هيه.. أنت يا بلعاش؟

كنت قد عقدت العزم على السفر الى (تنسي) لتقديم فروض الإحترام لجثمان صديقنا ورئيس نقابة الصيادين مستر (روستر) الذي لقي حتفه في حقل ممرع تحت مخالب النعام.
وصلني خبر موته عبر الهاتف، إتصل بي صديقه ورفيقه (رابت).
قال وهو يمط الكلمات على طريقة الجنوبيين.
- هيه.. يا زنجي الصحراء، مات روستر كالزربة تحت مخالب الطيور، مات كالزربة؟
قلت- إسمع رابت، لا تخاطبني بزنجي الصحراء فأنت تعرف لقبي جيداً أنا (البلعش)؟
- هيه يا بلعاش.. مات روستر بطريقة مخزية؟
- كيف مات؟
- هيه يا بلعاش، بالمناقير يا بلعاش.. ثم أجهش بالبكاء.. تعال، نحتاج خبرتك وتحملك للعطش والحر، نحتاجك بشدة يا زنجي الصحراء؟
- إبن اللقيطة قلت لك بلعش؟
- هيه يا بلعاش.. تعال سريعاً؟
جهزت نفسي جيداً للرحلة وأخذت معي كلبي السلوقي سولفيان واتجهت ناحية تنسي.
وصلت قبل غروب الشمس بقليل فوجدت مئات الصيادين مع كلابهم قد جاءوا من كل الولايات لتقديم الاحترام لجثمان روستر.
كانوا يشربون الخمرة المجرية القوية ومنشغلين بشوي خنازير كاملة يخرج منها دخان دسم يغطي الجثمان المسجى وسط الحديقة، جثمان روستر السيء الحظ. فلم يحدث بتاريخ الصيد ووفياته إن مات صياد تحت مخالب طير.
الصيادون يموتون في المنزلقات الخطرة حينما يطاردون وحشاً أو يموتون تحت مخالب أسد أو تمساح أو دب حينما يفشلون بقتله. لكن لم يمت أحد بتلك الطريقة المسخرة.
رفع رابت بندقيته التي تشبه المدفع وأطلق إطلاقتين، فسكت الجميع.
قال- سنشرب نخب روستر ثم نأخذ بثأره من تلك النعامة؟
أشار الى ذكر نعام متوحش مربوط الى شجرة.
فصرخ جمع الصيادين السكارى بصوت واحد- هوررا
- سنطلق الطير في الأحراش وبعد نصف ساعة تماماً سنطارده، رفيقنا روستر صياد شهم لا يقبل بقتل الأسرى.. إستمتعوا بشربكم وجهزوا أنفسكم؟
أطلقوا سراح ذكر النعام فإنطلق سريعاً وإختفى عن الأنظار.
أخرجت من جيبي قبضة قرطم ووضعتها بفم السلوقي سولفيان، ومضغت المتبقي منها، فالقرطم مفيد جداً في المطاولة والعدو والسرعة وامتنعت عن شرب الخمرة المجرية السوداء، فهي ذات مذاق سيء وتافه يشبه مذاق العرق الزحلاوي.
لمحني رابت بطرف عينه وجاء ناحيتي يعدو، يدفعه فضول الصيادين المريع.
قال- هيه، بلعاش.. ماذا اطعمت كلبك؟
لم أكن أعرف الكلمة الأنجليزية التي تقابل القرطم. فقلت- قرطم.
ظهرت أسنانه الصفراء بفعل التبغ من تحت شواربه الكثة.
- إعطني قليلاً من إبن القحبة قرطوم؟
أعطيته بضع حبات منها فمضغها ببطء وعيناه تتحركان بسرعة بيني وبين السلوقي.
أعجبه مذاقها فقال- أنتم زنوج الصحراء أبناء قحبة، تعرفون أسراراً كثيرة عن الأعشاب، عكسنا نحن البيض الزبالة فنحن لا نعرف سوى الخمر.. ها ها ها.
كان بودي أن أضع ماسورة بندقيتي ذات الفوهتين بين أسنانه، لكن كيس الزبالة ذلك لايستحق ثمن الخرطوشة.
قال- لاتكن سخيفاً بلعاش، أنا لا إقصد إهانتك، لساني وسخ بفعل الخمرة إعطني المزيد من القرطوم؟
ثم نظر الى ساعته وأطلق عياراً نارياً فأنطلق الصيادون مع كلابهم وتوغلوا في الأقاصي.
استمرت المطاردة حتى ما بعد منتصف الليل، حيث تمكنت الكلاب من الطائر وقتلته، بالطبع كانت الصولة لكلبي سولفيان فهو لم يتوقف عن العدو لثلاثة ساعات متواصلة حتى أمسك برقبة الطير وطرحه أرضاً.
وضع رابت قدمه على جثة ذكر النعام الضخم وقال.
- نم قرير العين روستر اللعين فلديك أصدقاء أبناء قحبة لا تعوزهم الحيلة في الثأر لك، أبناء قحبة من زنوج الصحراء يعرفون فوائد الأعشاب والقررر...؟
التفت ناحيتي- ما اسم نبتتك السحرية بلعاش؟
الصيادون المهرة كالقصابين لايستخدمون أسلحتهم بالعراك، بل يشحذون السنتهم بقرون الوعول وأسنان الذئاب ومخالب الدببة فقلت وأنا أدير ظهري له.
يسمونها كس امرأتك.
بالطبع أثار جوابي موجة من الضحك بين الصيادين المخمورين حتى خشيت على رابت من الموت غيظاً.