احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

جدعنة


في القطار الصاعد من كوينزي الى بوسطن وفي العربة رقم خمسة حيث أجلس في مقعدي المعتاد قرب النافذة التي لا أتطلع من خلالها لمعالم المدينة حيث أكون مشغولاً بتصفح الكتب والجرايد عن طريق هاتفي الجوال، طريقة أتحاشى بها نظرات الفضوليين والمتسولين والشرطة المتخفين بثياب مدنية. أضع حقيبتي التي لا تحوي على أي شيء مهم على الكرسي المجاور حتى لا يشغله أحد. هكذا نكاية بالجميع، وحينما يصل القطار الى محطة هانوفر أرفع الحقيبة وأضعها بحضني فيصبح المقعد شاغراً من أجل سيدة رفيعة المقام.
تتقدم السيدة الجميلة وتجلس في مقعد حقيبتي. تفتح هاتفها الجوال وتأخذ بتصفحه كما أفعل أنا بالضبط وحينما تصل الى محل سكنها تغلق هاتفها وتغادر فأعيد الحقيبة لمكانها.
لا أدري كم من الشهور والفصول والأعوام مرت ونحن نلعب تلك اللعبة العبثية المليئة بالود والإحترام والتجاهل المطلق، ورغم لقائي اليومي بها فأنا أجهل ملامح وجهها ولون عينيها وشعرها، أجهلها تماماً بسبب إنشغالي بهاتفي الجوال، ولو حدث إن التقيتها في الشارع أو في حفلة فبالتأكيد لن أتعرف عليها وهي لن تهتم بمعرفتي أيضاً فكلانا مشغول بهمومه ومشاغله ولا وقت لديه للتطلع في وجوه الآخرين.
هذا المساء كنت كالعادة في القطار الصاعد الى بوسطن في العربة رقم خمسة وفي نفس المقعد حيث أجلس وحيث أضع حقيبتي الفارغة على المقعد المجاور وكنت مشغولاً ومبهوراً بقراءة قصة اسمها (أحمر) تتحدث عن فتاة في مقتبل العمر أحبت شاباً أحمر الوجه والشعر لكن الأقدار فرقت بينهما فبقيت تنتظره لسنوات عديدة حتى التقت به في حفلة فاذا به قد تغير كثيراً، أصبح عجوزاً وسكيراً وطويل اللسان.
القصة التي تشبهني في بعض النواحي أخذتني بعوالمها وفكاهتها العالية ومأساويتها فانشغلت بها عما يحيط بي، لكنني شعرت بجسد متصالب يقف قدامي بكل إصرار.
- هممم إنها السيدة ذاتها تطالب بحصتها من المقعد المجاور.
رفعت نظري اليها لأول مرة. إنها سيدة عادية من الطبقة المتوسطة. ملابس مرتبة، شعر أحمر وشفاه حمراء، لم تعد شابة فهي تقترب من الأربعين رغم أنها أخبرتني أنها في الثلاثين.
قالت بعتب ممزوج بمرارة- ألم تعد ترحب بي بطريقتك الفريدة؟
أجبت- بالتأكيد.
رفعت حقيبتي ووضعتها بحضني فجلست السيدة بقربي.
تململت بمقعدها قليلاً وقالت- ما اسمك؟
قلت دون تفكير- أحمر.. وأنت؟
أجابت- أوليفيا.
اسمي أوليفيا.. تخيل نسيت نفسي طيلة هذه الاعوام. عمل، عمل فقط أستيقظ في الصباح وأخرج للعمل، أعود متعبة للبيت فأنام ثم أخرج ثانية للعمل وفي الآحاد أذهب للكنيسة. هذه هي حياتي.. اليوم التقيت بصديقتي التي فارقتها منذ عشر سنوات. صديقتي أخبرتني أنها تزوجت ولديها ولد في العاشرة من العمر.. لا أكاد تخيل ذلك؟
- لماذا؟
- هذا يعني أني كبرت دون زوج وعائلة وأطفال. ثم ضحكت.
مجرد عمل كل يوم ثم الذهاب للكنيسة والاعتراف بالذنوب التي لم أقترفها.
قلت- هل لديك صديق؟
كعادة البنات هنا أجابت بحزن- نعم لدي لكنه غير بالغ.
لم أسألها عن مدى بلوغه.
قلت- وما المانع من أن تأخذي منه طفلاً؟
قالت بعذوبة- أنه غير بالغ كما قلت لك.
تحركت بي تلك الرغبة القديمة في العطاء والتي لم أجد لها تسمية غير (الجدعنة) قلت- سأهبك طفلاً؟
نظرت بعيني طويلاً وقالت- حسناً يا أحمر.. سأفكر بالأمر وأخبرك لاحقاً.

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق