشف عن صدرها ورقبتها وعقد لؤلؤ ثمين .
نظر الى الصور بحزن .
- لكنها تحبني أنا .. لا تحب أولئك المتملقين الاثرياء .
قلت - انها تحبك .
نظر لي بقلق وأكمل - حينما أشفى سنذهب سوية لبيتها ، بيتها في منطقة ( المسبح ) ، كبير وجميل وفيه تلفاز وغرامافون أيضاً ، لكني لا أعدك بأكثر من هذا ، لن تدخل معنا الى الحمام .
قلت - سأستمع لكما من خلف الجدار .
حل الظلام ، فتمدد الشاعر على سريره .
لسنوات خلت حتى بعد أن مات الشاعر ، لم أنقطع عن ارتياد المقهى عسى أن تجيء ( عفاوي ) تسأل عن شاعرها المفضل وحبيبها المفترض ، عسى أن تأخذني لبيتها ، لحمامها ، أحدثها وأنا عار وسط البخار عن الشاعر ( حسين بن مردان ) .

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق