من انانسيان
قال بغضب هذه المرة - إنت ثانية ؟
إعتذرت منه وحاولت أن أشرح له الأمر .
ردد - كل يوم نفس الخطأ ؟
صفق الباب بوجهي .
عدت لشقتي ، نظرت لرقمها ، شقة رقم عشرة ، فتحت الباب ورميت نفسي على الأريكة .
يحدث معي هذا دائماً ، أنا أسكن في عمارة والشقق متشابهة تماماً ، وأنا مشغول البال تائه الفكر ، أخرج من جيبي المفتاح وأدخله في الثقب . في أغلب الأوقات المفتاح لا يدخل ، فأعرف إنها ليست شقتي .
أمشي على أطراف أصابعي مبتعداً عنها ، وأجرب المفتاح على شقة أخرى .
لحسن الحظ ، معظم الجيران يكونون غير موجودين في شققهم أوقات عودتي ، فلا تحدث معي مشاكل ، إذ أني سأهتدي لها في النهاية .
هذه الأيام تغير الوضع ، انه جار جديد ومتقاعد يقضي معظم يومه في داخل شقته ، لذلك فهو دائم الإمساك بي حد أني خشيت أنه سيقتلني يوماً .
فهؤلاء الناس شديدي الأعتداد بخصوصيتهم وحريتهم الشخصية ، لا يقبلون بأي إزعاج حتى لو كان غير مقصوداً ، ليسوا مثلنا. يختلفون كثيراً ، ليسوا مثل صديقي جاسم أفندي .
جاسم أي والله .
قلت - إتصل بي قبل أن تأتي يا جاسم ، هذا لا يصح ؟
قهقه جاسم ، إنه مربوع القامة غليظ العنق ، يرتدي معطفاً وغطاء رأس صوفي ويحمل بيده بطل عرق . قال - لا تصير براسي أمريكي ؟
دخل ووضع البطل على المنضدة ، ثم أخرج الأقداح والمزات ، إنه يعرف مكان كل شيء بشقتي ، يعرف جارورة الملاعق والشوك ، جارورة الخيار والجزر ، جارورة اللبن وحبوب الضغط .
صب لنفسه بيك عرق ، كرعه دفعة واحدة وقال - أي والله !
تناول كاسة الروبة وشرب منها ثم مسح شاربيه .
- إشرب ، إشرب ؟
قلت - ما أحبه ، ما أشرب عرق .
- لا تصير براسي أمريكي ، العراقيين يحبون العرق ، انت عراقي لو مو عراقي ؟
- عراقي .
- اي والله ، إشرب .
دفع الكأس لشفتي ، شربته على مضض ، ناولني كأس الروبة .
أكمل - اليوم أسويك طنطل .
أخرج من جيب معطفه صاروخ حشيشة سمين ، إتسعت أساريري ، إي والله .
جلسنا ندخن ونسعل ونشرب .
شربنا البطل كله ودخنا الصاروخ .
نهض جاسم بتثاقل ، أمسكته من ذراعه وقدته حيث تقف سيارته في الگراج وكررت عليه أن يقودها بحذر .
رجعت لشقتي ، وضعت المفتاح بالثقب ، لم يدخل كالعادة ، حاولت مرة ثانية وثالثة .
فتح الباب وأطل المتقاعد برأسه ، أي والله .
اضافة تعليق