احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

عداء الحروب الطويلة



في زمننا لم تكن هناك وسائل إتصال سريعة مثل هذه الأيام، كنا نستخدم الرسائل الخطية والهاتف في معظم الأحيان، لكن في الأوقات الحرجة والحروب والمعارك تبطل مثل تلك الوسائل لكونها غير آمنة ومن الممكن أن يلتقطها الأعداء بسهولة ويقضون علينا، لذلك يلجأ بعض الضباط والقادة الى السعاة السريعين أمثالي.
لا أخفيكم سراً يا أصدقائي، فأنا سريع جداً بالعدو، ولن أبالغ اذا قلت "أسرع من الطلقة" فبعد أن ولدتني أمي بشهور بدأت أركض بدلاً من أن أزحف، وأعدو كمهر جامح بدلاً من أسير، وذلك بالطبع ولد مشاكل عويصة لأهلي، إذ لايمكنهم الإمساك بي على الأطلاق، فعندما يريد أبي صفعي على أمر سيء أتيته، يجدني على بعد عدة أميال منه قبل أن يرفع يده، وعندما تريد أمي أن ترسلني بمشوار الى السوق تجدني قد تسوقت وعدت قبل أن تكمل قائمة متطلباتها، وعندما تريد حبيبتي توبيخي على السرعة التي أداعب بها جسدها، تجدني قد ذهبت بعيداً.
مثل تلك العطية الربانية كانت السبب بما عليه أنا الآن، نحيف كمسمار السحر، لا أمسك.
أقفز بين المدن والدول والقارات دون أن أبذل أي جهد أو أركب مطية أو سيارة أو طيارة.
أضع إصبعي على الخارطة، على دولة معينة وأركض فأجد نفسي هناك بعد ساعات أو أيام من الجري المتواصل.
كل ذلك أفعله دون تفكير أو تدبير وكنت سعيداً بذلك، الى حين ذهبت الى الحرب، ففي الحرب نفقد إنسانيتنا كما نفقد مواهبنا بالتدريج.
ألبسوني بسطال ثقيل ووضعوا على رأسي بيرية وطلبوا مني أن أركض مع الرهط.
قبل أن يفتح الضابط فمه بالأمر، ركضت ولم أترك خلفي سوى أثر التراب.
ركضت حتى عبرت البصرة القديمة وعبرت الفاو وعبادان والمحمرة، إخترقت جيوش الإيرانيين وتحصيناتهم حتى وصلت الى قم، صليت ركعتين في مقام الرضا وعدت فوجدت الضابط قد أعطى أمر المسير للتو واللحظة.
بالطبع ذلك أثار الكثير من اللغط والشكوك والقفشات والمشاكل. فقد تفتقت عبقرية الضابط وأراد إستغلال موهبتي قدر الإمكان، فكان يرسلني بمشواير تجسسية في عمق الحجابات والأراضي الايرانية وكنت أكثر ما أخشاه هو حقول الألغام والقنابل غير المنفجرة.
ففي إحدى طلعاتي الركضية والتجسسية، أخطأت الطريق ودخلت حقل ألغام بطول مئة ميل.
كان مشهداً مروعاً وخلاباً وخطراً جداً، كنت أركض أسرع من الريح ومن خلفي تنفجر الألغام وتثير زوبعة من الدخان والنار والحديد دون أن تنال مني، لكنها أصابتني بالصمم، فعندما وصلت الى الهدف وفرشت أذني للتنصت على ما يقوله الأعداء.. 
لم أسمع شيئاً.
عدت سريعاً كما ذهبت وأخبرت الضابط بما لم أسمع.
غمغم الضابط- لم تسمع!
لم أسمع.
نظر لي بوجه متجهم وزعق- إغرب عن وجهي الآن؟
ركضت الى الجهة الأخرى ولم أتوقف بعد ذلك عن الركض حتى هذه اللحظة الحميمة.
إني أرى بعض ملامح الشك في عيونكم أصدقائي، لكن هذا لايهم رجلاً مصاباً بالصمم فهو لن يسمع ما تهمسون به.

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق