احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

شوارب الاغا



في زمننا لم يكن هناك الكثيرون يمتلكون شوارب عظيمة ، أعني شوارب معتنى بها جيداً ، غليظة ومتدلية الى الحنك وتغطي الشفة العليا ، ربما بسبب كره نسائنا لها ، فنساء ذلك الزمن كن قويات وسليطات اللسان ، لا يهتمن كثيراً لرموز الرجولة تلك ، فهن يمتلكن الكثير منها ، أكثر منا نحن الرجال ، هن من يقمن بكل أعمال المنزل والحقل وتربية الأطفال والإعتناء بالمواشي .
بعضهن أو كلهن تقريباً يمتلكن خطاً رفيعاً من الزغب الأسود فوق شفتهن العليا ، ولم يكن لنا نحن الرجال أن نقلدهن ونترك شواربنا تنمو وتنمو كشوارب التركي ( حاجي آغا ) .
ذلك الرجل الذي ظهر بمدينتنا الصغيرة والمسالمة فجأة ، ظهر في السوق بأسمال بالية وشوارب عظيمة تتدلى الى أسفل حنكه كرقم ثمانية أو ترتفع على شكل هلال حتى تقارب حواجبه .
كان ( الآغا ) فقيراً معدماً ، لكنه غني بوفرة الشوارب ، حينما يسير في الشوارع يدفع صدره للأمام وشواربه ترفرف غير مهتماً لجوقة الأطفال التي ترافقه وتغني له أغاني متهتكة .
كنا نخشى منه ، فنحن لا نعرف من أين أتى وماذا يريد ؟
حتى شيوخنا كانوا يخشونه ، حتى الحاكم كان يتجنبه ، فهو لا يريد أن يدخل بمشاكل مع الباب العالي والدولة العثمانية . لذلك تركناه لشأنه يسوح بشوارعنا على هواه بشواربه وأسماله .
ما حدث بعد ذلك ، يشعرني بالخجل .
نساؤنا المشغولات دائماً بتربية الأطفال والطبخ والزراعة والهموم اليومية ، أصبحن كسولات وعاطفيات وحالمات ، أخذن يجلسن على شكل مجموعات عند عتبات البيوت ينتظرن مرور ( حاجي آغا ) والتطلع بشواربه العظيمة التي ترفرف كلما واجهته الريح .
تكومت الأزبال في الشوارع وتاهت المواشي وأنقطع الأطفال عن الذهاب للمدارس وكفت العذراوات عن البحث عن أزواج منا حتى كاد أن ينقطع نسلنا . وكل ذلك بسبب شوارب الآغا وسطوة الرجولة التي تغلفه .
في يوم عاصف كانت به شوارب الآغا ترفرف بعنف وزهو ، أوقفه بضعة رجال غاضبين من مدينتنا وقصوا شواربه .
على اثر ذلك إختفى الآغا من المدينة .
واحد منا عذبته العزوبية وهجر النساء ، قرر أن يطلق شواربه عسى أن تميل له قلوب العذارى والنساء كما مالت للآغا ، لكن النتيجة كانت مخيبة للآمال ، فشارباه خفيفان ، رفيعان كسرب دود لا تعلق بهما قطرات اللبن حينما يشرب ، ولا يلمعان أو يرتجفان حينما يغضب .
كما أنهما لم تجتذبا أي من البنات العزباوات .
قعدنا جميعاً دون زواج وأولاد ، لم تقبل بنا أي من النساء ، فجميعهن مازلن يجلسن عند عتبات البيوت ، يتحدثن بكسل وشبق عن شوارب الآغا الجميلة وينتظرن عودته للمدينة ثانية .
لم يعد الآغا ، كما لم تنمو شواربنا بالشكل الذي نرغبه والذي تعشقه النساء .

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق