احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

حسون أوفسكي وشركاؤه


كان الوقت شتاءاً، المدفأة تبعث لهب سعيد، القط (سوني) يقرفص بحضني وأبريق الشاي يغلي الخيمة دافئة، أسمع وقع زخات المطر على سطحها وجوانبها، أسمع وقع أقدام في الخارج تقترب وصوت رجل يتنحنح معلنا عن وجوده، قفز سوني وأستقبل الرفيق الأقدم كريم عبد عمير وجلس بحضنه.
كان كريم يرتدي معطفاً عمالياً وقبعة عمالية " لا أدري من أين حصل عليهما "جلس قرب المدفأة وهو يفرك يديه وقال.
- حدث مهم.. جداً مهم.
قدمت له كوب شاي وجكارة، أكمل وهو يرتشف شايه.
- سيزورنا قريباً الرفيق حسون أوفسكي..
إرتسمت على شفتي ابتسامة كبيرة، فأنا طيلة حياتي لم أسمع باسم غريب ومثير كهذا الاسم.
- منو حسون أوفسكي؟
قال وهو يأخذ نفسا عميقا من الدخان.
- الرفيق أوفسكي هو سكرتير الحزب الشيوعي العراقي.
قلت - سكرتير الحزب، شلون راح يوصل للأشباك!
قال بثقة - أنه لاجيء أيضا.
أخرج من تحت معطفه "تراكسود " أحمر اللون وقدمه لي.
- يحسن بك أن ترتدي ملابس تليق بك عندما تستقبله.. جربه، جربه؟
كان التراكسود صغير الحجم وضيق، فبدوت كأني محشور في كيس طماطة.
- جميل، جميل جداً.. عشرين ريال؟
قفزت كالملدوغ - عشرين ريال!
- نعم.. للأعضاء بعشرين وللأنصار بلاش.
- أصلاً آني مو شيوعي، صديق الشيوعيين..
في مكان كالارطاوية يمكنك أن تغير قناعاتك وشخصيتك حسب ما تهواه وأسهل طريق لذلك هو أن تكون متديناً، شكل مقبول ومناسب لمكان الحياة فيه صعبة جداً، فهو سجن كبير بدون ضوابط، لامكان للضعفاء فيه، والانتماء لمجموعة كبيرة يمثل نوعا من الحماية والقوة، الكثيرين ممن كنت أعرفهم تحولوا الى متدينين وأصبحوا ينفرون منا ويعادوننا ويكرهوننا، وعلامات التدين واضحة ، أن تحمل إبريقاً وتباعد بين ساقيك حينما تسير خوفا من (النجاسة) وأن تكون (محتاط )!
واذا لم تكن متديناً، أنت اذن شيوعي رغم أنفك.
هكذا تحولت الى عضو في الحزب الشيوعي العراقي، ألبس ( تراكسود ) ضيق أحمر اللون، وأقف مصافحا الرفيق حسون أوفسكي.
كان الرفيق أوفسكي، في نهايات الأربعينيات من عمره، طويلاً، وسيماً، منتصب القامة، نادراً ما يبتسم ويحمل نظرة شك تجاه الآخرين واستعلاء واضح. فنحن بنظره مجموعة من الغوغائيين المتوحشين ونحتاج الى الكثير من التهذيب والتثقيف لنصبح أشخاصاً أسوياء ومهمته الجديدة هي البقاء في كل شبك لمدة شهر واحد لمراقبة عمل الحزب وكسب أنصار جدد وتهذيب المتوحشين في القارة المفقودة.
كان يحمل تحت إبطه كتاباً من مطبوعات دار التقدم ويحف به الرفيقان كريم وسعد الأسود، وخلفه شهاب المعلم وحاتم الدايخ ثم أنا وأبو زمان وبقية الأنصار.
توجه ناحية مقر الحزب وجلس على كرسي الرفيق سلام عادل.. نظر بعيوننا واحداً بعد الآخر وهز رأسه كمعلم مدرسة ونقر بأصابعه على الكتاب ذي الغلاف الصلب.
انشغل بقية الرفاق بالتفكير في مسكن ومأكل الرفيق أوفسكي وتوفير سبل الحماية والراحة له، وانشغلت أنا بالتحديق بالكتاب لمعرفة عنوانه.
التفت ناحيتي الرفيق سعد وقال.
- سيعيش الرفيق حسون معك في خيمتك طيلة فترة وجوده في الشبك.
قال الرفاق وهم يتضاحكون - يمعود.. رياض ما يجيب لروحه قصعة!
- شوف غير رياض؟
- خليه يبقى بالمقر وأحنه نوفر له كل ما يحتاجه..
قلت - ما عندي مانع اذا الرفيق حسون يقبل.
قال الرفيق حسون وهو يرفع الكتاب ويهزه بالهواء.
- سأعيش بالمقر.. أنا طيلة حياتي لاأمتلك بيتاً ولاأريد.. أريد أن أعيش وأموت تحت سقف الحزب ومن أجله، لا تشغلوا أنفسكم بي كثيرا يا رفاق، المهم هو أن تلتزموا بالقيم والمباديء والمثل والأخلاق الرفيعة حتى تصبحوا قدوة للآخرين وتكسبوا المزيد من الأنصار.. خطة الحزب هي تحويل كافة اللاجئين الى شيوعيين متنورين، مثقفين حقيقيين، ملتزمين، بعيدين عن الأفكار الغيبية وترهات الأديان التي جلبت لنا ولبلدنا العزيز كل هذه الكوارث.
حاولت أن أقرأ عنوان الكتاب، لكنني لم أفلح، فالرفيق كان يهزه بشدة فبدت الحروف متلاصقة ومشوشة.
- خطتنا هي التثقيف ثم التثقيف ثم التثقيف، الشعوب الجاهلة، غير المتعلمة تلجأ للخرافات للغيبيات، للأديان، للطوائف التي أنتجت أجيالاً مشوهة،أجيال تحتاج الى الكثير من العمل لتصحيح مسارها وتعليمها، أجيال من المعاقين فكرياً ونفسياً.
نظر بعيوننا واحداً بعد الآخر وسألنا.
- ماذا أنتج لنا التخلف والجهل؟
تعالت الأصوات.
- الحروب.. التشرذم، أنتجت علي كراوي وجماعته، أنتجت لنا الجوامع والحسينيات واللطم والتطبير.
ماكو الله، الله ماكو.. كله چذب بچذب!
تبسم الرفيق أوفسكي ووضع الكتاب قريباً من فمه، لكن العنوان كان مكتوباً بأحرف صغيرة، فلم أستطع قراءته..
قال - وماذا علينا أن نعمل؟
- نتعلم، نتثقف، نكافح.. 
إتسعت ابتسامة الرفيق حسون أوفسكي وردد - الله الله الله.
وقذف بالكتاب عالياً ليصفق فسقط الكتاب بحضني.
كان عنوانه (أين الله) مكسيم غوركي!


اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق