احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

ابو راسين



قالك وقلي ، صلوا عالنبي .. في يوم من الايام وجد الشقي مراد أبو راسين قصعة طعام فارغة في طريقه أثناء عودته من أحدى غاراته البطولية ، القصعة كانت قديمة ووسخة ومطعوجة ، لكنها من النحاس الخالص ، حملها معه الى بيته على أمل أن يبيعها ( للربّاب ) .
وحينما وصل للبيت طلب من مرتو ان تنظفها .
كان مراد من أشقى أشقياء الناصرية ، طويل ومهيب المنظر ، رشيق الجسد مفتول العضل ووسيم الملامح وقوي جداً ، اشتهر بنطحاته التي لا تصد ، فهو ينطح أي شيء يعترض طريقه سواء كان حائطاً أو حصاناً أو شقياً يتحداه . وكان الكل يخشاه ويهابه ، حتى أشقياء بغداد والمحافظات الاخرى ، فهو يذهب الى بغداد خصيصاً ليناطح أبطال مدينة الفضل وباب الشيخ والثورة ، ويذهب الى كركوك ليناطح الاكراد ، ودائماً يسمح لخصمه بالضربة الاولى ، يتلقاها برباطة جأش وعزيمة وجرأة منقطعة النظير ، وبعدها يسدد له نطحته التي لا تخيب أبداً ، فيترنح خصمه كالثور ويقع على أسته .
كان هذا هو كل عمله في الحياة ، منه يكسب ويراهن ويعيش ، لم يكن يأخذ ( خاوة ) من أحد ، ولايضرب صغيراً أو ضعيفاً أو يؤذي امرأة ، فهو قد عاش في عصر غير عصرنا هذا ، عصر فيه مفردات مثل المرجلة والنخوة والشيمة مقدسة .
في صباح ذلك اليوم قبل أن يعثر مراد على القصعة ، وصل الى الناصرية أربعة أشقيائية ( فضولي وابن طلبة والكردي وأبو الهوب ) . جلسوا في مقهى السيف في منطقة السيف ، وهي منطقة تجارية مزدحمة بالبيع والشراء والعربات التي تجرها الجياد .
أكلوا كباب وشربوا شربت زبيب وسألوا عن مراد .
بمثل لمح البصر وصل الخبر الى مراد .
ارتجفت شفة مراد ، ليس من الخوف ، بل من لهفة التحدي .. حلق ذقنه ولبس خفه ووضع يشماغه على كتفه وخرج لملاقاتهم .
وصل فوجدهم يأكلون ويشربون الزبيب والعرق يتفصد من على جباهم .
- تفضل ؟
جلس الى جانبهم .
قال الكردي - كاكا انت خوش ينطح نطح مسل ما سمعنه ؟
قال ابن طلبه - مية دينار رهن على الكردي .
قال ابو الهوب - من عندي مية ثانية .
قال فضولي - ومية من عندي .
نهض الكردي ، وهو رجل طوال ذو رأس كرأس الغول وصماخ كصماخ الهول وأكتاف كأكتاف الديو وصدر كصدر البرجان .. وقف منتصباً في صدر الشارع وتلفت من حوله . كان الى جانبه حصان مربوط على عربة يأكل من معلفه بأمان الله ، توجه نحوه ونطحه بقوة . ترنح الحصان وطفرت الدموع من عينيه وبرك على قوائمه .
نفض الكردي رأسه وتبسم ابتسامة شريرة ملؤها الغرور .
قام مراد من مكانه بهدوء .. تمشى ناحية أربعة أحصنة تنظر بحزن للحصان المسكين .. نطحهم أربعتهم بوقت واحد ، هكذا سمعت ، أذ أن أحداً لم يره وهو ينطحهم واحداً بعد الاخر ، تكومت الجياد على بعضها البعض الاخر وماتت لساعتها .
التفت مراد للكردي ومد له رأسه المخيف .
صرخ الكردي - دخيل مال الله آني ؟
قال مراد - ماكو دخيل اليوم .
نطحه مرة واحدة ، تدهدى الكردي وتراجع للخلف وهو يتمايل ، تجاوز مقهى الكباب وأبو الشربت ودكان حامد النداف وخان اسماعيل الدوس وسقط في جامع الشيخ الناصري .
طقطق مراد رقبته وأخذ رهنه من الاشقيائية وعاد أدراجه الى المنزل حيث وجد القصعة .
غسلت مرتو القصعة وجلبتها له .
نظر لها وللطعجة البارزة المزعجة ونطحها بقوة من أجل أن يساويها .. خرج له من القصعة حصان من الاحصنة التي قتلها .
تعجب واحتار .
انه حصان حي ، بشحمه ولحمه ، حصان أحمر قوي ومتين .. نظر الى القصعة ثانية فخرج له منها حصان ثاني ثم ثالث ورابع . امتلأ المنزل بالجياد القوية التي تتحداه .
ركله أحدهم بعنف ، بال عليه الثاني ، عضه الثالث .
استشاط مراد غضباً . نطح الذي بال عليه وكومه وسط المنزل ، نطح الذي ركله والذي عضه ثم أخذ ينطح كل ما يصادفه من جياد ، صحيح ان الجياد كانت تتساقط تحت قدميه ، لكن عددها الكبير أوهن رأسه وأضعفه ، فتوقف وهو دائخ ومسطول أمام حصان مهيب المنظر ، ضخم الرأس والجثة ، شعر به يبتسم له بسخرية واستخفاف .
نطحه بكل ما بقي لديه من قوة .
ترنح مراد البطل ، تراجع للخلف وسقط بحضن مرته .
ما سمعته بعد ذاك لا يعدو أن يكون سوى حكايات لا تستحق أن تحكى . حكي نسوان .
ومثلي لا يأخذ بحكي النساوين .

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق