احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

شانو شفتالو


وقف حسقيل أبو البالطوات وسط المسرح ، وكان يرتدي معطفاً طويلاً يصل لكعبيه ، تطلع بوجوه زبائنه الشبقين ، شعر بالخوف والحرج والأشفاق ، بلع ريقه وقال .
- والآن أيها الصحبة ، اليكم جوهرة الحفل ، وصلة ( رحلو جرادة العراطة ) !
ثم أشار الى الفرقة الموسيقية بطرف عينيه ونزل سريعاً ، ثم إختفى خلف الكواليس ، حيث يقف صاحب الملهى ( سبع ) .
كانت ( رحلو ) قلقة أيضاً ، وكانت تمسح حبات العرق التي أخذت تتدفق بغزارة ، بفوطة من حرير طرز عليها حرفين ( ش ، ش ) .
أصغت قليلاً للموسيقى الراقصة وحركت جسدها ببطء لتتناغم معها ، ثم إندفعت الى المسرح .
كان معظم رواد ملهى ( الشموع ) من ( الأخباريين ) الذين تعودوا على رقص الغلمان ، وخاصة على ( الشعّار ) شانو ، فالولد الراقص شانو شفتالو ، كان جميلاً ومثيراً للغاية ، رشيق الجسد كعود البان ، أبيض البشرة حلو العينين ، محفوف الساقين والحاجبين ، رائع الحركات ، وكانت رقصاته تثير غرائز الزبائن وتفتح محافظهم فينثرون عليه الفلوس كالمطر . كما أنهم لم يعتادوا على رؤية امرأة ترقص .
ساد الملهى سكون غريب ودهشة حينما ظهرت ( رحلو ) ببدلة الرقص ، كاشفة عن نهدين عظيمين وساقين سمينتين كالمرمر وعجيزة ترتج مع توقيعات الطارات والخشبات والايقاعات .
تبسمت رحلو لهم وهزت جسدها المهيء لمثل تلك الموسيقى .
وقف معظم الأخبارين على أقدامهم ثم أخذوا يقتربون من خشبة المسرح وهم يرقصون ويحاولون لمس الكائن الغريب الذي لم يروا مثله بأحلامهم .
كان ( شانو ) يجلس في زاوية مظلمة مع ( مراد أفندي ) متصرف بغداد الذي كان يهمس في أذن الولد ، فتخرج الكلمات على شكل فحيح معطر بالكلونيا ، لكن شانو الذي بدا مهموماً ومشغولاً بالراقصة الجديدة ، لم ينتبه لفحيح الأفندي الشبق .
قال مراد أفندي - تغيرت ، تغيرت كثيراً شانو ؟
أسبل الولد عينيه الجميلتين ، فبدت رموشه الكحيلة أطول من المعتاد .
- تغيرت ، منذ أتت هذه القحبة ، ولا يهمك يا نور عيني ، سآخذك الى السراي معي .
تطلع الولد ناحية رحلو ، فغمزته بعينها اليسرى ، كأنها تخبره إنها ترقص له وحده دون جمع الشاذين المهووسين .
إرتسم شبح إبتسامة خائفة على شفتيه الرقيقتين ، فظن الأفندي إن إبتسامته دليلاً على الموافقة .
قال وهو يفرك سبحته التي تفوح برائحة الصندل .
- ستستحم بالحليب يا مهجة قلبي ، وتنام على الحرير يا بعد كبدي ؟
ثم نهض واقفاً وأشار الى حسقيل أبو البالطوات بعصاه .
جاء حسقيل يركض ، وقف أمامه بخضوع وأحكم معطفه حول جسده ، كأنه يشعر بنزلة برد .
- أمرك أفندي ؟
قال الأفندي - روج ابني حضر جنطة شانو ؟
ركض حسقيل وذهب مباشرة ناحية ( سبع ) صاحب الملهى وأخذ يدمدم بغضب .
كان سبع ضخم الجثة ، متين البنيان ، يلف رأسه بجراوية عصفورية ويضع بحزامه مسدس سريع الطلقات من نوع ( كابوككلي ) . انصت لدمدمة حسقيل وهو يفتل شاربه .
قال - وبعدين ؟
قال حسقيل - شايب وعايب .. رجله بالقبر ويريد شانو شفتالو .
تبادل مع سبع نظرة ذات مغزى وأكمل - بالبلوعة !
هز سبع رأسه ثم خرج وكمن في الحمام .
توقفت الموسيقى وتوقفت معها رقصة رحلو التي إنسحبت الى غرفتها ، فلاحقها بعض الفضوليين السكارى المأخوذين بأهتزاز ردفيها .
لمس مراد أفندي خد شانو وعبث بشعره الطويل وقال وهو يتنهد .
- دعني أستند عليك يا بعد كبدي ؟
ثم طوق كتفيه بذراعه .
شم شانو شفتالو رائحة الكولونيا القوية ، فشعر برغبة بالتقيوء ، لكنه لم يستطع مخالفة أوامره ، سارا معاً بهدوء وروية ، فالأفندي عجوز ومصاب بمرض ترقق العظام وسلس البول ، ويعمد على ربط عضوه وعظامه بالشاش من أجل أن يجعلها قوية ثم يلبس فوقها بدلته ، فيبدو كأنه دمية قبيحة ومتخشبة .
تنحنح مراد أفندي وقال - خذني للحمام أولاً يا حبيبي ؟
إتجها ناحية الحمام وعينا حسقيل تتابعهما بقلق .
كان الحمام الخاص بالأفندي يقع في الطابق العلوي ، ولا يدخله أحد باستثنائه ، ولا يمتلك مفاتيحه أحد سوى ( سبع ) .
دخل الأفندي الحمام ، خلع بنطاله وإنشغل بفك الشاش عن عضوه ، حانت منه التفاتة فرأى شبح سبع الضخم مختبئاً خلف الستارة .
غمم - سبع !
خرج سبع من خلف الستارة وشواربه ترتجف من الغضب ، وتقدم ناحيته .
شعر الأفندي بالبرد ، إرتعش وخارت قواه وطقطقت عظامه بصوت مسموع حتى وصل صوتها لأذني ( رحلو ) وهي تغير ثيابها . ووصل صوت تكسر عظامه لأذني شانو شفتالو الذي كان يقف في الخارج ، فلم يستطع أن يمنع نفسه من التقيوء ، فدفع باب الحمام وهو يمسك فمه بكفه ، وقذف قيئه فوق كومة العظام الملفوفة بالشاش .
قال سبع وهو يرفع غطاء البالوعة ويلقي بها جثة الأفندي .
- أش .. أشش .. أغسل وجهك وغير ملابسك ؟
صعد حسقيل أبو البالطوات على خشبة المسرح وقال بصوت مرتجف .
- أيها الصحبة ، نقدم لكم جوهرة ملهى الشموع ، فتان الصبية والشيوخ ، شانو شفتالو !
ضبّط شانو شفتالو حركات جسده مع إيقاع الطارات والخشبات وإندفع بخدود ملتهبة وقلب خافق ناحية جمهوره وهو يبتسم إبتسامة خجلى ، وعيناه تبحثان عن رحلو التي كانت تجلس على منضدة الأفندي الخاصة ، وكانت تمسح حبات العرق من على نهديها بمنديل حريري طرزت عليه حرفين ( ش ، ش ) .

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق