احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

إبن عبدكة



على ظهر بغل حسيناوي جاءت (زنون) الى بغداد لتقيم بعض الحفلات للأعيان مع رفيقتيها سلمى ونرجس.
كانت زنون فنانة تغني وتعزف على العود والطبل، أما سلمى ونرجس فكانتا راقصتين ويقال أن الباشا نوري السعيد هو من أرسل بطلبهن، فجئن من أطراف ديالى موطن الأكراد الفيلية ومررن في طريقهن ببساتين بعقوبة حيث كان يتخفى (إبن عبدكة) ورفاقه هاربين من بنادق الأنكليز التي كانت تطاردهم.
كان بغل زنون عظيم الخلقة متين الجسد. جبهته بيضاء عليها أثر حناء وتجلس فوقه البنات الثلاث مع صنوجهن وطبولهن وأعوادهن وخراخيشهن وكان البغل مع كل خطوة يخطوها يصدر موسيقى متنوعة وإيقاعات مدوية وضحكات غنج.
مر في واحد من البساتين العامرة بالفاكهة، فأعترض طريقه رجل ضخم العمامة يمسك بيده بنقدية ماسورتها كالبوق.
جفل البغل وذعرت البنات من ضخامة العمامة السوداء ومن البندقية المصوبة ناحيتهن، فسقطن من على ظهر البغل، فأقترب منهن الرجل المعمم وهو يتعوذ من شر الغانيات وبلحظات تجمع حوله عدد كبير من الأشقياء من ضمنهم الشقي إبن عبدكة.
السيد المعمم الذي لا تناله رصاصات الأنكليز بسبب عظام الهداهد التي تحت زنده ولا تطاله قنابل الطيارات بسبب حجم عمامته وقدسيتها. وقف مبهوتاً أمام بياض وحلاوة البنات ولم يحول عينيه عن زنون وهي تلملم ثوبها وتحاول ستر نفسها، فندت منه آهة مكبوتة لم تنفع معها طلاسمه ولا سلسلة جدوده المقدسين وشعر بأعضائه تتحرك بعنف تحت لباسه وكاد يرمي بنفسه على الغانية لولا ان إعترض طريقه ابن عبدكه وعلى شفتيه إبتسامة مهدده.
كان الجميع يحب ويخاف ابن عبدكة فهو أشقى أشقياء بغداد وواحد من فتيانها الأشداء والجميع يشهد له بالشهامة والنخوة وهو لن يسمح لأحد بأن يؤذي امرأة، أي امرأة حتى لو كانت راقصة.
مد ابن عبدكة يده لزنون وأعانها على الوقوف ثم أركبها بغلها مع رفيقتيها وساق البغل يتبعه حشد الثوار.
قال السيد وهو يلوي فمه - هذا (إبن عنتكة) يريد تخريب الثورة.
نظر السيد المعمم ناحية رفاقه المحاربين فوجدهم جميعاً يغادرون خلف البغل في حفل صاخب ولم يبق سواه وخزينة الثوار التي كان ينوء بحملها.
تبسمت زنون لعبدكة ورفاقه وإنشرحت نفسها من منظر الأشقيائية السباع وهم يحيطون ببغلها، فأخرجت عودها وأخذت تراقص أوتاره وتغني والبنتين ترقصان.
الشباب الثوار المتحمسون نال منهم الزهو واطرب فأخذوا يطلقون النار بالهواء ويهوسون حتى وصلوا الى بعقوبة حيث مقر الحامية الأنكليزية.
حينما سمع جنود الحامية دوي البنادق الرهيب الذي لم يتوقعونه والموسيقى والغناء هربوا جميعاً ناحية معسكرهم الذي يقع خلف الجسر، فدخل الموكب المرح والظافر الذي لم ير الناس مثيلاً له في السباعية والبهرجة وإحتلوا القلعة، فأراد ابن عبدكة أن يرفع علم الثورة على برج القلعة وتلفت من حوله يبحث عن قطعة القماش التي نسيها خلفه أثناء إنشغاله بالبنات.
نظر الى زنون والى قطعة الحرير الزرقاء التي تشد بها خصرها وترجاها أن تعطيها له ليجعل منها راية. فناولتها له بأطراف أصابعها وهي تقهقه ليرتفع عالياً علم الثوار الأشقيائية. 
عند نهاية الجسر حيث تقع معسكرات الأنكليز الضخمة. كانت (المس بيل) تنظر بمنظارها المقرب للعلم الجديد بقلق، لكنها تبسمت حينما وقعت عيناها على ابن عبدكة بقامته الفارعة.
فهي تعرفه منذ زمن طويل، منذ إن أغار على القطار الذي يحملها واستطاع أن يتغلب على حاميته ويأسرها.
تبسمت وهي تتذكر عروق عنقه النافرة وشواربه الكثيفة وحمرة وجهه الذي يشي بالشجاعة والأقدام وكيف سمح لها بكرمه المعهود أن تغادر معززة مكرمة لكونها امرأة فقط، لا لكونها تمثل المملكة التي لا تغيب عنها الشمس.
حركت منظارها يمينا ويساراً فشاهدت حوله ثلاث بنات كالأقمار يرقصن له ويتعلقن به.
فقادت سيارتها الى القلعة وهي ترفع العلم الأبيض. عبرت الجسر دون أن يطلق عليها أحد النار وحينما وصلت باب القلعة نزلت فاستقبلها ابن عبدكة.
قالت - ولد.. منو هذول البنات؟
تبسم ابن عبدكة فهو أيضاً لم ينس السيدة الأنكليزية. عدوته التي تمنعه أخلاقه من قتلها.
قال - خاتون.. هذول زنون وسلمى ونرجس. دخيلات عندي..
قالت - ولد.. هذولي جماعة الباشا؟
ثم التفتت ناحية البنات وأكملت - يلله بنات.. يلله نروح لبغداد؟
صعدت البنات مع الخاتون وهن يمطرن إبن عبدكة ورفاقه بالقبلات الهوائية.
بعض من القبلات الهوائية وصلت باهتة لرجل ضخم العمامة يحرس خزينة نقود مسروقة.


اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق