احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

الف قلم وقلم


كانكون تاون: بلدة صغيرة تقع على أطراف بوسطن وتتميز بالهدوء والدعة والرتابة، عكس المدن التي تحيط بها ك (سالم) مدينة الساحرات والمشعوذين، و ستوتن التي ينمو بها التفاح بكثرة ويجعل منها قبلة ومؤلاً للصينين الذين لا يكفون عن قضمه وهم يتضاحكون، أو عن دورشستر المدينة المقفلة التي لا يقطنها سوى السود وقلة من المهيكو الشرسين حيث تنتشر تجارة المخدرات وما يلحقها من عنف وجرائم منظمة تقودها كارتلات وعوائل وعصابات.
كانكون، أجمل مدينة وقعت عليها عيناي، ويا لكثر ما رأيت من مدن جميلة وقبيحة وساحرة ووادعة، لكني لم أر مثل كانكون.
كانكون.. قلبي.
المدن الأخرى. ذراعاي. ساقاي، نظري، أنفي..
أنها شارع واحد طويل لا يكاد ينتهي، الشارع يزدحم من الجانبين بدكاكين صغيرة لا تعرض شيئاً سوى الفن وما بمت بصلة له. دكانات تضم لوحات زيتية ومائية. دكانات تضم تحف وغرائب ولطائف من كل الأصقاع والبلدان. بيوض ثعابين متحجرة تجلب الحظ الحسن، دمى تشبه الأحياء ولا يعوزها سوى النطق، بحارة وقراصنة مع سفنهم العملاقة داخل زجاجة صودا، لكن كل هذا لا يثيرني كثيراً أو قليلاً فقد شبعت منه حد التخمة ولم يعد يثيرني منظر سفينة نوح بحجم بيضة دجاجة تضم بداخلها كل المخلوقات.
ما يثيرني فقط هو ذلك الدكان الذي يهتم ببيع وشراء وتبادل الأقلام بكل صنوفها وأشكالها وأنواعها.
بداخل الدكان يجلس رجل خمسيني.
راجستيرين.. هكذا عرف نفسه.
قلموني عتيد. هكذا فكرت.
أنف كبير وشفتان متهدلتان ولسان قد يكون بذيئاً في أية لحظة حاله حال أي من ولد في ضواحي نيويورك وقرر أخيراً أن يتخذ من كانكون موطناً أبدياً.
دكانته العجيبة لا تحوي شيئاً سوى الأقلام.
لا مراء، فهو مثلي عاشق أقلام.
أحب جمع الأقلام بكل صنوفها ومناشئها، أقلام برأس ورأسين وعشرة رؤس، أقلم (باندان) ٢١ وشيفرز أقلام بك الجافة وأقلام جافا و هيت و كولد و أير وأقلام صلبة ورطبة بزعانف ورياش ومقدمات تشبه مناقير الدلافين.
حتى تجمع لدي بالضبط الف قلم وهو الرقم الساكن الذي يعني الوفرة والكثرة والغنى وكنت أحتاج لقلم واحد حتى أعبر حاجز الألف وكان علي أن أحفر عميقاً من أجل ذلك القلم الثمين
حيث يظن بورخس أن الواحد بعد الألف هو إمتداد لللامتناهي كما جاء في محاضرته الشيقة عن كتاب الف ليلة وليلة وبوحه العذب عن وظيفة الشعر والأرقام.
كنت في ذلك اليوم السعيد أحمل بجيبي قلم الجاحظ وقلم قرة العين وقلم نحيف لم أجد له صاحباً.
تقدم القلموني ناحيتي بخطى رشيقة وقال
كما أرى فأنت جامع أقلام؟
أجبت- مجرد هواية قديمة.
-هممم.. ترى ماذا جلبت لنا من شرقك الغامض؟
لا شيء يا رفيقي مجرد ثلاثة أقلام،الأول قلم أديب قلما يجود به الزمن والثاني قلم عارفة إختلف بها حتى محبيها أما الثالث لا أعرف لمن يعود فقد التقطته من گراج سيل بثمن رمزي.
غمغم القلموني ووضع أصابعه تحت حنكه.
وقال- كم تريد ثمناً للقلم المجهول.
أنا لا أبيع أقلامي.. أستبدلها ربما.
تبسم بمكر وقال-لدي باقة أقلام لن تحلم برؤيتها؟
وضع ذراعه على كتفي وقادني الى رف مزين بزخارف عشوائية وخشنة ويستقر فوق الرف قدح خزفي واسع الفم وبداخله عدة أقلام.
أخرج الأقلام بحذر وفرشها على المنضدة وقال.
هذه الأقلام لا تقدر بثمن وخيالك لن يسعفك بالتعرف على أصحابها.
نظر بعيني للحظات كأنه يريد معرفة ردة فعلي.
قلت- كلا.. لا أعرف لمن تعود.
بالطبع لن تعرف، لكن ما رأيك بقلم جفرسون الذي وقع به على دستور الولايات المتحدة مقابل قلمك البائس؟
أفرد القلم المذهب والمزين بريشة طاووس.
قلت-وماذا عن الأخريات؟
أخذ يعدد لي.. لست أدري إن كان صادقاً أم كاذباً.
هذا قلم كابوتي الذي كتب به قصته الظريفة (فطور مع تفيني).
يا ربي المجيد كم أغرمت بتلك القصة الخفيفة الظل التي وطدت مجد كابوتي وجعلت دور النشر تتهافت على جديده.
أكمل-وهذا وهذا قلم ستاينبك الذي سطر به قصة شارع السردين المعلب وأرض الله الصغيرة، أما هذا فيعود لهمنگواي، لا يعجبني همنگواي شهرته أكبر من موهبته، وهذا القلم يعود.. تنهد بعمق.
قال بصوت عميق يشبه تراتيل الكنائس- قلم مستر ملفيل الذي كتب به أبرع قصة إنوجدت بتاريخ الأدب الأمريكي أعني (بارتلبي).
-آه.. لا أعرف.
قلت هذا دون أن أعرف كيف تقمصتني شخصية بارتلبي الموظف الذي لا يعرف أي شيء عن أي شيء، فهو من أقرب الشخصيات الأدبية لي، يشبهني تماماً، محبط وتائه لا يحب أحداً ولا يكره أحد، لا أحد يعرف أين يعيش وماذا يأكل ومع من ينام وحينما يسأله واحد عن أي شيء يجيب بحزن.
آه.. لا أدري.
قلت- سأبادل قلمي ب آه.. لا أعرف.
تبسم القلموني الماكر وأعطاني قلم لا أعرف مقابل قلمي الذي لا أعرف صاحبه أو لم أستطع أن أجد له صاحباً.
شد على يدي بحرارة وقال- هل تعرف لمن يعود هذا القلم؟
-لا أعرف.
هذا قلم مستر سعيد.
من يكون سعيد هذا؟
إدورد سعيد!

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق