احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

كرسي الرفيق سلام عادل


حمامات ، مطبخ ، جامع ، خيام ، أربعة أمكنة نعيش بها ونتجول حولها ونعرفها ، لاشيء آخر تقريبا ، لاجديد تحت الشمس والتراب ، هناك مقر الحزب الشيوعي يديره الرفيق سعد الاسود ، وهناك أيضا خيمة المعجزات والى جانبها خيمة السنافر ، لاجديد .
من ضمن روتيني اليومي ، الاستيقاظ في أي وقت أشاء وأذهب الى المطبخ لجلب ( التعيين ) ، بيض أزرق فاتح سلقته الشمس ولوثه الذباب ، برتقال ساخن ، قنينة ماء بدرجة خمسين مئوي ، كيس خبز ثم ...
- شنو هذا ، دكان ؟
أنه حقا دكان ، أقتربت بلهفة من الدكان الذي بزغ فجأة في وسط الشبك ، ووقفت علي بابه وانا أحمل طعامي وأبتسم .
كان يجلس وسطه رجل متوسط العمر شديد النحافة ، مظهره لايتناسب مع كميات الطعام الهائلة التي يغص بها دكانه ويكاد يتفجر من البرتقال والتفاح والموز والرز واللحم والشاي والسكر والخبز ، وهناك أيضا كرسي معروض للبيع أعرفه جيدا واعرف صاحبه .
قلت - عمي تشتري ؟
وعرضت عليه بيضاتي وخساتي وخبزاتي ، مد الرجل النحيف رقبته وتشمم الطعام وقلبه ووزنه بنظراته وقال .
- بجكارتين .
-- بثلاثة .
- ما يصرف ، السوق ما ماشي هذه الايام . البيع قليل .
قلت - الرزق على الله والسعوديين ، وأنشاء الله ستكبر تجارتك ويزداد ربحك حينما تساعد أخوانك المدخنين .
أصر الرجل على جكارتين ، فبيضي فاسد من الشمس وخساتي ذابلات من الحر وخبزي عفن ومائي ساخن والسوق كاسد .
قلت مماحكا - جكارتين ونفس .
رد علي الرجل بحدة - روح شوف شغلك ، جنابك تتمضحك .
خفت منه ووضعت بضاعتي في حضنه وأخذت الدخان .
أردت أشعال واحدة ، لم يكن لدي شخاطة .
قلت - بلازحمة ممكن عود شخاط .
قال - العود ببرتقالة .
كنت في تلك الاثناء لا أكف عن التحديق بالكرسي الذي يتوسط الدكان بشموخ وهيبة ووقار ، تأريخ طويل من العذابات والاجتماعات والتنظيمات السرية والاوكار الحزبية ، على ذلك الكرسي جلس الرفيق سلام عادل وكتب شرحا مفصلا لكتاب رأس المال ، وعليه أيضا القى محاضرات وأعطى دروسا للرفاق وقرأ روايات مكسيم غوركي ورواية الفولاذ سقيناه وغيرها من الاعمال الادبية العظيمة ، وعليه كان يجلس الرفيق فهد حينما يأتي الى الناصرية ويدلف الى القيصرية المظلمة حيث يقع المقهى الذي أنبثق منه التنظيم وانتشر في العراق كله .
قلت - عمي ، بيش هذا الكرسي ؟
قال وهو يحك رأسه - غالي عليك ، 
قلت - يعني بيش ؟
قال وهو يقلب فكره - باكيتين جكاير .
زعقت - شدعوه ، كلش غالي أمس عرضوا نظارات الرفيق فهد للبيع بخمس جكاير ، وقبلها باعوا ( حدرية ) الجواهري بنص باكيت وقبلها باعوا ( لوكال كازيكي ) بجكارتين ، لا ما أشتري .
كان الرفيق سعد مسؤول مقر الحزب الشيوعي مدخنا مثلي ، وكذلك الرفيق كريم عبد عمير ، وبقية الرفاق ايضا كلهم يدخنون باستثناء الرفيق شهاب المعلم فهو لايدخن ولايشرب ولاينام ، يرتعش فقط ، يرتعش من الخوف على ممتلكات المقر وتراث الحزب .
كان مقر الحزب ، خيمة كبيرة وفارهة ونظيفة ومؤثثة ، فيها معرض كتب سميكة ومجلدة وسوداء مثل كتاب ( تلبيس ابليس و الترغيب والترهيب والسيف البتار فيمن يقول ان المطر من البخار و حادي الارواح الى بلاد الاتراح وكتاب ابغض وكتاب لاتفرح ان الله لايحب الفرحين ) وكذلك هناك مخطوطات قيمة لمحاضرات الرفيق سعد والرفيق كريم عبد عمير ، والى جانبها نظارات الرفيق فهد النظيفة والمصقولة والمعتنى بها جيدا ، ( وحدرية ) الجواهري الجميلة المزركشة ، وبضعة تماثيل سومرية قديمة ، تمثال الالهة الام بأثدائها الهائلة الحجم ومؤخرتها الكبيرة ، وتمثال نبوخذ نصر ولوكال كازيكي والخروف الابيض والخروف الاسود ، وغير بعيدا عنها كرسي الرفيق سلام عادل .
كرسي مصنوع من أعمدة الخيام ومربوط بالحبال الي بعضه البعض الاخر بشكل متين ومقعده وظهرة من قطع ( الكواني ) ومصبوغ باللون الاحمر الغامق ، وعلى ارجله شعار الحزب .
كنا أنا وابو زمان نذهب الى هناك في أوقات الفراغ وهي كثيرة على أية حال ، نجتمع كل يوم بانتظار محاضرة الرفيق كريم عبد عمير ، ومعنا مجموعة كبيرة من الانصار الجدد ، يستقبلنا الرفيق شهاب المعلم عند باب الخيمة وهو يردد 
- أهلا بالرفاق أهلا بشباب العراق أهلا بأعضاء الحزب الشيوعي وانصاره .
ثم يقوم بتفتيشنا واحدا بعد الاخر وهو يبتسم بخجل .
نجلس داخل المقر على شكل صفوف قبالة كرسي سلام عادل ونحن نعلك ، اذ ان الرفيق سعد يوزع علينا العلكة في الباب ، ثم يشعل جكارة ويمر بها علينا وهو يقول .
- رفاق ، كل واحد نفس ، كل واحد نفس .
بعضنا يمصها وكأنه يمص خدود ليلى علوي وبعضنا يمصها كأنه يمص خدود انعام سالوسة ، كنت من جماعة ليلى علوي ، أمصها حتى تصبح جمرتها أطول منها .
قال الرفيق سعد - على كيفك رفيق رياض ، تذكر ان تبقي للرفاق قليل من الدخان . تذكر الرفيق ناظم حكمت حينما كتب وهو في السجن ( أردت يا حبيبتي أن أشتري لك باقة من البنفسج الاحمر ، لكن الرفاق كانوا جياعا فاشترينا بثمنه خبزا أسمر ) .
قلت - العفو رفيق سعد، ( أعترف اني قد عشت ) ولكن .
قال أبو زمان - وأين الرفيق كريم عبد عمير ، لم لم يحضر ؟ 
أجاب الرفيق سعد - أعلكوا علكتكم وأستمتعوا ( بنفس ) دخانكم وهو سيأتي في الحال .
دخل الرفيق كريم وهو شاب أسمر طويل وقوي الجسم فكوكه ضامرة ولحيته خشنه لم تحلق منذ أيام ويلبس بيجامة حمراء ويحمل تحت أبطه كتابا أحمر . اتجه ناحية كرسي سلام عادل وجلس عليه وتناول نظارة الرفيق فهد الطبية ووضعها علي عينيه وعدل من وضع ( عرقجينة ) الجواهري ووضعها على رأسه ثم تنحنح وقال .
- وطن حر ، وشعب سعيد .
رددنا وراءه الشعار ونحن نعلك بأنتظار المحاضرة .
فتح الرفيق عبد عمير كتابه الاحمر واستغرق بالقراءة دون أن يقول كلمة ، انتظرنا طويلا حتى أصابنا الضجر واليأس وأوجعتنا فكوكنا من العلكة ، التفت أبو زمان ناحية الرفيق سعد .
قال - شنو السالفة ؟
أجاب الرفيق سعد - أشششش .
خيم صمت مطبق على المقر وأختفت طقات ومطقات العلك حتى أصبحت كالهمس .
نهض الرفيق عبد عمير من الكرسي واعاد العرقجينة والنظارة الطبية الى مكانهما وتنحنح وقال .
- وطن حر ، وشعب سعيد .
ثم خرج .
تعالت أصوات الحاضرين من الرفاق .
شنو السالفة ، ماكو محاضرة ، احنه نريد نتثقف ؟
أستدرك الرفيق سعد الامر وقال وهو يبتسم .
- الرفيق كريم أراد أن يضرب لكم مثلا ، أراد تعليمكم القراءة ورموز القراءة وطقوس القراءة . وتعليمكم فضيلة الصمت .
ثم نهض ونهضنا خلفه ، أكمل الرفيق سعد - غدا ، تعالوا بنفس الوقت وكل واحد سيحصل على نفسين جكاير ( أسبين ) .
فتشنا الرفيق شهاب المعلم واحدا بعد الاخر وهو يبتسم بخجل ويردد .
- انتم تعرفون الوضع .
...
...
وقف علي قزموز وسط المعسكر وزعق .
- غده ، غده ... تعالوا أخذوا غده .
حملت قصعتي واتجهت ناحية المطبخ ، لكني لم أجد الطابور المعتاد ، بل وجدت الشباب مجتمعين علي شكل دائرة ، وهناك رجل يقف على تنكة ويمسك بيده تمثال ويردد بشكل سريع .
- لوكال كازيكي بجكارتين ، لوكال كازيكي بجكارتين .
والى جانبه كرسي الرفيق سلام عادل تستقر عليه نظارات الرفيق فهد وعرقجينة الجواهري والتماثيل السومرية معروضة للمزاد أيضاً ، ربما بجكارتين ونفس عميق !

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق